تفكيك الفكر الإرهابي
أئمة القوات المسلحة الأردنية يناقشون دور السلام في هزيمة الفكر المتطرف
لقد استخدم الإرهاب الدين كسلاح للتغرير والتجنيد وإشعال النزاعات التي عادة ما يذهب ضحيتها الأبرياء من الناس والجهلة من المغرر بهم، حيث تستخدم التنظيمات الإرهابية لعبة بتر النصوص وأخذ نصف المعنى ليخدعوا بها الشباب المسلم. هذه العملية تحتاج ردا قويا من قبل رجال دين متخصصين في تفنيد أكاذيب الإرهاب. لعل المملكة الأردنية الهاشمية كانت أول من رد على تلك الأكاذيب من خلال رسالة عمان، ومن خلال إعداد أئمة متخصصين يعملون في صفوف القوات المسلحة. يعتبر الجيش الأردني من الجيوش الفريدة في المنطقة والتي تملك برنامجاً وكلية متخصصه بإعداد وتأهيل أئمة القوات المسلحة. واليوم نجد تعاونا كبيرا بين الجيش الأردني والجيش الأمريكي في هذا المضمار. حيث عقد في كلية الأمير الحسن للعلوم الإسلامية في العاصمة الأردنية عمان مؤتمر لرجال الدين في القوات المسلحة بتاريخ 17 نوفمبر 2015 حضر المؤتمر رجال دين من الجيش الأردني ومن الجيش الأمريكي. وقد تبادل الحضور المعلومات واستفادوا من التعرف على دور رجال الدين في بقية صنوف الجيش وفي الدول الصديقة.
أجرت مجلة يونيباث لقاء مع العميد الدكتور ماجد سالم الدراوشة رئيس دائرة التعليم الأكاديمي في كلية الأمير الحسن للعلوم الإسلامية الملازم الأول الشيخ نبيل على الخطاطبة والملازم الأول الشيخ زياد محمد المؤمني، بلا شك إن اللقاء برجال الدين له طعم خاص لما يحمله هؤلاء الرجال من أخلاق نبيلة وتواضع وروح صداقة تجعل ضيوفهم يشعرون بأنهم يحادثون أصدقاء طفولتهم.
يونيباث: هل لك أن تحدثنا عن أهداف المؤتمر؟
العميد الدكتور ماجد الدرواشة: هذا المؤتمر الذي يعقد اليوم في كلية الأمير الحسن للعلوم الإسلامية ليس بجديد، فأنا شخصيا حضرت أكثر من مؤتمر مع الأصدقاء رجال الدين في الجيش الأمريكي، والهدف هو تبادل الخبرات والثقافات للوصول إلى نقاط مشتركة نستطيع من خلالها معالجة المشاكل التي نواجهها. ونسعى إلى الاستفادة من خبرات أصدقائنا في تنظيم واجبات أئمتنا بما يخدم جيشنا ومجتمعنا، وفي نهاية هذه الاجتماعات المشتركة نتمنى أن نكون واسطة للخير ورسل سلام للناس جميعا وأن يعم السلام والأمن هذه البلاد والعالم أجمع.
يونيباث: كيف تتعاملون مع التعدد الديني داخل الجيش؟
الدراوشة: في جيشنا يوجد مسلمون ومسيحيون، وإخواننا المسيحيون لهم الحرية الكاملة والمطلقة للذهاب إلى الكنائس يوم الأحد لمن يريد ممارسة الطقوس الدينية، علما أن يوم الأحد هو يوم دوام رسمي في المملكة الأردنية الهاشمية، لكننا نعطي الحق لإخواننا المسيحيين في ممارسة عبادتهم، ونسمح لهم بأخذ إجازة إضافية في مناسباتهم الدينية.
يونيباث: هل صادفتك مرة من المرات أن يأتي جندي مسيحي ليطلب مساعدة من الإمام المسلم في الجيش قد تتعلق بالتقاليد أو الدين؟
الدراوشة: نعم يلجأ إلينا بعض الأخوة المسيحيين في حل بعض الإشكالات الشخصية، لأن التقاليد في المجتمع الأردني متشابهه بين المسلمين والمسيحيين. بعض الأحيان يلجأون إلينا لإيجاد حلول للمشاكل الأسرية التي لا تختلف عن المشاكل الأسرية للمسلمين.
