جريمة قتل الطيار الأردني، كشفت عن وجهه داعش القبيح
أسرة يونيباث
حكايات الرجال كثيرة، ومواقف البطولة تملأ صفحات التأريخ لكن بين فترة وأخرى نشهد قصة فريدة من نوعها. سواء في وقفة شجاعة امام القتلة أو بالوقوف كالأسد في مواجهة الموت بكرامة من أجل مبدأ يؤمن به مقاتلٌ يحمل شرف المهنه. فقصة الشهيد الطيار في سلاح الجو الأردني الملازم أول معاذ الكساسبة قصة تطرق باب القلب وتحرك المشاعر. فقد رفع اسم الأردن عاليا واصبح رمزا للتضحيه وفخرا للشعب الأردني بأجمعه. لقد عرف الناس الجريمة الوحشية التي قتل بها معاذ الكساسبة في 3 يناير 2015، لكن ما لايعرفه الناس عن معاذ الشاب المؤمن، الصديق المخلص، الأبن البار والأخ الحنون والطالب المتفوق. كان لمجلة يونيباث الشرف بلقاء عائلة الشهيد البطل وأصدقاء طفولته لنتعرف عن كثب سيرة الشهيد الطيار معاذ الكساسبة.
كان لقاءنا الأول بالسيد والد الشهيد معاذ الكساسبة:
يونيباث: اصبح اسم الطيار معاذ الكساسبة رمز شرف وبطولة في الأردن والعالم، ماهو شعورك كأب لهذا البطل؟
سيف الكساسبة: لقد تعدى معاذ الأردن والعالم العربي الإسلامي كرمز للتضحية والبطولة وقد تغني بأسمه الكثير من الناس. كأب انا فخور جدا به، وبموقفه البطولي المشرف، فقد رفع رأسنا عاليا كعائلة وكشعب اردني وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا به في جنات النعيم.
لقد كان كل يوم من حياته قصة بمفردها، حتى بعد وفاته ترك تاريخًا بطوليًا يفخر به كل الطيارون العرب والمسلمون. كان معاذ مميزًا في كل ما يفعله، وكان وسيمًا وهادئًا، وهو أول طيار تقتله داعش. لقد استطاع كشف كذب داعش على العالم كله أثناء استعراضهم خصالهم البغيضة التي تتجلى في جرائمهم الآثمة التي لم يسبق لها مثيل. فلم يسبق في التاريخ الإسلامي حرق الناس أحياءً إلا في حالة تاريخية واحدة، واليوم نرى معاذ الكساسبة المؤمن الحقيقي يحرق بأيدي الخوارج. لقد خضع معاذ للتعذيب والإيذاء بسبب ما تحمله داعش من نوايا آثمة تجاه الأردن.

رويترز / وكالة أنباء البتراء
يونيباث: هناك نقطة مهمه، داعش تعودت على إجراء لقاء بالفيديو مع الضحية قبل القتل ليظهر بمظهر الندم ويلقي اللوم حسب ما يملون عليه ليمرروا رسالة سياسية من خلاله، ويظهروه ضعيفا خائفا يطلب الصفح منهم، لكن لم يحدث ذلك مع معاذ الكساسبة؟
سيف الكساسبة: ابدا لا يفعلها ولدي، دعني اعطيك شيئاً عن صفاته، معاذ رجلٌ لا يخشى الموت ولديه قوة تحمل واصرار قل نظيرها. لايمكن ان يتنازل او يضعف اما تعذيب الإرهابيين. معاذ لديه إيمان مطلق بالله ويؤمن بأنه اذا كتب عليه ان يقتل فلا مناص عن ذلك. انا اعرف ولدي جيدا، لايمكن ان يضعف او يساوم على مبدأه او يقرأ رساله يكتبها له الأرهابيين. والله لو تجمع كل الدواعش امامه لما خاف منهم أبدا.
