مفكر إماراتي يضع الخطوط العريضة للحد من التطرف الديني
الدكتور جمال سند السويدي
مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
إن الصراع ضد الفكر المتطرف وجماعاته وتنظيماته مثل داعش ليس محصوراً في نطاق أمني وعسكري، بل هو عبارة عن حرب ممتدة ذات طابع فكري في الأساس يتطلب تخطيطاً بعيد المدى لا تقل أهميته عن أي معالجات على الصعيدين الأمني والعسكري بل ربما يفوقها.. ويلعب البحث العلمي الأكاديمي دورًا حيويًا في حماية الأمن الوطني للدول والمجتمعات.
وأناقش في كتابي الذي نشر مؤخرًا “السراب” مسألة أن العالم الإسلامي يحتاج إلى إحياء النشاط الفكري الذي يتضمن فصل السياسة عن الرسائل الدينية المتطرفة كشرط أساسي مسبق لتحقيق التقدم الحقيقي. فهذه العلاقة بين الدين والسياسة هي قضية ذات صلة وثيقة، حيث إن لها تأثيرًا ملحوظًا على البيئة الإقليمية الحالية في العالمين العربي والإسلامي – الأمر الذي يمنع بالمناسبة العديد من المجتمعات العربية والإسلامية من مواكبة مسيرة الحداثة والتقدم والتنمية.
ولكنني لا أعني بذلك فصل الدين عن الحياة اليومية. فهذا الأمر لم يخطر لي على بال. ولكن هناك اعتقاد مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي ينص على أن الإصلاحات تعد أمرًا ضروريًا وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن والاستقرار الداخلي والإقليمي. فقد ذهبت هذه الدول، إلى جانب الأردن، إلى زيادة التفاعل الاجتماعي من خلال الاستماع إلى مخاوف المواطنين وإقرارها ومن ثم معالجتها وكان يتم ذلك في أغلب الأحيان عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
فمواجهة الأفكار الرجعية المتعصبة للجماعات السياسية الدينية يتطلب نهجًا متعدد الأبعاد. وتتسم المناقشات الثقافية والفكرية بنفس القدر من الأهمية مثل التدخل العسكري. فنحن بحاجة إلى اجتثاث هذه الأفكار الهدامة، ومن ثم الحد من قدرة أولئك الذين يسعون إلى التلاعب بعقول الشباب أو استغلال الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في بعض المجتمعات والتي يمكن استهدافها باعتبارها أرضًا خصبة لذلك.
وينبغي علينا تعزيز ثقافة الاعتدال في جميع المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية وكذلك دعم الجهود الساعية لمواجهة تلك الأفكار الهدامة التي تتعارض مع الإنسانية ومبادئ الإسلام السمحة.
ويعني ذلك أيضًا تدعيم التعاون بين المؤسسات الدينية في دول مجلس التعاون الخليجي والمؤسسات الدينية في العالمين العربي والإسلامي، وخاصة تلك المؤسسات التي يمتد تأثيرها ونفوذها في جميع أنحاء المنطقة وعلى نطاق أوسع في جميع أنحاء المجتمع الدولي، مثل جامعة الأزهر في جمهورية مصر العربية.
والهدف من ذلك ليس مواجهة هذه الأفكار الهدامة فحسب، ولكن أيضًا كشف الأهداف الحقيقية لعملية نشر مثل هذه الأفكار والفساد الكامن بها، وبالتالي الكشف عن طبيعتها الحقيقية، وهي ممارسة أو تبرير العنف المتخفى والمتستر تحت ستار الدين.

أسوشيتد برس