برنامج التحديات السيادية التابع لقيادة العمليات الخاصة الأمريكية يسعى لتعزيز الأمن عن طريق بناء شراكات دولية
إن الحفاظ على سيادة الأمم واستقلالها وحماية الشعوب من التهديدات التي يهدد بها المتطرفون الأمن والاستقرار ليست بالأهداف الهينة. وما يتطلبه تحقيق تلك الأهداف النبيلة لا يقف فقط عند الاستجابة الحكومية الكاملة، بل التزامًا دوليًا بمزامنة الجهود وبناء العلاقات التي تعزز الجهود التي تبذلها كل دولة نحو تحقيق السلم والرخاء.

ومع تسليط القنوات الإعلامية العالمية الضوء على الأعمال الوحشية التي يرتكبها الإرهابيون وأذرعهم ذات التأثير والمسببة للعنف على مستوى العالم، بينما لا تحتل صدارة عناوين الأخبار الجهود المستمرة لحماية سيادة الأمم وإعادة الاستقرار للمناطق التي طحنتها الصراعات في العالم، فالمسؤولون العسكريون والقادة الحكوميون وغيرهم من الخبراء يعملون باستمرار لمواجهة الإرهابيين ودحرهم، وفيما تعد الضربات الجوية وغيرها من العمليات العسكرية عنصرًا واحدًا من عناصر القتال، فإن الشراكات العالمية والحوار الدولي يساعدان في تحقيق النصر النهائي على المتطرفين الممارسين لأعمال العنف.
قال الجنرال جوزيف فوتل – الذي شغل منصب قائدًا للقيادة العامة للعمليات الخاصة الأمريكية (USSOCOM) – عام 2015: “لدينا شبكة قوية ومتنامية، “ومن خلال شبكتنا سوف نهزم تلك الموجات العابرة لحدودنا والتي لا تتهدد أمننا وسيادتنا فقط، بل تهدد الأمن العالمي كله.”
ومن تلك المبادرات؛ برنامج التحديات السيادية الذي أسسته قيادة العمليات الخاصة الأمريكية عام 2004. ويعمل البرنامج كمنصة للربط إلى جانب كونه طريقة لكبار الممثلين ذوي التأثير الكبير التابعين لدول أخرى لدراسة تهديدات المتطرفين وبناء علاقات والوصول إلى فهم مشترك للتحديات العالمية من أجل الحفاظ على السيادة والأمن على مستوى العالم.
يقول الجنرال فوتل: “إنه برنامج فريد من نوعه حقًا – فلا يوجد ثمة برنامج مثله”.
يجتمع كل عام تحت مظلة برنامج التحديات السيادية الموظفون الحكوميون والعسكريون؛ كالملحقين العسكريين المبتعثين في الولايات المتحدة وأخصائيي قوات العمليات الخاصة. كما شارك في السنوات الأخيرة في مؤتمرات التحديات السيادية وحلقات النقاش التابعة له وغير ذلك من الفعاليات خبراء أكاديميون وصناعيون وأمنيون، ونوقشت في تلك الفعاليات قضايا كالأمن والتطرف والسلامة الإقليمية وشبكات تمويل الإرهابيين والاستقرار والصراع الداخلي والجرائم العابرة للحدود.
وذكر لاري كوك مدير برنامج التحديات السيادية أن “برنامج التحديات السيادية يعد واحدًا من الأدوات التي تساعد القيادة في النظر إلى المشكلات بشكل مختلف إذ يجعل قيادة العمليات الخاصة الأمريكية أكثر وعيًا من الناحية الثقافية وأكثر قدرة على جمع الأشخاص والإمكانات والأفكار للمساعدة في معالجة بعض أكثر المشكلات العالمية إلحاحًا.
وقد التقى المسؤولون في سبتمبر 2015 في ورشة عمل عقدت في واشنطن العاصمة تحت عنوان تحدي التطرف: إشراك الجيل القادم. وكان من بين الموضوعات التي نوقشت فيها دور الإعلام الاجتماعي اليوم في مكافحة جماعة داعش الإرهابية.
كما جذب مستوى الحوار الإستراتيجي في فعاليات التحديات السيادية مشاركين رفيعي المستوى من جميع أنحاء العالم. وحضر اجتماع 2015 أكثر من 200 مشاركًا من 81 دولة من بينها أفغانستان ومصر والعراق والأردن ولبنان وعمان وباكستان والسعودية والإمارات. وتحدثت أثناء المؤتمر صاحبة السمو الملكي الأميرة اللواء عائشة بنت الحسين – التي تولت فيما بعد منصب الملحق العسكري الأردني في الولايات المتحدة – عن سعي بلدها للقضاء على الإرهاب، وعن المشاكل التي تعرضت لها حدود الأردن المشتركة مع سوريا والعراق بسبب الصراعات المجاورة.
