العمليات الخاصة تُعزز الكفاءة المهنية والولاء والتسامح
اللواء فلاح حسن كاظم المحمداوي رئيس أكاديمية القوات الخاصة
يركز جهاز مكافحة الإرهاب على بناء مقاتلٍ واعي يحترم الإنسانية ويرفض التمييز الطائفي والإثني وولاءه للعراق. فقبل التفكير بالأسلحة والتقنيات نفكر بالبناء الصحيح للمقاتل، ولهذا تم تأسيس أكاديمية العمليات الخاصة التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب والتي تعتبر النواة الأساسية لبناء قوات كفؤة قادرة على ردع التحديات الأمنية.
وقد تأسست هذه المؤسسة عام 2009 وتم توحيد مناهج التدريب والتكتيكات التي تستخدمها وحدات العمليات الخاصة. تضم الأكاديمية مدرسة العمليات الخاصة ومدرسة مكافحة الإرهاب. وتقوم الأكاديمية بعدة مهام أهمها إعداد المقاتلين الجدد وتدريب وحداتنا قبل إرسالهم لمهمات قتالية وإجراء دوراتٍ تثقيفيةٍ وتوعوية لوحدات الجهاز.
نبدأ مرحلة تدريب المتطوعين الجدد عند وصولهم للأكاديمية من كل مراكز التطوع في العراق، حيث يتراوح الرقم بين 500 إلى 600 منتسب. ويتم فرز هذا الرقم من بين آلاف المتطوعين المتقدمين لمراكز التطوع التي تقوم بإختيار الشباب الذين يملكون المواصفات المطلوبة ويجتازون الفحص البدني والصحي والامتحانات الأولية. نستقبلهم بمحاضرة عن سياسة الجهاز وتعليمات الأكاديمية والتي سأتطرق لها فيما بعد. في الشهر الأول، نبدأ بالتدريبات الأساسية بعدها ينتقلون لجناح التأهيل. وتعتبر هذه المرحلة من أصعب مراحل التدريب، إذ يخضعون لتدريبات قاسية على يد مدربين متخصصين باللياقة البدنية، والقدرة على التحمل، والضغط النفسي، والروح القتالية. وتعتبر هذه الدورة بمثابة تصفية لدورة الصاعقة، حيث يجتازها حوالي 150 إلى 200 مقاتل من العدد الكلي. ومن الجديرٌ بالذكر، أننا لاحظنا بعد أحداث داعش زيادةً في نسبة الناجحين بسبب إصرار وتحمس الشباب لأن يكونوا ضمن هذه القوة البطلة التي سجلت انتصاراتٍ ساحقة ضد داعش.
أثناء دورة الصاعقة نقسم الدورة إلى أربع مجاميع، ونبدأ بالتدريب المُركز على كافة الأسلحة المستخدمة من قبل العمليات الخاصة. وتبدأ التدريبات من تصفير الأسلحة لتكون دقيقة بالتصويب وتنتهي بإدامة الأسلحة وطرق معالجة أعطال الأسلحة أثناء القتال، كذلك يتم التدريب على تمارين الميدان مثل الحبل السريع والجبلي وعبور الموانع المائية. ولدينا داخل الأكاديمية قرية نستخدمها للقتال في المناطق المبنية، حيث يتدرب المقاتلون على تطهير القرية غرفةً بعد أخرى وبيتًا بعد آخر، وأيضًا تحرير الرهائن والحرص على أرواح المدنيين الذين يستخدمهم الإرهابيون كدروع بشرية. إن أهمية التدريب الميداني تساعد على بناء قدرات المقاتل على التكيف مع المعركة في المدن، وهذا ما طبقه مقاتلو جهاز مكافحة الإرهاب في تحرير المدن من عصابات داعش. بالإضافة إلى التدريب على المحافظة على أرواح المدنيين وتقديم الرعاية الصحية للمصابين منهم أثناء القتال. بدأنا التركيز على هذه المرحلة لأنها تمثل سيناريو حقيقي من أرض المعركة.
