القادة العراقيون يتحدثون عن تجربتهم الميدانيه في القتال داخل المدن ودحر داعش
اسرة يونيباث | صور جهاز مكافحة الأرهاب العراقي

مدينة الموصل هي ثاني اكبر مدينة عراقية وتضم أقدم الحضارات الأنسانية. يسميها العراقيون أم الربيعين، لطبيعتها الخلابه وخصوبة أرضها ومناخها المميز. تغفو هذه المدينة الجميلة على نهر دجلة الخالد الذي يشقها الي نصفين “الساحل الأيسر” و “الساحل الأيمن”. ولأنها تحوي كل مقومات الحياة فقد كانت عرضة لأطماع الغزاة حيث تعرضت لعدة هجمات على مدار التأريخ لكنها لم تشهد اثناء تلك الغزوات والحروب الدمار الذي حل بها على يد ارهابيي داعش الذين حرقوا الكنائس وهدموا الشواهد التأريخية وشردوا سكان المدينة الأصليين في محاولة قذرة لمحو هوية هذه الحاضرة. معركة تحرير الموصل لها ميزة خاصة لدى العراقيين حيث ستعيد لجيشهم العزة ولوطنهم الأستقلال وهيبة الدولة، كما تعني هزيمة عصابات داعش التي اعلنت خلافتها الزائفة من ارض الموصل. التحدي الكبير في هذه المعركة هو وجود ما يقارب مليونين مدني داخل المدينة. اضافة الى حماية البنى التحتيه وماتبقى من آثار وشواهد المدينة وافشال مخطط داعش من تدميرها. لذلك كانت معارك تحرير المدينة معقدة جدا وشرسة ومتداخلة أذ كان القتال من غرفة الى غرفة داخل البيت الواحد وقد لعب مقاتلي جهاز مكافحة الأرهاب دورا مميزا بتلك المعارك. التقت مجلة يونيباث الفريق اول الركن طالب شغاتي الكناني، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب ومجموعة من أبرز قادة الجهاز ليحدثونا عن تفاصيل تلك المعارك. كانت محطتنا الأولى هي مكتب الفريق اول الكناني.
يونيباث: استمعنا لخطابك قبل ارسال القوات للموصل، وانت توصي المقاتلين بالتعامل الحسن مع المدنيين، وتوصيهم بعدم أطلاق رصاصة دون التأكد من الهدف، اي ضبط النار، هل لك ان تتحدث عن اهمية تلك التوجيهات؟
الفريق أول الكناني: أن مايميز مقاتلين جهاز مكافحة الإرهاب هو التدريب العالي والألتزام بقواعد الأشتباك وضبط النار. لذلك اوصيت مقاتلين الجهاز بالتصرف بحكمة في الرد على النيران وأحترام المدنيين لأنهم ابناء وطننا الذين تعرضوا للويل على يد الأرهابيين. والحمد لله كان مقاتلين جهاز مكافحة الأرهاب مصدر فخر لأهل الموصل حيث امتلأت صفحات التواصل الأجتماعي والفضائيات بشهادات المواطنين على حسن تعامل ومهنية مقاتلين الجهاز.
يونيباث: ماهو تقييمك لأداء المقاتلين في معركة لموصل؟
الفريق أول الكناني: انا فخور جدا بإداء ابطال جهاز مكافحة الأرهاب الذين سطروا ملاحما وبطولات في هذه المعركة المشرفة التي اثبتوا فيها انهم مقاتلين أكفاء ويمتلكون قدرات قتالية عالية وأخلاق انسانية تجاه السكان. لقد اجمع اهالي الموصل على حسن تعامل منتسبي الجهاز مع المدنيين وكيف اقتسموا الطعام والماء مع الأطفال والشيوخ. نقلت قنوات التلفزيون صورا لهم وهم متوجهين للمهمه او يقفون في النقاط الحيوية أو يقاتلون وفي كل تلك المشاهد تجدهم يرتدون كامل عدتهم القتالية ومحافظين على قيافتهم العسكرية ويضربون أهدافهم بدقة عالية لتجنب الخسائر بأرواح وممتلكات المواطنين.