يونيباث: ما أهمية اجتماع القيادات الدينية من كل الأديان والطوائف؟
الدراوشة: الديانات السماوية لها هدف واحد وهو جعل البشرية يتعايشون كأمة واحدة في ديننا نؤمن بأن الله عز وجل خلق الناس لكي يتعايشوا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات: 13 والمقصود: أي ليكون بينكم التواصل الحضاري الذي جاءت من أجله الأديان وهو رفعة الشأن البشري والذي نحن نسميه الاستخلاف أي إعمار الأرض وهذا لا يمكن أن يكون مناطاً بجهة دون أخرى. فالعلوم التي نعمل بها ونستفيد منها ليست حكرا على أمة أو جنس أو عرق، بل هي هبة من الله للإنسانية كافة. ونحن نؤمن في ديننا: (أن العلم ضالة المؤمن)، فأينما وجد المسلم الشيء النافع يجب عليه أن يأخذ به.
الملازم أول نبيل على الخطاطبة: إن رجال الدين بكل المجتمعات هم صمام الأمان للأمة ولمثل هذه الاجتماعات أهميتها في ردم الهوة الموجودة في الذهن وغير الموجودة فعلا في حقيقة الأديان.
بعض الناس يعتقدون بأن هناك مشكلة ما بين المسلم والمسيحي باعتقادهم الذهني، لكن عندما يجتمع رجال الدين ويتناقشوا ويتباحثوا لما فيه خير المجتمع ويتلاقوا بالمودة والصداقة والتعايش فإن هذا سيجعل الناس يصلحون نظرتهم الخاطئة ويعرفوا بأن رجال الدين من كل الأطياف هم يمثلون الدين، وبأنه لا يوجد دين يدعو إلى تهميش الآخر والحقد عليه. فالمشكلة فينا نحن البشر وليست بالكتب السماوية.
بالنسبة لنا في الأردن، هذه الأمور مهمة جدا لذلك يوجد لدينا مركز اسمه مركز التعايش الديني يعمل على إظهار صورة انسجام الأديان فيما بينها ويتواصل فيه علماء المسلمين مع رجال الدين المسيحي.
يونيباث: ما هو دور علماء الدين بمحاربة الأكاذيب التي يبثها الإرهاب؟
الدراوشة: إن من أهم الوسائل لمحاربة هذا الفكر المنحرف هو أن نبين الدين الصحيح، على المستوى الشبابي هناك محاضرات وندوات نعقدها لنبين حقيقة أمر هؤلاء الناس، كيف نشأوا، ومن وراءهم، وكيف يحرفون النصوص الشرعية ويجتزئونها عن معانيها، والهدف هو أن لا يغرر بالشباب المسلم. هناك فكرة وقد نوقشت مع الأصدقاء لإنشاء مركز لنشر الإسلام الحقيقي، ومحاورة هؤلاء الناس، حيث سيكون هذا المركز داخل الكلية الملكة العسكرية في منطقة عرجان. حيث سنشارك مع بقية أجهزة الدولة المختصة لنشر حقيقة الإسلام انطلاقاً من رسالة عمان، وكذلك لمحاورة هؤلاء المتطرفين وبيان زيفهم وكذبهم على الدين، وتحصين الشباب من الأفكار المتطرفة، وسيساندنا في هذا العمل دائرة الإفتاء العام للمملكة، ودائرة قاضي القضاة، ووزارة الأوقاف وكذلك سيسند دور كبير لعلماء الشريعة في جامعات المملكة لإنجاح هذا المركز الذي ستكون رسالته عالمية وليست قصرا على الأردن. وبالنسبة لمديرية الإفتاء العسكري فإن حوالي 200 إمام من أئمة القوات المسلحة في الجيش الأردني تقريبا، يخطبون في المساجد المدنية من باب التواصل مع المجتمع المدني. حتى أنا والأخوة هنا لدينا خطب في المساجد المدنية وهذا معمول به منذ وقت طويل بيننا وبين وزارة الأوقاف فمعظم المساجد الكبيرة والمهمة في المملكة يخطب فيها أئمة القوات المسلحة، حيث يسود الاعتقاد في مجتمعنا بأن أئمة القوات المسلحة هم الأكفأ علميا بسبب التأهيل والامتحانات والدوارات المستمرة وفحص الكفاءة السنوي. لذلك تطلب وزارة الأوقاف منا المساعدة خاصة في البؤر التي تظهر فيها بوادر التطرف والاختراق الفكري.

تصوير كادر كلية الأمير الحسن للعلوم الأسلامية
Comments are closed.