المقاتلون المحليون ساهموا في تحرير المدن العراقية من الإرهابيين
أسرة يونيباث
صور التقطتها القوات المسلحة العراقية
إن المعركة ضد الإرهاب معركة معقدةُ جدًا بسبب تمترس الإرهابيين داخل المناطق الآهلة بالسكان واستخدامهم المدنيين الأبرياء كدروع بشرية. لقد استطاع تنظيم داعش الإرهابي زرع الرعب في قلوب المدنيين من خلال بشاعة القتل والتنكيل، ومن خلال نشر الأكاذيب على صفحات التواصل الإجتماعي. ومع ذلك، فشل الإرهابيون فشلًا ذريعًا بكسب الدعم والقبول من السكان بسبب التصرفات الإجرامية التي يمارسها المقاتلون الأجانب بعدم الاكتراث لسفك دماء الأبرياء، وعدم الاعتراف بالتقاليد السائدةـ وإهانة وجهاء المدينة. لذلك تواجه داعش تحديًا كبيرًا في عملية تجنيد المقاتلين المحليين، أو إيجاد حواضن تدعمها، وبسبب ذلك تفقد عصابات داعش صوابها وتقوم بحملات إعدام عشوائية بين الحين والآخر لإحكام قبضتها وإرغام السكان على تأييدها. لكن جرائم داعش جعلت السكان أكثر إصرارًا على رفض وجودها، وبدأت بوادر الرفض بتشكيل قوة من رجال العشائر لتحرير المدن ومنع عودة عصابات داعش من العودة إلى بلداتهم مرة أخرى. وقد أجرى فريق مجلة يونيباث حوارًا مع الفريق رشيد فليح قائد أفواج العشائر، حيث حدثنا بالتفصيل عن هذه القوة ودورها في محاربة الإرهاب.
يونيباث: ما هي أسباب تشكيل أفواج العشائر في العراق؟
الفريق رشيد: لكي أكون صادقا معك، ليس جديدًا على العشائر العراقية الأصيلة مقاتلة الإرهاب، فقد واجهوا وبكل بطولة تنظيم القاعدة في العراق عام 2006 واستطاعوا هزيمته شر هزيمة. وفي الوقت الذي لم تستطع فيه القوات الأمريكية والعراقية هزيمة هذه الجماعة. انضم رجال القبائل لهذه القوات بعدما استفحل تنظيم القاعدة وتطاول على شيوخ العشائر وحاول المس بكرامتهم لكن المواقف المشرفة لعشائر الأنبار استطاعت تطهير الرمادي من مخالب الزرقاويين. في عام 2014 وصل الإرهابيون لمشارف بغداد مما دفع أبناء العراق بكل أطيافه للدفاع عن مدنهم، ومن ضمنهم رجال العشائر السنية التي قاتلت لتحرير مدنها والدفاع عنها. في الحقيقة كان رجال العشائر يقاتلون منذ دخول عصابات داعش المجرمة اي من قبل تشكيل هذه القيادة، لكنهم لم يكونوا يقاتلون ضمن قيادة موحدة، وبدون إسناد ناري أو تنسيق لوجستي أو تموين ودعم متكامل. وبعض الأحيان بدون تنسيق مُسبق مع القوات الحكومية، مما جعل الساحة معقدة جدًا وقابلة لخطر النيران الصديقة. لكن الآن أصبحت لنا قيادة وتنسيق على مستويات عليا، وأصبح التسليح وانتشار القوة أكثر تنظيمًا. لقد قاتلوا ومسكوا الأرض بكفاءة عالية تقارن بكفاءة القوات النظامية حتى أنهم قاتلوا في بعض المناطق جنبًا إلى جنب إخوانهم في الجيش العراقي.
يونيباث: منْ هم أبرز قادة أفواج العشائر؟
الفريق رشيد: قادة التشكيلات هم من أصحاب الخبرة من أبناء العشائر، وليس من الضروري أن يكونوا من شيوخ القبيلة. بينهم ضباط سابقين بقوات الأمن والقوات المسلحة، قد أحيلوا على التقاعد او لم تسنح لهم الفرصة للعودة للجيش الجديد. لدينا حوالي 30 بالمئة من آمرين هذه القوة هم من ضباط الجيش والأجهزة الأمنية قبل 2003. كانوا يمارسون الأعمال الحرة لكنهم وجدوا من الضرورة التحاقهم بهذه القوة وتحرير مدنهم من براثن الإرهاب، وإعادة الأمن والأستقرار من أجل أبنائهم ووحدة وطنهم. وهذا يدل على ولائهم لوطنهم برغم إختلاف وجهات النظر التي راهن داعش على استغلالها لتجنيدهم.
يونيباث: أين تتواجد هذه القوة؟

الفريق رشيد: تمتد هذه القوات وتنتشر عبر مسرح العمليات وتقدم الدعم للوحدات العسكرية في المنطقة. فلدينا ستة أفواج في عامرية الفلوجة، وأربعة افواج في الكرمة، وأربعة افواج في حديثة، وفي مدينة الرمادي حوالي 11 فوجاً، ولدينا أفواج في الحبانية والخالدية والبغدادي أيضًا. كذلك لدينا أفواج في طور التدريب لتتسلم الأراضي التي تخطط القوات المسلحة إستعادتها قريبًا. يتم التدريب في معسكرات القوات العراقية حيث يتلقى المتطوعون تدريبات على حفظ الأمن، وتقديم المساعدة للسكان، والتحقق من هوية المشتبه بهم، إضافة للتدريب على السلاح والانضباط العسكري.