يونيباث: تميزت معارك الساحل الأيسر بطرد الأرهابيين دون أحداث دمار في المباني، خاصة في محور الجهاز، كيف تم تحقيق النصر والحفاظ على البنى التحتيه؟
الفريق أول الكناني: خضعت قوات جهاز مكافحة الأرهاب لتدريبات مركزة على ايدي خبراء من التحالف الدولي في حرب المدن، كما ان طريقة انتقاء المقاتلين التي يتبعها جهاز مكافحة الأرهاب تخضع لمعايير دولية عالية المستوى. ولانسمح بالتهاون بشأنها او تعيين اشخاص لا تتوفر فيهم تلك المؤهلات لذلك تجد التزام المقاتلين بقواعد الأشتباك وعدم أستخدام الأسلحة الثقيلة داخل المدينة. وكما ذكرت في بداية حديثي بأننا لا نرفع فوهات الأسلحة المتوسطة فوق الجدران ونطلق الرصاص بطريقة عشوائية.

يونيباث: كيف تم بسط الأمن والأستقرار في الساحل الأيسر بهذه السرعة؟
الفريق أول الكناني: لقد تعلمنا من تجربتنا في منطقة حزام بغداد بأن داعش يعتمد على الخلايا النائمة لتقويض الأمن وأستنزاف القوات المحررة من خلال شن هجمات انتحارية على الأماكن العامة وزرع العبوات على الطرق لغرض بث الرعب في قلوب السكان وعمل الفوضى لإثبات وجوده. أن صعوبة السيطرة على عمل الخلايا النائمة تجعل عملية الأستقرار وأعادة الخدمات شبه مستحيلة، وتفقد ثقة السكان بالقوات الأمنية. لذلك كان لزاما علينا ان نهزم العصابات الأرهابية في هذا المجال وعدم السماح لداعش من أرباك الأمن في المناطق المحررة او عرقلة عملية اعادة الخدمات وبسط الأمن. بالعمل المتواصل مع شركائنا في قوات التحالف الدولي، كانت فكرة انشاء مقر مسيطر في الساحل الأيسر ناجحة جدا، حيث كان واجب هذا المقر هو الأشراف على عمل جميع القطعات العسكرية والمؤسسات الأمنية والخدمية. أذ يوجد ممثل عن كل جهه امنية او حكومية تعمل في الموصل في هذا المقر. هذا المقر منع الأرهابيين من ارتداء ملابس القوات الأمنية والتجوال على انهم جهه رسمية كما كان يحدث في السابق. لقد تم إلقاء القبض على العديد من الأرهابيين ومحاسبة بعض الجهات التي تعمل بدون اوامر رسمية من خلال هذا المقر. وكان تحرك قوات جهاز مكافحة الأرهاب من الساحل الأيسر الى موقعه المتقدم في الساحل الأيمن تحركا سلسا لم ينتبه له المواطن ولم يترك فراغا أمنيا كما كان يراهن الدواعش.
يونيباث: هناك قنوات مغرضة تتهم قوات التحالف بأرسال امدادات او تقديم المساعدة لداعش في بادوش وتلعفر، ماهو رأيك؟
الفريق أول الكناني: هذا كلام غير متزن ويحاول زعزعة ثقة المواطنين بأصدقائنا في قوات التحالف التي جائت للعراق بطلب رسمي من قبل الحكومة العراقية وبالتزامهم بالأتفاقيات الأمنية المبرمة بيننا. قسم من هذه الشائعات تتناقلها دول اقليمية لاتتمنى ان ترى العراق قويا وذو سيادة، لذلك تجدهم يشككون بكل الأنجازات المتحققة على الأرض. لا تلقي طائرات التحالف على عصابات داعش سوى الصواريخ والقنابل لتدمير اوكارهم. نحن كجهاز مكافحة الأرهاب نشعر بالأمتنان والتقدير لشركائنا في قوات التحالف على دورهم الكبير بدعم قواتنا في تحرير المدن وهزيمة داعش.
يونيباث: هل لك ان تتحدث عن دور قوات التحالف في معركة الموصل؟

الفريق أول الكناني: لهم دور كبير، اولا الدعم الجوي المتواصل على مدار الساعة لضرب اهداف العدو وخطوط امداده ومخابئه. وثانيا الدعم الأستخباري الذي تقوم به طائرات الأستطلاع بمسح ارض المعركة ورصد تحركات العدو وتحديد اماكن تواجد المدنيين الذين يحتجزهم الدواعش داخل البيوت. كذلك وجود المستشارين العسكريين الذي ساهم في تطوير مهارات المقاتلين وسرعة التواصل مع قوات التحالف خاصة في هزم الطائرات المسيرة التي يستخدمها العدو.