بعد هذه المرحلة نبدأ فترة التدريب على الذخيرة الحية باستخدام كافة أنواع الأسلحة، ويتم خلالها تقييم الإصابات والتي على ضوئها نُقرر إذا كان المقاتل يحتاج إلى إعادة دورة الرماية أم لا. تحتوي الأكاديمية على عدة ميادين رمي، وكل ميدان متخصص بسلاحٍ معين من المسدس إلى القناص والمدفع الرشاش 50 ملم. بالإضافة إلى التدريب القتالي، فإن دورة الصاعقة تعد المقاتل على دورة الإتصالات حيث يتلقى المقاتل تدريبًا مركزًا على أجهزة الإتصالات والشفرة والتصنت. أما دورة الأمن، فتتضمن تدريب المقاتل على المحافظة على سرية المعلومات وتجنيد المصادر والمراقبة والتخفي من عيون العدو وإجراء التحقيق الميداني مع الإرهابيين. تركز مناهجنا على احترام المعتقل وتطبيق القوانين الدولية لحقوق الإنسان والمحافظة على مهنية المقاتل وتجنب المواجهة مع العدو في المناطق المكتظة بالسكان، بالإضافة إلى التدريب على توفير الخدمات الإنسانية والرعاية الطبية للسكان.
وتُخرّج الأكاديمية حوالي 4500 مقاتل سنوياً. قد يبدو الرقم صغيرًا لكن هذه الأكاديمية هي مصنع الرجال، ولا يتخرج منها سوى النخبة. ولدينا برامج إعلامية تحث الشباب على الانضمام لصفوف جهاز مكافحة الإرهاب، ونبثها على صفحات التواصل الإجتماعي وقناة يوتوب، إضافة إلى البرامج التي تبثها قنوات الإعلام العراقي، والتقارير الميدانية من قبل القنوات المحلية والعالمية سواء عن الأكاديمية أو عن المعارك الجارية ضد تنظيم داعش الإرهابي. فهذه البرامج الإعلامية تعمل على الارتقاء بالحس الوطني ورفع المعنويات وزرع روح الحماس لدى الشباب الذي يشعر بالفخر والإيمان المطلق ببسالة هؤلاء المقاتلين. لذلك حين نعلن عن افتتاح دورة جديدة تجد مراكز التطوع تغص بآلاف الشباب.
ولدينا أيضاً برامج تثقيفية وتوعوية سواءً للمقاتلين الجدد أو للوحدات التابعة لنا، ونعرض كل يوم جمعة أفلامًا تثقيفية عن صفات المقاتل المثالي، الذي يحترم الناس ويحافظ على سلامة أرواح المدنيين ويطبق قواعد الإشتباك. ونُعلّم المقاتل بأن المدنيين في قاطع العمليات هم شعبك فتواصل معهم وقدم لهم المعونة لأنهم يساندونك بالحرب على الإرهاب. كذلك نعرض أفلامًا من انتاج قسم الإعلام التابع للجهاز عن آخر المعارك والدروس المستنبطة منها مع التركيز على معنويات المقاتلين وكيف ساعدهم التدريب وتنفيذ الأوامر على تحقيق الانتصارات.
نحن نركز على المهنية العالية لجهاز مكافحة الإرهاب لأن سياسة الجهاز هي الحفاظ على أن يكون مستقلًا ولا ينتمي لأي جهة سياسية أو أي شخص؛ إنما هو جهاز مهني ولاءه للعراق فقط، كما أننا لا نسمح بأي نوع من التحزبات أو المحسوبيات. ولا يسمح المساس بأي مُكوّن من المكونات الموجودة ضمن وحدات الجهاز. وأي شخص داخل الجهاز يقوم بالتحريض على الطائفية سيتم فصله من العمل فورًا، هذه التوجيهات الصارمة جاءت من قبل السيد رئيس الجهاز وأصبحت القانون الداخلي لنا. وهذه التعليمات تُلقى ضمن أول محاضرة لطلاب الأكاديمية، ليتركوا خارج الأكاديمية كل اختلافاتهم ويبدأوا حياة جديدة يسودها الولاء للوطن والتسامح وحب أخوة السلاح، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والعرقية والقبلية.
لقد ركز السيد رئيس الجهاز الفريق أول الركن طالب شغاتي الكناني على حث القادة على تشجيع المقاتلين والاستماع إلى همومهم وبث الروح الوطنية بين المقاتلين. كذلك التأكيد على زيارة القادة للخطوط الأمامية وزيارة الجنود في مواقع عملهم، وزرع روح المحبة بين المقاتلين من كل الأطياف. ولا شك أن هذه السياسة أثبتت نجاحها في صنع مقاتلين أبطال ثبتوا في مواضعهم وهزموا داعش. كذلك عززت روح التآخي بين المقاتلين حين يتعرض ابن الموصل لإصابة ويتبرع ابن البصرة له بالدم، فاختلطت دماء المقاتلين حيث تجد مقاتلين العمليات الخاصة تسري بدمائهم دماء رفيقهم الكردي أو السني أو الشيعي، أي يسري بشرايينهم دم العراق.
