دول التحالف تتبنى نهجًا متعدد الجوانب لهزيمة داعش
أسرة يونيباث
ما زال استمرار تدفق المقاتلين الأجانب إلى مناطق الصراع مصدر قلق كبير لقوات التحالف التي تحارب داعش وغيرها من المنظمات المتطرفة العنيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووسط وجنوب آسيا.
وقد نجحت داعش على وجه الخصوص في اجتذاب المقاتلين إلى صفوفها في العراق وسوريا، ومؤخرًا في ليبيا أيضًا. وقد حققت قوات التحالف مؤخرًا بعض النجاح في وقف تدفق المقاتلين، وعلى الأخص عبر الحدود التركية.
لكن ظاهرة تجنيد الأجانب الذين يغادرون منازلهم للانضمام إلى الجماعات الهمجية في المناطق النائية تمثل ظاهرة معقدة على نحو يصعب معه تقديم إجابات سهلة. وبالرغم من أن الأغلبية من الشباب الذكور، ونسبة مئوية معينة تأتي من خلفيات مضطربة وتصورات محدودة من أجل حياة أفضل، فإنه لا يوجد تعريف اصْطِلاحِيّ موحد للمقاتلين الأجانب.
وبالمثل، لا يوجد عامل تحفيزي موحد في اتخاذ قرار الانضمام للتنظيم. فكثير منهم يكونون عرضة للرسائل الدينية الفاسدة التي تبثها داعش ومنظمات إرهابية أخرى، في حين أن البعض الآخر ببساطة يسعى للمغامرة أو الحصول على راتب أو الهروب من بلدانهم.
وغالبًا ما تبدأ الخطوة الأولى نحو مستنقع الإرهاب مع التعرض لهذا النوع من دعايات وسائل التواصل الاجتماعي القذرة التي تميِّز داعش عن سابقاتها. وقد يكمل تأثير الأقارب المرتبطين بالجماعات الإرهابية والذين يعيشون في المدن الغربية هذا التحول.

إن مواجهة الدعايات الإرهابية على الإنترنت، وتعزيز حماية الحدود وتشريع العقوبات الجنائية على من يساعد الإرهابيين، والمشاركة بشكل أكثر فعالية في تبادل المعلومات جميعها تمثل استراتيجيات تنتهجها دول التحالف لصد المقاتلين الأجانب على الحدود، أو الأهم من ذلك، منعهم من السعي للانضمام إلى الجماعات الإرهابية في المقام الأول.
في تونس، والتي تعد مصدرًا للمقاتلين الأجانب أكثر من أية دولة أخرى، هناك قوانين تحول دون مغادرة المجندين من الدولة. وقد ألقت المملكة العربية السعودية القبض على مئات ممن يشتبه بانتماءهم لداعش وبدأت برنامجًا لإعادة دمجهم في المجتمع. وعبر أوروبا، يحدد رجال الشرطة شبكات التجنيد ويقومون بعمليات القبض عليها.
ودون شك، إن انتصارات التحالف في ساحة المعركة يعد عاملا حاسمًا لوقف تجنيد المقاتلين الأجانب. ولكن يحظى كسب قلوب وعقول المسلمين الذين يتعرضون لعمليات خداع داعش وجماعات إرهابية أخرى بنفس القدر من الأهمية.
منْ هم
في الواقع، استند صعود داعش في جزء كبير على الخطاب الزائف أنها ستقيم ما تسميه “خلافة” مستقلة في مناطق من سوريا والعراق حيث يمكن لأتباعها ممارسة شكل أكثر نقاء من الإسلام.
وفي الوقت الذي بدأت فيه داعش احتلال مدن في سوريا والعراق، استجاب الآلاف من الشباب الساخط لنداء الانضمام إلى صفوفها. وعلى عكس دعوات المنظمات الإرهابية السابقة التي تعرض الشهادة، فإن داعش تدعي بأنها تقدم ملجأ حيث يستطيع الناس أن يعيشوا كمسلمين أتقياء.
وقد صرح بريان دودويل، نائب مدير مركز مكافحة الإرهاب في وست بوينت لمحطة إن بي سي نيوز في نيسان/أبريل 2016 قائلا، “إن العديد من هؤلاء الأفراد، على ما يبدو، يؤمنون بهذه الرسالة ويدعمونها وسيذهبون للعيش هناك وليس لكي يموتوا،”
وقد حصلت شبكة التليفزيون على سجلات رقمية تكشف عن خلفيات 4000 مجند بداعش. وفي نفس الوقت تقريبًا، حصلت منظمة إخبارية سورية ومحطة تلفزيون بريطانية أيضًا على سجلات تقدم ثروة معلوماتية عن شخصيات المجندين الأجانب بما في ذلك دوافعهم للانضمام للتنظيم.
وكما أخبر دودويل محطة إن بي سي، “تتمثل الخلاصة الأكبر من هذه الوثائق في التنوع الهائل للسكان.” وبالرغم من أن متوسط العمر كان حوالي 26 عامًا، فقد تراوحوا بين مراهقين إلى رجال في الستينيات من العمر. ومن حيث التعليم فقد تنوعوا بين أميين إلى حاصلين على الماجستير.
وحيث إن معدل التجنيد ارتفع مع احتلال داعش لأراضي في العراق وسوريا في عام 2014، يبدو أن رغبة العيش في ما يسمى بالخلافة كانت حافزًا.