وقالت اللواء عائشة” “إن الأردن ليست بمعزل عن الفوضى المحيطة به، فمنذ عشر سنوات فجعنا بالقتل الوحشي للكثير من الأردنيين على أيدي الإرهابيين الذين اقتحموا الفنادق وحفلات الزفاف وفجروا أنفسهم، ومنذ شهرين فقط نعينا الطيار ملازم أول معاذ الكساسبة – رحمه الله – الذي دفعنا قتله الوحشي على أيدي عصابات داعش إلى الانتقال للمرحلة الثانية من الحرب ضد التطرف. وقد تميزت استجابتنا في الأردن بالسرعة والقوة، فضربنا أهدافًا تتراوح بين مستودعات أسلحة وذخيرة ومعسكرات تدريب، وما زالت العمليات مستمرة.”
وأوضحت أن الحرب ضد داعش تعد من الاهتمامات العالمية باعتبارها حربًا أيديولوجية طويلة المدى انتشرت في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وباقي مناطق العالم. كما حثت الدول على معالجة مشاكل المسلمين المهمشين الذين لا يجدون أمامهم إلا بصيص أمل بسيط في مستقبل مزدهر وآمن حتى لا تجرفهم الأيديولوجيات المتطرفة.
”من الواضح أنه يتوجب علينا القضاء على اليأس والتعامل مع قضايا التنمية والفقر التي تطل برأسها القبيح في كل مكان في العالم وعلى أصحاب كل الديانات. فالشرق الأوسط تحديدًا يواجه تحديات عارمة مع وصول نسبة الشباب فيه إلى 70 في المائة من سكان المنطقة، وبهذا تكون الدول الفاشلة أرضًا خصبة لتحرك تلك المجموعات ونموها وتكاثرها. إن علينا مواجهة تلك المشاكل اليوم قبل الغد.”
وتركزت أغلب مناقشات المؤتمر على أنواع التحديات المشتركة التي يتعذر على أي بلد بمفردها النجاح في معالجتها.

وقال الجنرال فوتل في كلمته التي سبقت كلمات المشاركين “إننا نشهد اليوم نوعًا جديدًا من التهديد العابر للحدود والقوميات، تهديدًا يطال سيادتنا جميعا يتمثل في تدفقات الأشخاص والمعلومات والأموال التي تتحرك دون قيد بين الحدود الدولية دعمًا لتهديدات لا تؤمن بالدول، أصبحت الآن الأفكار والاتصالات والدعاية التي تهدف إلى جذب المؤيدين تتدفق في الفضاء الإلكتروني وأصبحت أكثر تحفيزًا لذوي الميول الأصولية الذين يهاجر بعضهم ليكون مقاتلاً ويدعمهم البعض الآخر.”
ورغم أن القوة العسكرية – وبخاصة القوات الخاصة – تعد جزءًا لا يتجزأ من مواجهة تلك التحديات فإنها – وكما أشار فوتل – ليست جزءًا من حل طويل الأجل. وقال فوتل “بالرغم من أننا نؤدي دورًا مهمًا فإننا لا نعدو كوننا مجرد أداة واحدة من القوى الوطنية. فالتحديات المعقدة مثل تلك التحديات التي نواجهها اليوم تتطلب تطبيقًا حذرًا ومنسقًا لمجموعة كاملة من الخيارات الإستراتيجية – على الصعيد الديبلوماسي والمعلوماتي والاقتصادي والعسكري، ويكمن العامل الأساسي في النجاح في تنسيق تلك الجهود في العلاقات التي تربط بين الأدوات المختلفة والشركاء المتعددين الذين يؤدون كل مهمة.”
وأيدته في تلك الآراء إيزابيل دي سولا المدير المعاون لشؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي بالمنتدى الاقتصادي العالمي، وشرحت أثناء المؤتمر الدور المهم والمحوري الذي يلعبه الوضع الأقتصادي في مواجهة التطرف العنيف فالقضية باختصار هي أن الوضع الاقتصادي لا يزدهر في ظل الصراع. ومع توفير فرص عمل محترمة وتقديم فرص تعليمية وإرشادية ودعمها يمكن الوضع الاقتصادي أن يكون له تأثير كبير في تقوية المجتمعات.
وقالت دي سولا “إن الشركات بإمكانها المساعدة في ترويج قصص مكافحة الإرهاب ونشرها بين من يعملون لدى منظمات متطرفة وعنيفة.” وعلى سبيل المثال، يستطيع عالم الأعمال في مجال وسائل الإعلام والترفيه الوصول إلى القطاعات الضعيفة من السكان والإرهابيين أنفسهم بالاعتماد على الرسائل والمحتوى كوسائل مهمة لنشر المعلومات.