يونيباث: ماذا عن معاذ المسلم؟
سيف الكساسبة: كان لديه عقيدة خالصه وهي الأيمان المطلق بالله سبحانه وتعالى، لذلك عرف عنه انه من اصحاب المساجد ومن العباد دعني اذكر لك حادثة، معاذ حتى في ليلة زفافه، حرص على ان يذهب ليصلي الفجر في المسجد الذي يبعد عن بيتنا حوالي خمسمائة متر. وهذا دليل على انه لا ينقطع عن المسجد حتى في اللحظات التي قد يكون فيها الأنسان شبه غافل عن الصلاة. معاذ كان معروف بأنه كان ملتزما بالدين منذ الصغر، لا أتذكر يوما أنه افطر في شهر رمضان، ماعرفت عن معاذ الا انه كان يصلي في المسجد منذ طفولته حتى لقي وجهه ربه.
يونيباث: كيف كان آخر لقاء بينكما؟
سيف الكساسبة: معاذ يسكن في منطقة تبعد عشرين كيلومترا عن بيتنا، لكن معاذ حرص على ان يكون في بيتنا بعد ان يصل لبيته بساعة او ساعتين. كان لايفارقنا ابداً. ودائما يسألنا اذا كنا بحاجة لشيئا ما. كان آخر لقاء بيننا هو يوم الثلاثاء 23 كانون الأول 2014 حيث كان في أجازة طبية بسبب التواء الكاحل اثناء مبارات كرة القدم مع زملاءه الطيارين في القاعدة الجوية وقبل انتهاء الأجازة بيومين جاءه هاتف يطلب الالتحاق الفوري وكان على معاذ ان ينفذ الآوامر العسكريه ويقطع اجازته ويلتحق برفاق السلاح. فقد كان هذا واجبه الأول في سورية.
يونيباث: كيف تلقى الأردنيون نبأ مقتل معاذ؟
سيف الكساسبة: اصبح معاذ رمزاً للشعب الأردني، لقد كان استشهاد معاذ النقطة التي توحد عندها كافة الأردنيين على اختلاف توجهاتهم وأطيافهم. اصبح الشعب الأردني كله عائلة وقبيلة معاذ الكساسبة، حيث استنكرت الجريمة البشعة التي قام بها إرهابيو داعش بقتل معاذ. كل الأردن بكت على معاذ ولا زالت تبكي عليه.
يونيباث: كيف كان شعور معاذ حين اصبح طيار ليخدم الوطن؟
سيف الكساسبة: معاذ منذ الطفوله كان حلمه ان يكون طيارا، انا كنت ارغب ان يدرس الطب لذلك امنت له مقعدا في جامعة موسكو ليدرس الطب هناك. لكنه قدم طلب لسلاح الجو الأردني ليكون طيار. من شدة حبه ان يكون طيارا، كان يطلب من اعمامه ووالدته ان يتحدثوا معي لأوافق على التحاقه بسلاح الجو الملكي. لقد جاء قبوله في كلية الطب بجامعة موسكو تزامنا مع قبوله في سلاح الجو الملكي وحين رأيت بأن رغبته ان يكون طيارا باركت له الاختيار ووافقت. والحمد لله على كل شئ، وقد شاء الله ان يكون معاذ طياراً وينتهي به الأمر شهيدا على يد داعش.
يونيباث: كان الشهيد رجلاً مؤمنا ويحافظ على تأدية الفروض في المسجد، ماذا تريد ان تقول للعالم عن هؤلاء القتلة الذين قتلوا مسلما مثل معاذ؟
سيف الكساسبة: لم يعرف عن الإسلام على انه دين قتل، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة بدر جعل للأسرى فدية ومن لم يتمكن طلب منه ان يعلم عشرة من صبيان المدينة القراءة والكتابة لقاء اطلاق سراحه. هذه روح الأسلام. أما ما نشاهده في الفيديوات، ان يقتل الأقباط كما تقتل الأغنام وأن يعدم الأبرياء بوضعهم على فوهات المدافع او ان تقطع رؤوسهم او يلقوا من اماكن عالية او يحرقوا كما حرق معاذ، فهذه الجرائم الأرهابية ليس بها من الأسلام شيئاً، هؤلاء لانسميهم خوارج العصر فحسب بل هم خارجين على الأعراف الأنسانية وبعيدين كل البعد عن الأسلام، والأسلام منهم براء. وأتمنى ان ابعث رسالة لكل العالم من خلال مجلتكم، الإسلام دين التسامح ودين المحبة؛ أما ما جاء به فقهاء الذبح من قطع رؤوس الأبرياء وتفجير المعابد فهذا بعيد عن الإسلام. انا أطالب العالم بأجمعه ان يقف ضد الأرهاب والتطرف الذي يحاول تشويه صورة الأديان. عملية قتل معاذ الشاب المسلم الذي ما عرف عنه سوى حسن ايمانه هو ليس فقط جريمة انما هي عمليه قذرة لتشويه صورة الدين الأسلامي امام العالم. فهؤلاء هم اعداء الأسلام.

