الكويت تستضيف أكبر تمرين لحسم العقبان منذ 16 عاماً
انخفضت المروحيات مثيرةً سحابة من الغبار وهي تستقر على الأرض الصحراوية لتخرج منها قوات الاستجابة المتعددة الجنسيات. نزل الكوماندوز وقد ارتدو بدلات عسكرية متنوعة الألوان: الكويتيون والأردنيون بأطقم التمويه البيج، والقطريون بالزي الأسود، والبنغلاديشيون بالأخضر الغامق، وارتدى الأمريكيون بزات تمويه تناسب لون الصحراء المحيطة.
انقض الكوماندوز على الإرهابيين الذين كانوا يحتجزون رهائن في محطة تحلية المياه الكويتية، على حين غرة. وقبل أن يبدأ الهجوم كانوا يشعرون بالأمان بدرجة كانت كافية لقيامهم بركل كرة قدم في أنحاء المجمع. وبعد دقائق تم إخراجهم من البنايات، مكبلين الأيدي ودفعهم إلى داخل ناقلات جنود مدرعة.
ولكن نظرة فاحصة على السيناريو- وهو جزء من التمرين العسكري المتعدد الجنسيات حسم العقبان 2015 الذي استضافته الكويت في آذار/ مارس 2015- كشفت عن أنه لم يكن مجرد عرض للقوات الخاصة. فعلى مسافة قريبة، كانت الشرطة الكويتية بزيها الأزرق قد شكلت طوقاً يسد الوصول إلى منافذ المجمع، وساعدها في ذلك رجال الحرس الوطني الكويتي الذين انقضوا على الساحة على متن شاحنات مجهزة بمدافع رشاشة.
عندما اكتشفت القوات الخاصة أن محتجزي الرهائن كانوا أيضاً يخمّرون مواد كيماوية ضارة في مختبر سري، وصلت فرق طبية من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وفرق إزالة تلوث من الأردن، والكويت وقطر في سيارات إسعاف بصحبة مختبرات متنقلة.

بالنسبة للعميد الركن محمد الكندري المنسق العام لتمرين حسم العقبان، فإن عرض الكفاءة هذا الذي امتد في صحراء تبعد أميالاً عن مدينة الكويت، أنجز هدفاً رئيسياً لتمرين حسم العقبان: تسليط الضوء على التعاون ليس بين الجيوش المتعددة الجنسيات وحسب، وإنما أيضاً بين الجنود والأجهزة المدنية. وقال العميد الركن الكندري إن بعض المسئولين العسكريين والمدنيين الكويتيين لم يتحدثوا في الماضي مطلقاً مع بعضهم البعض مهنياً، وهو قصور صححه تمرين حسم العقبان.
قال العميد الركن الكندري، “لقد أجري التدريب على مستوى وطني بمشاركة جميع الأجهزة والهيئات الحكومية التي لها علاقة بالمجال العسكري والأمني لتحضير سيناريوهات واقعية للدفاع عن الأمة”.
جمع تمرين حسم العقبان آلاف الجنود من 29 دولة شريكة لمواجهة تحديات الحرب غير المتماثلة والحرب غير التقليدية. وكما هو الحال دائماً، جاء معظم المشاركين من دول مجلس التعاون الخليجي: البحرين، والكويت، وعُمان، وقطر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
بدأ التدريب بتمرين مركز قيادة لبناء تكامل متعدد الجنسيات في بيئة مقر تمت محاكاته. لعب الدفاع الجوي وأمن الحدود أدواراً كبيرة فيما يقرب من 100 حدث صُممت لتحدي المشاركين. وكانت مصر، والأردن وباكستان من بين الدول المشاركة من غير أعضاء مجلس التعاون الخليجي. وكانت المرحلة التالية تدريباً ميدانياً اختبر همة القوات في البر، والجو والبحر. وبعد أن تفرق معظم المشاركين في التدريبات، اختتم كبار القادة تدريب حسم العقبان بندوة لكبار القادة.
وإلى جانب حدث احتجاز الرهائن، طُلب من القوات الاستجابة لأزمات من بينها ناقلة نفط معطلة في الخليج العربي، وتحطم طائرة كانت تقل مواد خطرة في قاعدة عبدالله المبارك الجوية، وهجوم بصواريخ تحمل رؤوساً حربية كيماوية. وكان الحدث الذي جاء تتويجاً للتدريب مركبة برمائية تنزل في جزيرة فيلكا، على بعد 20 كيلومتراً من مدينة الكويت، وعلى متنها قوات متعددة الجنسيات استعادت السيطرة على رأس جسر ساحلي من إرهابيين مسلحين.
قال العقيد السعودي صالح بن عبد الله الحربي، ” أن هذا التمرين المشترك يعد من أكبر التمارين على مستوى الشرق الأوسط, ويأتي ضمن خطط وبرامج القوات السعودية التدريبية المعدة مسبقا لصقل وتطوير مهارات القوات السعودية ورفع مستوى الجاهزية القتالية والاطلاع على ما لدى القوات المشاركة من تقنيات فنية والاستفادة من الخبرات المتبادلة وتعزيز التعاون الإقليمي في مجال العمليات المشتركة وصولاً الى تحقيق الهدف المنشود في مواجهة التحديات والأزمات المرتبطة بالعمليات العسكرية.”.