يونيباث: هل هناك علاقة لقادة الصحوات السابقين بهذه الأفواج؟
الفريق رشيد: لا، لا توجد اي علاقة لقادة الصحوات السابقة بهذه القوة. هذا تشكيل جديد تمامًا، ولكن قواتنا تشمل العديد من المقاتلين الذين قاتلوا القاعدة سابقًا ضمن الصحوات. وكما ذكرت سابقا بأن رجال العشائر هم رجالٌ مشهود لهم بالفروسية والبطولة ورفض الظلم والذل، وهذه هي الأسباب التي دعتهم لمقاتلة عصابات الزرقاوي في الماضي وهي ما يدفعهم اليوم لمقاتلة داعش.
يونيباث: هل هذه القوة عبارة عن أفراد القبيلة ضمن وحدة خاصة أم خليط من رجال القبائل؟
الفريق رشيد: كلا، بما أننا دولة مؤسسات، عملنا على تغيير طريقة الولاء للقبيلة إلى الولاء للوطن والمدينة. لقد تمكنا من خلال هذا التشكيل مزج رجال العشائر تحت لواء العراق لمقاتلة الإرهاب كوحدة وطنيه خارج نطاق القبيلة الضيق. ونحن لانعامل الرجال على أساس مواقف بعض شيوخ القبائل بل على أساس ولائهم للوطن. فمثلًا نعرف الموقف الشخصي لشيخ قبيلة جميلة في الفلوجة وتواطئه مع داعش، لكن ذلك لم يمنع إعطاء منصب نائب قائد الأفواج لجمعه الجميلي الذي أثبت ولاءه للعراق وتفانى بمقاتلة داعش. لا يسعني ان اذكر لك جميع الرجال من شيوخ العشائر ومن المقاتلين الأبطال لأن ذلك يحتاج لمجلدات ولكي لا أظلم أحدا ممن لا يحضرني اسمه. نحن لانطلب من الشيخ أن يمسك بندقية (AK-47) ويقف على الساتر، برغم أن الكثير منهم حملوا بنادقهم وقاتلوا جنبًا إلى جنب مع أبنائهم، لكننا نود منهم أن يظهروا على شاشات الأعلام وينددوا بجرائم داعش ويطلبوا من رجالهم أن يدافعوا عن قيمهم ووطنهم وعزتهم التي تحاول داعش أن تستهين بها. ولابد أن أذكر أن هناك خمسة عشائر تميزت تماما في ذودها عن كرامتها وأرضها مثل الجغايفة، والبو عيسى، والبو فهد، والبو علوان، والبو نمر.
يونيباث: هل هناك موقف بطولي لعشيرة معينة تستطيع ذكره؟
الفريق رشيد: في الحقيقة المواقف المُشرفة كثيرة، ولكنني لا أريد أن ينظر إلى ذلك على أنه تحيُّز لقبيلة دون أخرى، فرجال العشائر جميعهم وقفوا موقفًا مشرفًا في القتال ضد داعش يجعل جميع العراقيين يفخرون بهم. لكنني أتذكر موقف البو عيسى في عامرية الفلوجة، هؤلاء الرجال الأبطال وقفوا وقفة مشرفة بمنع تقدم داعش باتجاه بغداد ورفضوا التفاوض أو الهزيمة. حدث هذا في ذروة اجتياح عصابات داعش للمنطقة إذ كانوا يتقدمون ويدمرون الأرض ويهددون بالقتل أو البيعة. حيث ذكر لي أحد شهود العيان بأن داعش طلبت منهم الهدنه وفتح الطريق نحو بغداد، وكان رد البوعيسى واضحًا وصريحًا: بأنهم لن يمروا إلى بغداد إلا على جثثهم. وهذا الموقف المشرف سيسجل لهم. لم تسمح لهم كرامتهم وكبريائهم من أن يخونوا وطنهم ويسمحوا لهؤلاء الرعاع من التقدم نحو بغداد.
يونيباث: كيف يتم تدريب هذه القوات؟
الفريق رشيد: البعض منهم مدرب من أيام الجيش السابق، والبعض الآخر تدرب بشكل سريع في معسكر الحبانية على يد مدربين من الجيش العراقي، والبعض الآخر تدرب على يد قوات التحالف في قاعدة الحبانية. وهنا أود أن اشيد بموقف شركائنا الأمريكان بالدعم المتواصل في التدريب والتسليح لهذه القوة الفتية، والتزامهم بالاتفاقية الأمنية، والوقوف الى جانب الشعب العراقي وإنجاح العملية السياسية في العراق الجديد.
يونيباث: كيف يتم اختيار المقاتلين وانتقاؤهم بدقة للتأكد من أنهم ليسوا أعضاء بالجماعات الإرهابية يحاولون التسلل إلى الوحدة واختراقها؟