وكالة اسوشيتد برس
اما ماذكره لنا شقيقه جواد الكساسبه من ذكريات، فقد كانت قصص مؤثرة جدا عن صورة شخص مثالي له همومه وأحلامه، شاب كبقية الشباب يحب الحياة والناس ولم يذكر عنه انه أزعج جاراً ولا رفع عينه بوجهه “بنت الجيران”، فكيف تبرر داعش هذه الجريمة التي هزت ضمير الأنسانية. لقد اجاب جواد الكساسبة عن ذلك في حديثه.
يونيباث: ماهي علاقتك كأخ اكبر بمعاذ؟
جواد الكساسبة: انا اكبر من معاذ بسبع سنوات، لدي شعور بأن معاذ مثل ابني، حيث كنت المسؤول عنه حين كنا صغارا نلعب في الخارج، بعدها درسته مادة الحاسوب في الثانوية العامة. كذلك كنت زميله في سلاح الجو حيث كنت ضابطا وتربطني به علاقة صداقة قوية بحكم اننا اخوان. لذلك كان معاذ قريبا على قلبي كثيرا.
يونيباث: كيف ينظر اصدقاء الدراسة لمعاذ؟
جواد الكساسبة: معاذ تربطه علاقة حميمه بكل الناس. معاذ شخص هادئ ولا يتحدث كثيرا فقط يجيب على قدر السؤال. لديه اصرار عالي جدا ولا يقوم بشيئا غير مقتنع به. عنيدا بشكل كبير، وانا اعتقد بأن داعش فشلوا بأنتزاع اي معلومه أو اجباره على تنفيذ اوامرهم، لذلك كان واضحا على وجهه آثار التعذيب.
يونيباث: ماهو رأي الأساتذه بمعاذ؟
جواد الكساسبة: انا كنت احد اساتذته، معاذ مؤدب جدا، مواضب ويهتم بالدروس كثيرا. حتى بعدما اصبح طيارا، كان معاذ يحفظ عن ظهر قلب كل الكتب الفنية الخاصة بالطائرة التي يعمل عليها. كان دقيقاً جداً بكل التفاصيل. كان لديه قدرة عاليه على فهم وحفظ المعلومات. كان طيارا من النخبة. علاقته مع زملائه كانت علاقة وديه جدا لم اتذكر ان جاءنا أحدٌ يشكو من معاذ في طفولته وصباه. كان محبوبا من كل اصدقاؤه.
اما اساتذته العسكريين، لا استطيع ان اصف علاقة هؤلاء الرجال بمعاذ، فمحبتهم وقوة علاقتهم تفوق الوصف. كانوا يشيدون به كثيرا. قال لي مدرسه في السنه الأولى في الكلية أن علامات السلوك لمعاذ دائما كاملة وفي السنة الثانية حصل على اعلى الدرجات بالسلوك والأداء وفي اثناء اختبار الطيران حصل معاذ على اعلى درجة على مجموعته. وقد حصل اعلى تقدير يحصل عليه طيار اردني في طائرة أف 5 . لقد حصل معاذ على اعلى درجة تقدير جيدا جدا يحصل عليها طيار اردني من كلية الأمير الحسن المتخصصه في الأف 5.
يونيباث: سمعت من احد رجال الدين في القوات المسلحة، بأن معاذ كان يؤم الناس عند غياب امام المسجد في مدينتكم؟
جواد الكساسبة: صحيح، كان يؤم الصلاة في المسجد وأيضا معروف بين زملائه الطيارين بأنه مؤمن ملتزم. كان رحمه الله يؤم الصلاة في اكثر من مسجد حيث يتصل به ائمة المساجد ويطلبون منه ان ينوب عنهم حيث تكون لديهم ظروف تمنعهم من المجئ للمسجد. كان ذو صوت جميل جدا في قراءة القرآن وكان يحفظ القرآن عن ظهر قلب ويقرأ الكثير في الفقه الأسلامي.
