ثلاثون عاماً من الصراعات أدت إلى عدم الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط

الممثل الوطني الأقدم لدولة قطر في القيادة المركزية الأمريكية
العقيد الركن البحري عـــــــبدالله شــــــــاهين العتيــــق الدوسري الممثل الوطني الأقدم لدولة قطر في القيادة المركزية الأمريكية
بســـــــــــم اللــــــــه الرحمـــــــن الرحيــــــــم
قال الله تعالى:
((وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً)) [سورة الإسراء-الآية 33]
تشهد منطقة الشرق الأوسط أوضاعًا صعبة وقاسية فقد أصبحت ساحة ميدانية لحروب شتى خضبت الأراضي العربية بالدماء وجعلتها مسرحاً مأساوياً للمعاناة والشقاء من خلال ما يحدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
لقد أصبحت المنطقة هشة بسبب توالي الحروب فيها، بداية من الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الثانية والثالثة، بالإضافة لما يحدث في العراق وسوريا حالياً وأخيرا اليمن، حتى صارت الحروب كمرض (الجدري) الذي أصاب الجسم وانتشرت فقاعات الحروب السوداء في جميع أعضائه، ولا يمكن التخلص منه إلا بشفاء الجسم كاملاً، كما أن هذه الحروب غامضة المعالم وعدم وضوح شكلها يعود إلى التغيرات والأحداث المتسارعة؛ ولكن يمكن القول بأنها تمتزج بين حرب الجيل الثاني وحرب الجيل الرابع بما تحمله من صفات كماوصفها الخبير العسكري والكاتب الأمريكي ويليام ليند،أو يمكن أن نطلق عليها الحرب غير المتكافئة.
الحرب تتبعها كارثة
عرفت مجلة العلوم والتكنولوجيا الكارثة بأنها “مأساة ناتجة عن خطر طبيعي أو صناعي بواسطة الانسان يهدد الحياة، والصحة، والملكيات، والبيئة؛ وتؤثر بشكل سلبي على المجتمع والبيئة الحضرية والهيكل العمراني”. ونظرة سريعة على مكونات النزاعات الموجودة حالياً في كل من العراق وسوريا توضح لنا خطر تلك المكونات وازديادها حدة، مما يعني بأننا مقبلين على كارثة حقيقية بكل المقاييس وسوف تتبلور للعيان في المستقبل القريب. تلك الكارثة يكون الشعوب أكبر ضحاياها لامحالة، فهم الخاسر الاكبر والحقيقي لما نراه اليوم من مشاهد تقشعر لها الأبدان من دمارٍ وسفكٍ للدماء وقتلٍ لأرواح الأبرياء أطفالأ ونساء وكبار السن، يُقتلون بدم بارد و ويتفنن الإرهابيون في تشويه جثثهم، مناظر ومجازر لا يتقبلها الصغير قبل الكبير، وستترك أثرها النفسي السلبي على المجتمع ككل وخاصة الأطفال لأنهم مفاتيح المستقبل، بالإضافة إلى آثارها المدمرة علىالهوية والثقافة والتقاليد.

