التأهب للكوارث في الكويت يتطلب التعاون من جميع قطاعات المجتمع
بقلم الدكتورة وجدان العقاب، الأمين العام للجمعية الكويتية لحماية البيئة
ولكن أثناء إبحارها من مصفاة ميناء الأحمدي، أصاب انفجار هيكل ناقلة النفط الكويتية هديه، ما أدى إلى تسرب أكثر 5000 جالون من النفط في مياه الخليج العربي. لكن القوات البحرية الكويتية وخفر السواحل، والقوات الجوية، جنباً إلى جنب مع إدارة الإطفاء البحري، أجابوا نداء الاستغاثة، وأنقذوا البحارة المصابين، وقاموا بإخماد الحريق والمساعدة في احتواء التسرب النفطي.
تلك الأحداث كانت مجرد محاكاة لفرضية أجريت خلال المناورات العسكرية لتمرين حسم العقبان في شهر آذار 2015، وشكلت فرصة لفعل شيء فريد من نوعه. فلأول مرة في تاريخ هذا التمرين، تقوم منظمات حماية البيئة المدنية، سواء الحكومية وغير الحكومية، بلعب دور كبير في الاستجابة لهذه الكارثة.
فما قد ينتج عن تلك الكارثة من تسرب نفطي، وتلوث المياه، وإصابات، ووفيات يتطلب المشاركة ليس فقط من منظمتي — الجمعية الكويتية لحماية البيئة — ولكن منتسبي القوات العسكرية والأمنية، ووزارة الداخلية، والحرس الوطني، والإدارة العامة للإطفاء، وإدارة الطوارئ الطبية، ووزارة الصحة، والهيئة العامة لحماية البيئة.
لقد كشفت الاستجابة الجماعية لهذا الحادث عن وجود قدرة كبيرة للتعامل مع الأزمات. فالتعامل مع الكوارث يجسد المعنى الحقيقي للتكامل بين مؤسسات الدولة والهيئات المختلفة، وأهمية التعاون فيما بينها للتعامل مع الأزمات وحالات الطوارئ، والسيطرة على نتائجها.
وكما أشار رئيس مركز الشعيبة للإنقاذ البحري مقدم اطفاء بدر فالح الكدم: ” كانت العملية ناجحة بامتياز.”
إن منظمات المجتمع المدني تُعد ركيزة أساسية في بناء الدولة، وتقوم بدور رئيسي في تنمية مجتمع يساهم أفراده وجماعاته بصورة فعالة في بناء وطنهم ونهضته والدفاع عنه. كما أن للمدنيين ومؤسسات المجتمع المدني دورٌ فعال في إدارة الأزمات والكوارث، فلكلٍ اختصاصه ولكلٍ موارده ودوره المحدد، ويمكنهم عن طريق التعاون والتنسيق سوية أن يحققوا الهدف المتوقع.
للوهلة الأولى يعتقد الجميع أن تمرين حسم العقبان هو تمرين عسكري بحت؛ لكن ولله الحمد في النسخة الأخيرة من التمرين تم إدخال العنصر المدني فيه، ونحن كجمعية نفع عام إضافة إلى الجهات المدنية الأخرى شاركنا في هذا التمرين مع الجهات الحكومية الأخرى، وهو ما مثّل إضافةً نوعية للتمرين. كانت لمشاركة الجمعية دور أساسي في تغيير مسار التمرين بشهادة العقيد ركن محمد الكندري المحرك الخفي لهذا التمرين؛ فلم يكن من المتوقع نجاح مشاركة المدنيين في التمرين العسكري وسط خضم المعضلات التي تم رسمها للتعامل معها والتدريب عليها. إلا أن مبادرته الكريمة مكنت الجمعية من استحداث وحدة ادارة الازمات المدنية لأول مرة في هذا التمرين، وقمنا بإعداد كتيب إرشادي مفصل لإمكانيات وموارد وطاقات الوزارات والمؤسسات والوكالات وغيرها لتحقيق أفضل استفادة منها في أوقات الأزمات.
خلال محاكاة التسرب النفطي، كشفت الاستجابة المدنية عن قدرة كبيرة على التعامل مع الأزمات. فالتعامل مع الكوارث جسّد المعنى الحقيقي للتكامل بين مؤسسات الدولة والوكالات المختلفة وأهمية التعاون بينها للتعامل مع الأزمات والحوادث الطارئة والسيطرة على عواقبها.
لقد كنا يدًا واحدة في مواجهة هذا التحدي الذي شاركت فيه كافة الجهات المحلية المعنية ولم تغفل إدارة التمرين مشاركة أية جهة، وخلال التخطيط لهذا التمرين وضعنا خطة توضح دور كل جهة من الجهات المعنية في مواجهة أي كارثة من تلوث بحري أو وقوع خسائر بشرية أو أي شيء آخر. غيره، وبلا شك، أسهمت المشاركة الموسعة لكل الجهات في دعم الخطة وأظهرت الإمكانيات التي ينبغي أن تتوفر لهذه الجهات للتعامل مع حالات الطوارئ.
من خلال هذا التمرين التطبيقي وغيره من التمارين الأخرى، قامت الجمعية الكويتية لحماية البيئة بالاشتراك مع الجهات المعنية في وضع خطط وفرضيات تتضمن اتخاذ التدابير الفورية في حالة وقوع أي حادث تلوث. والغرض من ذلك هو الحد من الكوارث البيئية، لأن النتائج ستكون كارثية في ظل عدم وجود خطط محكمة لحماية المناطق السكانية، ومحطات تحلية المياه، والموانئ والحياة البحرية، وصناعة صيد الأسماك، والشواطئ الشاسعة، والبيئة البحرية من التلوث. فهذه الخطط ستحدد كيفية السيطرة وتقليل التداعيات الخطيرة والآثار الناجمة عن أي تلوث قد يلحق بمياهنا الإقليمية.
لقد بينت لنا هذه المشاركة أهمية مراجعة خطط الطوارئ والأزمات، ووضع مبادئ توجيهية لتسريع الاستجابة؛ لأن عملية الاسراع بالمعالجة يعد من المتطلبات الرئيسية لحماية للبيئة. كما ساعدت المشاركة على تحديد أدوار وزارات ومؤسسات الدولة، والمنظمات المجتمعية ومعرفة المطلوب منها، وأهمية الاستغلال الأمثل لموارد الجهات المعنية سواء البشرية أو التقنية. فالمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية البيئية هي مسئولية الجميع وتتطلب تضافر الجهود الوطنية لتحقيق الهدف المنشود.