يونيباث: كيف ترى دور قوات جهاز مكافحة الأرهاب بعد تحرير الموصل؟
الفريق أول الكناني: لاشك ان قوات مكافحة الأرهاب تتطور كل يوم وتكتسب الخبرات القتالية من المعارك. وستلعب دورا كبيرا بملاحقة الأرهابيين وضرب كل من يحاول العبث بأمن المواطنين. أن دول المنطقة تتابع قوات النخبة العراقية وتتعلم منهم الكثير. ان النظرة الأستراتيجية لجهاز مكافحة الأرهاب، هي قوة ستراتيجية رادعه تحافظ على أمن الوطن ومؤسساته الحيويه.
كان لقاءنا الثاني بالفريق الركن عبد الوهاب الساعدي الذي كلف بقيادة معركة الساحل الأيمن ودار بيننا هذا الحديث:
يونيباث: كقائد لعمليات الساحل الأيمن ماهي اوليات المعركة التي وضعتها للقطعات؟
الفريق الساعدي: حسب توجيهات السيد القائد العام للقوات المسلحة، هدفنا الأول هو الحفاظ على ارواح المواطنين وممتلكاتهم والحفاظ على البنى التحتيه.
يونيباث: معركة الساحل الأيسر تختلف عن معركة الساحل الأيمن. هل لك ان تعطينا مقارنه عن المكانيين؟

الفريق الساعدي: اولا هناك أختلاف بالطبيعية الديمغرافية للمدينة، المساحة وعدد السكان أيضا. أضافة الى طبيعة السكان المختلفه مقارنة بالساحل الأيمن. كذلك الدواعش الذين كانوا في الساحل الأيسر يختلفون بكثير عن دواعش الساحل الأيمن.
نسبة المقاتلين الأجانب الموجودين في الساحل الأيمن أكبر من الأجانب الموجودين في الساحل الأيسر. حيث استخدم الأرهابيون المقاتلين العراقيين في خطوط الصد في الساحل الأيسر. أرادة وقدرات المقاتلين المحليين أقل فعالية وكفاءة في الصمود امام تقدم قواتنا وبعد انهيار خطوط الصد في الساحل الأيسر بدأنا بالتقدم السريع لمطاردة فلول الأرهاب في الأزقة، لم يكن امامنا سوى الأنتحاريين الذين يحاولون ايقاف التقدم لفسح المجال امام قياداتهم للهرب تجاه الساحل الأيمن. تركيزهم على الساحل الأيمن حيث تتواجد عوائل المقاتلين الأجانب وقياداتهم الميدانيه التي حوصرت في المدينة بعد قطع كل خطوط الأمداد لسورية.
يونيباث: هل تقصد بأن داعش تعتبر معركة الساحل الأيمن هي المعركة الحاسمة؟
الفريق الساعدي: هم كانوا يراهنون حتى على معركة الساحل الأيسر. اعتقد بأن قياداتهم تحاول ان توهمهم بأن لديهم خطط تجعلهم ينتصرون. فقد رأينا هذا السيناريو في الفلوجة. اما في معركة الساحل الأيسر، فقد حاول الدواعش الحفاظ على تماسك خطوطهم وقاتلو بشراسة لكن بعد انهيار خط الصد الأول والثاني وبعد معركة نهر الخوصر تيقنوا بأن لاجدوى من القتال وان المعركة قد حسمت. لذلك بدأوا يتحدثون عن المعركة الحاسمة في الساحل الأيمن.