ويصعب إلى حد كبير الحصول على تقدير دقيق لعدد المقاتلين في صفوف داعش — سواء الأجانب أو الذين يتم تجنيدهم في العراق وفي سوريا. وتتراوح التقديرات الصادرة عن الجهات الحكومية ومن الجماعات المستقلة من عشرات الآلاف إلى ما يصل إلى 200,000. ويرى الخبراء أن داعش قد تجاوزت الجماعات الإرهابية الأخرى في جذب المقاتلين الأجانب في صفوفها.
وخلال العشر سنوات التي حارب فيها الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في الثمانينيات، كان إجمالي عدد المقاتلين الأجانب يقدر ما بين 20,000 و 35,000. وفي ديسمبر 2015، قدرت مجموعة صوفان، وهي شركة استشارات دولية، عدد المقاتلين الأجانب الذين سافروا إلى العراق وسوريا على مدار بضع سنوات بحوالي 30,000 جندي مهاجرين من 86 دولة. وقد قدرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية في يناير 2016 العدد بما يزيد عن 36,000 قدموا من أكثر من 100 دولة.
وكشف تقرير لمجموعة صوفان أن الدول في شمال شرق أفريقيا قدمت حوالي 8000 جندي من المقاتلين، كان أغلبهم من تونس. وقد ساهمت الدول في الشرق الأوسط بعدد 8000 مقاتل آخر، بينما ساهم كل من غرب أوروبا والاتحاد السوفيتي السابق بما يقرب من 5000 مقاتل.
ووفقًا لما جاء بالتقرير فإن قرار الانضمام لداعش يعد شخصيًا أكثر من كونه سياسيًا. وذكر التقرير أنه “على الرغم من أن الكثير من الدعاية التي وضعتها الدولة الإسلامية تركز على الضحايا المدنيين الذي ماتوا جراء الحملة العسكرية التي تشن ضدها، والغالبية العظمى من إنتاج الفيديو تجذب أولئك الذين يبحثون عن بداية جديدة مقابل أولئك الساعين للانتقام لأفعال ماضية،” “كما أن البحث عن الانتماء، والهدف، والمغامرة، والصداقة يظل هو السبب الرئيسية وراء انضمام الأشخاص.”
وما يقلق بعض الدول في أوروبا وشمال أمريكا، أن الشركة وجدت أن ما يصل إلى 30 في المائة من المجندين قد عادوا إلى دول غربية بعد انضمامهم للجماعات المتطرفة وهو ما يمثل تحديًا خطيرًا للأمن في تلك البلدان.
الإجراءات المضادة
إن دول التحالف تعي تمامًا هذا الخطر. ونتيجة للتهديد المتزايد، سنت حوالي 45 دولة قوانين أو تعديلات لعرقلة السفر إلى العراق وسوريا، وفقا لما ذكره مركز التقدم الأمريكي، وهو معهد سياسة مستقل.
وقد ذكر تقرير صدر عن المعهد في مارس 2016 أن 35 دولة ألقت القبض على مقاتلين أجانب مشتبه بهم، ونجحت 12 دولة من هذه الدول في محاكمتهم. وقد كشف التقرير عن أن عملية تبادل المعلومات قد تحسنت، حيث يستعين ما يزيد عن 50 دولة بمركز مكافحة الإرهاب التابع للإنتربول لمشاركة الملفات التعريفية للإرهابيين، وهي زيادة كبيرة عن الأعوام القليلة الماضية. وقد نوه التقرير إلى أن الولايات المتحدة تتبادل المعلومات بشأن سفر الإرهابيين مع 40 دولة.
وعلى الصعيد المالي، حث تقرير صادر عام 2015 عن فريق العمل الدولي المعني بالإجراءات المالية أعضاءه لتحديد علامات التحذير المالية التي تشير إلى مساعدة أي شخص لمنظمات إرهابية، وتجميد الحسابات المصرفية وبطاقات السحب الآلي التي يستخدمها المقاتلون للسفر عبر الحدود. وقد مرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا يطالب الدول الأعضاء بتجريم تمويل سفر المقاتلين الأجانب.
وعلى الصعيد العسكري، تعمل الغارات الجوية على القضاء على بعض قادة المقاتلين الأجانب، بما في ذلك عمر الشيشاني، وهو مقاتل شيشاني انضم إلى تنظيم داعش وأصبح “وزير الحرب” لها. وقد قُتل في ضربة جوية بالقرب من مدينة الموصل العراقية، أثناء سفره لدعم قوات داعش بعد الهزائم التي لحقت بها على أيدي القوات المحلية. وتشارك العديد من البلدان في حملات إنترنت قوية تهدف إلى تعطيل قدرة داعش على تجنيد المقاتلين الأجانب، والقيام بحملات إرهابية، وحتى قدرتها على دفع رواتب لمقاتليها.
ولكن تبقى التحديات قائمة، ولا سيما على امتداد الحدود لمسافة 500 ميل التي تشترك فيها تركيا مع سوريا.
وكما تذكر تقارير مركز التقدم الأمريكي، فإن تركيا تعد الشريان الرئيسي لسفر المقاتلين الأجانب إلى سوريا. وقد ذكر تقرير أن “سد الثغرات في حدود تركيا التي يسهل اختراقها سوف يكون أمرًا حيويًا لوقف عبور المقاتلين الأجانب من كافة الجنسيات من الدخول إلى سوريا،” غير أن هناك إِشارات مشجعة على ذلك. ويتم إلقاء القبض على المقاتلين الأجانب المشتبه بهم على الحدود، وتشير بعض التقارير إلى أن تدفق المقاتلين الأجانب يقل. ولكن مجرد طول الحدود يجعل من المستحيل تعطيل عمليات العبور بشكل كامل.

رويترز