وكالة الصحافة الفرنسية/صورغيتي
يعتبر الأثر النفسي للحروب الأشد فتكاً بأفراد المجتمع، ويشكل قيام الدولة بعلاج الصدمات النفسية للحروبتحديًأ كبيرًا، وبمثابة حرب أخرى للدولة نفسها ومؤسساتها، لأنه يتطلب منها اهتماماً بالرعاية النفسية لمعالجة هذه الصدمات والمشاكل النفسية التي تعرض لها الأفراد، و إن لم تستطع علاجها واحتوائها فسوف تتراكم لتولّد مشكلات إجتماعية على مدى جيل كامل. ومن أسباب انهيار بعض الدول عندما تهتم الدولة بالتطور التقني على حساب التطور الإنساني والأخلاقي.
الأيديولوجية العدائية
يجب أن ندرك أن ما يحدث اليوم ونشاهده ونسمع عنه من أعمال وحشية، مثل تقطيع الرؤوس وتفجيرالأجسام بدم بارد إنما هو بسبب الأيديولوجية الفاسدة التي ورثها واكتسبها هذا الجيل خلال الحروب السابقة، حيث لم يجد الدولة المناسبة التي تستطيع معالجة هذا المرض الذي يشبه الفايرس الذي يعيش في حالة خمول حتى يجد الوقت والمناخ المناسب ليظهر ويقوم بنشطاته. ولكي نوضح ذلك يجب ان نرجع لتواريخ الحروب السابقة ابتداء من الحرب العراقية الايرانية سنة 1980م، وحرب الخليج الثانية سنة 1990م، وكذلك حرب الخليج الثالثة سنة 2003م، وأخيراً الحرب التي تدور الآن، مما يعني أن هذا الجيل الذي يقاتل اليوم هو فقط مخرجات الحرب الأولى والثانية فقط. وما يفهم من ذلك بأن هناك أجيالا أخرى قادمة ستكون مثقلة بنفس الأيديولوجية؛ إن لم يتم معالجتها وإصلاحها بخطة طويلة الأمد. وما يحدث الآن في سوريا إنما هو انتقال العدوى من العراق من خلال الجماعات الارهابية ومقاتلي الحرس الثوري وهم من نفس الجيل الذي تحدثنا عنه سابقًا.
دور الإعلام
يلعب الإعلام دوراً مؤثراً وفاعلاً ويعتبر آلية من آليات الحرب، خاصة عندما تكون هناك أقلام وقنوات مأجورة يتم توظيفها لغرض التضليل وتغيير شكل الحقيقة والواقع ونشر الفوضى، باستخدام جميع وسائل الإعلام المرئية الحديثة. ولا شك أن الإعلام يستطيع أن يخدم أهداف الحرب والسلام على حد سواء، ويمكن ملاحظة ذلك بالنظر إلى الفوضى التي خلقها الإعلام بين الطوائف والمذاهب الاسلامية، وإشعال فتيل الفتن. وفي المقابل، لو امتلك العالم الاسلامي إعلام قوي وقادر على التصدى لهذه الفتن والأكاذيب لما حدث ما حدث. وما زاد الطين بِلَّة أن بعض مجتمعات هذه المنطقة ما زال ينقصها المعرفة والقدرة على التمييز والتحليل الجيد والرؤيا الواضحة، حيث يغلب عليها طابع الهمجية. كما ساهم الإعلام المتطرف أيضًا في التغرير ودفع كثير من الشباب إلى الزحف من جميع دول العالم للقتال باسم الإسلام رغم أن دين الاسلام برىء من ذلك؛ بل إنه يدعو إلى الحوار والمحبة والأخوة والعدل والمساواة. والخوف ليس على دين الإسلام، ولكن الخوف على من يفسر العقيدة الإسلامية بشكل خاطئ، لأن الإسلام دين قوي والتاريخ يثبت ذلك.
الخسائر الحقيقية
لاشك أن الحرب تلحق الدمار أيضاً بالممتلكات والمدن والمصانع والمؤسسات والخدمات العامة، وعملية إعادة البنى التحتية ليست أمراً سهلاً،فمثلاً عندما نرى مدينة كاملة تنهار خلال يوم واحد فقط، لكن إعادة إعمارها سوف تستغرق وقتاً طويلاً وستحتاج إلى جهد مضاعفوتمويل كبير؛ولكن الأسوء من ذلك كله حينما تنهار هوية وثقافة المجتمع، فبعد ويلات الحرب ومعاناتها تبدأ تحديات إعادة الإعمار والبناء فهذه العملية تحتاج إلى إرادة حقيقية و بناء علاقات طيبة متبادلة بين أفراد هذه المجتمعات، وإعادة بناء حضارة جديدة تقوم على الأمن والسلام، ولتحقيق ذلك، يجب أولاً أن نبدأ بتربية الأجيال على القيم والمبادئ الأصيلة.
الشأن السوري
عندما يمارس النظام السوري أبشع أنواع التعذيب والقتل ويستخدم جميع أنواع الاسلحة ضد المدنيين، يتوجب على جميع الدول العربية بشكل خاص وباقي الدول بشكل عام الوقوف بحزم أمام هذا النظام المجرم الذي شرد شعبه وجعله يعيش في واقع مُظلم ومعاناة دائمة انعكست علي جميع مكوناته صغاراً وكباراً. أدخل هذا النظام بلاده في مشـاكل سياسيـة واقتصاديـة، ووضع يـده فـي أيادي خارجية لها مطامع إقليمية وتاريخية، وتسبب بإشعال الفتن والحروب المذهبية والطائفية، وجعل بلاده حاضنة وتربة خصبة لإنشاء العصابات الإرهابية المتطرفة. بالتاكيد مثل هذه الديكتاتوريات تساهم في نمو الإرهاب، لذا يجب الإطاحة به وجعل الشعب يحكم نفسة بنفسه من خلال الاقتراع النزيه بعيداً عن التضليل.

زيارة إلى جبل سنجار، في شمال العراق والتي تقع غرب مدينة الموصل.
وكالة الصحافة الفرنسية/صورغيتي