يونيباث: تناقلت وكالات الأنباء عن عملية انقاذ 53 مواطنا كانوا محاصرين داخل منزل تهدم بسببب تفجير مفخخه بالقرب منه، نود ان تحدثنا عن تفاصيل العملية؟
الفريق الساعدي: في الحقيقة هناك اكثر من عملية لأنقاذ مواطنين من داخل بيوت مفخخه. في التاسع من آذار 2017 في حي الصمود أجبر الدواعش السكان بالتجمع في أحد المنازل وقاموا بتفجير مفخخة بالقرب من المنزل مما أدى لسقوط المنزل. وصلتنا معلومات عن وجود مدنيين في سرداب المنزل. كان الأتصال الأول من قبل اصدقاءنا في قوات التحالف الذين اتصلوا بأحد قادتنا الميدانيين في منصف ليلة السابع من آذار وبعد التأكد من تأمين المنطقة من خلال فريق الأستطلاع قمنا بعملية الأنقاذ يوم الثامن من آذار بعد الضياء الأول. هذه العملية الأنسانية الموفقة كانت ثمار الشراكة والعمل كفريق واحد. كانت نية الأرهابيين تفجير المنزل وأتهام قواتنا بالجريمة، لكن الله شاء ان يفضح نواياهم الدنيئة حيث ذكر لنا المواطنين كيف اجبرهم الدواعش على التجمع داخل المنزل وكيف كانوا يستخدمون المكان كموقع دفاعي وأثناء المعركة فجروا المفخخة. فهذه هي أخلاق القتلة المجرمين الذين لا يكتروث لدماء الأبرياء.

يونيباث: سيادة الفريق، ماهو هدف جمعهم بهذ الطريقة؟
الفريق الساعدي: هذه الحالة التي شاهدناها في الساحل الأيمن ولم يستخدموها بالساحل الأيسر،داعش خسر كل شئ واصبح مطاردا من قبل قواتنا لذلك يرومون تدمير البنى التحتية وقتل اكبر عدد ممكن من المدنيين من خلال تفجير المفخخات او من خلال وضع المدنيين داخل مواقعهم القتالية التي تعتبر اهدافا عسكرية لنا. لقد قمنا بعمليات عديدة لأنقاذ المواطنين، منها عمليات ليلية مباغته استطعنا من خلالها تحرير اكثر من 300 مواطن داخل منزل مفخخ كان ينوي الأرهابيون تفجيره وأتهام قواتنا بالجريمة.
يونيباث: بماذا تميزت معركة الموصل عن معركة الفلوجة وبيجي؟
الفريق الساعدي: طبعا كل معركة لها ظروفها وخصوصيتها. معركة بيجي كانت صعبة جداً حيث كانت منطقة أستراتيجية ومتصلة من جهة في الموصل وصلاح الدين والرمادي والحويجة. اما معركة الفلوجة فكانت تمثل الجانب المعنوي لما لها من تأريخ ومعارك يعتبرونها رمزا قدسيا. أما الموصل فتحتوي على عدة أسباب، اهمها بأن مساحة الأرض أكبر بكثير من بيجي والفلوجة اضافة الى العدد الهائل من السكان أي اكثر من مليون و 800 الف مواطن بينما الفلوجة لم يتجاوز عدد سكانها 120 الف. كذلك تعتبر الموصل مقر الخلافة المزعومة التي اعلنها البغدادي من الموصل لذلك سقوط الموصل سيسجل سقوط الخلافة.
يونيباث: داعش أستخدمت تكتيكات السيارة المفخخة لأيقاف تقدم القوات المحررة، كيف أستطعتم معالجة هذا التكتيك؟
الفريق الساعدي: المعركة داخل المدينة تقاس بالأمتار، أي انك ربما تقاتل طوال اليوم لتحرير مساحة بعمق 50 مترا فقط، لكن هذه المساحة ستسقط حي بأكمله وفي بعض الأحيان تتقدم ميلا كاملا بدون اي انجاز أستراتيجي. لكننا وبالتنسيق مع شراكائنا في التحالف الدولي نركز على تفاصيل المنطقة. أي بعد تحديد منطقة التقدم نضرب الأهداف المحددة لقطع الطريق الرئيسية التي يستخدمها الدواعش للهجمات بالمفخخات. حيث تقوم طائرات التحالف بضرب صواريخ في مفترق الطرق الفرعية لقطعها ومنع مرور العجلات المفخخة لطريق الرتل المتقدم. مما يسهل عملية التقدم وتركز القوة على اهدافها المحددة دون التشتت بمراقبة الأهداف الجانبية أضافة الى اعطاء الطائرات المسيرة لقوات التحالف وطيران الجيش فرصة اكبر بأصطياد السيارات المفخخة التي تبحث عن منفذ وتكون هدفا سهلا.