استعرضت الكثير من التدريبات المهارات المتخصصة للمسعفين، والأطباء، والشرطة، ورجال الحرس الوطني، ورجال الإطفاء وأجهزة إدارة الأزمات – على نفس النحو الذي استهدفه مخططو تمرين حسم العقبان الكويتيون.
فعلى سبيل المثال، في هجوم صاروخي وهمي أسفر عن عشرات المرضي والمحتضرين من ضحايا التعرض للمواد الكيماوية، وصل المستجيبون العسكريون والمدنيون إلى مكان الحادث، وأقاموا بسرعة طوقاً حول الضحايا وقاموا بفرزهم حسب خطورة حالاتهم. قام الأفراد بنصب خيام كزهر الصحراء بعد أمطار الربيع. قام الأطباء بتغذية الضحايا المتأوهين فوق النقالات بالمحاليل عن طريق الوريد. ووصل المسعفون القطريون في حافلتين متنقلتين مجهزتين تجهيزاً كاملاً بالتجهيزات الجراحية كانوا قد جلبوهما على متن سفن إلى الكويت، مما أكسبهم الإعجاب من الدول الشريكة، الأمر الذي رفع سقف التقييم للكيفية التي يجب أن تُجرى بها تدريبات العلاج الطبي.

قال العميد الركن القطري جاسم أحمد المهندي، قائد مركز الدفاع الوطني وإدارة الأزمات، “إذا عدنا إلى تاريخ حسم العقبان، لرأينا أن التمرين بدأ بمشاركات أقل من المشاركات الحالية، ثم شهد توسعاً ومشاركة هائلة من جميع الدول الإقليمية والدولية. وكان اهتمام الدول المشتركة بالتحسن واضحاً في تمرين حسم العقبان الذي يعقد في الكويت بمشاركة أكثر من 5000 مشارك من 29 دولة”.
لقد بدأ تمرين حسم العقبان عام 1999 كندوة للدفاع الجوي الصاروخي جمعت شركاء مجلس التعاون الخليجي والقيادة المركزية الأمريكية، ولكنه نما ليصبح التمرين العسكري الرئيسي لمجلس التعاون الخليجي/ شبه الجزيرة العربية. ورغم أنه تم تناوب الحدث بين الدول الأعضاء في المجلس، فإن الكويت لم تستضفه سوى هذه السنة. وتعهدت بأن تجعل تمرين آذار/ مارس 2015 أكبر من أي وقت مضى.
اعتبر العميد الركن الكندري أن مهمة الكويت كانت أكثر من مجرد عرض لقدرات قوات بلاده. وكما كرر طوال فترة التدريب، فإنه نظر إلى كل سيناريو تكتيكي على أنه فرصة للكشف عن نقاط الضعف المحتملة التي يستطيع القادة أن يصححوها فيما بعد. وقال العميد الركن أثناء حدث تحطم الطائرة في قاعدة عبدالله المبارك الجوية، “إننا نريد أن نتعلم”.
وأشار لواء سلاح الطيران الأمريكي ريك ماتسون، مدير التمارين والتدريبات بالقيادة المركزية الأمريكية ، إلى أن الجيوش التي ترتقي إلى العظمة هي تلك التي تراجع نفسها بصورة انتقادية.
وقال اللواء ماتسون، “إن كل دولة لديها القدرة على أن تصنع مُدخلات وتضبط هذا التدريب لتطويره على النحو الذي تريده تماماً – اعتماداً على ما يثير قلقها أكثر من غيره – وهذه هي ذروتها”.
كما أعرب عن إعجابه بالتنسيق فيما بين الوزارات الذي أظهرته الكويت في تمرين حسم العقبان. وقال، “هذه هي المرة الأولى التي فعلنا فيها ذلك. إننا أقوى كثيراً كمجموعة”.
وحدث أبرز مثال على قوة المجموعة في آخر يوم من التدريب الميداني بجزيرة فيلكا. فرغم اختلاف القيادة، والعقيدة، واللغات والمعدات أحياناً، شكّلت قوات من ست دول قوة قتالية برمائية موحدة.
المشهد عبارة عن شاطئ هادئ تتخلله أكواخ عطلات مهجورة، تم تخصيص بعضها لتعمل كمراكز قيادة حصينة للإرهابيين. تحلق طائرات كويتية إف/أيه- 18 على ارتفاع منخفض لتدك مخابئ العدو تلك، يتبعها هجوم على ارتفاع منخفض من طائرات إف-16 الإماراتية. تتوافد سفن الإنزال على الشاطئ من عدة اتجاهات، لينطلق منها مشاة بحرية كويتيون وقوات خاصة ترافقها قوات مشاة بحرية من قطر وتركيا. وفيما يتقدم المشاة وراء عربات مدرعة، تشير قنابل الدخان الأخضر لمقر القيادة بأنه تم الاستيلاء على الشاطئ وتأمين موطئ قدم لعمليات إضافية.
