القوات المسلحة العراقية تطور من قدراتها الإعلامية في مواجهة الإرهاب
أسرة يونيباث
لاشك أن الإعلام يمثل العمود الفقري للحرب ضد عصابات داعش الإرهابية، التي تستخدم صفحات التواصل الإجتماعي لنشر الأكاذيب، من أجل زعزعة ثقة السكان بقواتهم المسلحة وكسر معنويات المقاتلين. فبرغم شراسة الهجمة الإرهابية على العراق، لعبت الماكنة الإعلامية لداعش دوراً كبيراً باختلاق الانتصارات، والإدعاء بأنهم يسيطرون على معظم المدن والقرى في غرب وشمال بغداد. لكن الحقيقة على أرض الواقع كانت تختلف اختلافاً كبيراً عما يدّعيه الإرهابيون. لذلك ركزت مديرية الإعلام في وزراة الدفاع وبالتعاون مع قوات التحالف الدولي على تطوير التكتيكات الإعلامية لهزيمة داعش على الجبهه الإعلامية. التقت مجلة يونيباث مع العميد الطيار تحسين ابراهيم الخفاجي مدير الإعلام والتوجيه المعنوي في وزارة الدفاع ليتحدث عن تجربته في قيادة الحرب الإعلامية ضد داعش.
يونيباث: أثبتت الحرب ضد عصابات داعش بأن العالم في مواجهة عدوٍ غير تقليدي يستخدم صفحات التواصل الإجتماعي لنشر الأكاذيب التي تهز من معنويات السكان والقوات المسلحة، كيف واجهت مديرية الإعلام في وزارة الدفاع هذا التحدي؟
العميد تحسين: عدوٌ مثل داعش يستغل كل الفرص، والتي من ضمنها الأخلاقية والإجتماعية لتوظيفها في إعلامه المظلل. لقد شهدنا اقتحام داعش لصفحات التواصل الإجتماعي والتي وُجدت لتواصل الناس فيما بينهم وأصبحت مصدراً للبحوث والعلم والثقافة والتقدم. حيث استغل الدواعش صفحات التواصل الإجتماعي لبث سمومهم بين الناس، وأفكارهم المنحرفة للتغرير بالشباب وخداعهم. نحن كمديرية الإعلام والتوجيه المعنوي في وزراة الدفاع تصدينا للهجمة الإرهابية بعدة طرق: أولها مراقبة المواقع المشبوهة، والتي ينشط بها الإرهابيون وإجراء تحليل نفسي دقيق لكل ما يُنشر، ومن ثم القيام بعملية مضادة لدحض الأكاذيب بالأدلة والصور. لدينا مركز إعلامي في الوزارة يضم كوادر مدربة تدريباً جيداً، وتمتلك الخبرة في مجابهة الأفكار الإرهابية سواء من الجانب الشرعي أو الإجتماعي، إضافة إإلى وجود فريق الكتروني متخصص بملاحقة الإرهابيين وتحديد مواقعهم. كذلك لدينا خلية متخصصه في العمليات النفسية، والتي تضم عدة جهات أمنية وحكومية، ويتم من خلالها التنسيق وجمع المعلومات عن الأهداف الإرهابية ومعالجتها بأفضل الوسائل.
يونيباث: كيف عمل المركز الإعلامي للوزارة على ملاحقة وفضح أكاذيب الإرهابيين على صفحات التواصل الإجتماعي؟
العميد تحسين: لدينا فريق متخصص في هذا المجال، إذ أننا قبل الرد، ندرس المعلومة ونحللها، ومن ثم تُعرض على ذوي الإختصاص الذين يقررون الرد المناسب لدحض وتكذيب الإرهابيين على مواقع النشر، إضافة إلى تكذيب الخبر على الموقع الرسمي لوزارة الدفاع. أما في حالة كون الموضوع خارج صلاحيات مديرية الإعلام في وزارة الدفاع، فنقوم برفعه إلى الخلية الوطنية للعمليات النفسية، والتي تُعد تقريراً موسعاً من خلال لجنة رفيعة المستوى من أكاديميين وخبراء نفسيين، ولديهم الصلاحيات في اختيار الرد الذي يُعبر عن موقف القوات المسلحة والحكومة العراقية.
يونيباث: كيف طورت وزراة الدفاع عملياتها الأعلامية؟
العميد تحسين: في الحقيقة لقد شهدنا قفزة نوعية رائعة جداً في إعلام القوات المسلحة. قبل عام 2013 لم يكن لدينا موقع الكتروني ولا مواقع للتواصل الإجتماعي، ولم يكن لدينا اتصال مباشر بقوات التحالف لغرض التدريب والمشورة، فضلاُ عن عدم وجود خبراء إعلاميين لمساعدتنا في الإنتاج والتوزيع واختيار الوقت والرد المناسب، كذلك افتقارنا للخلايا الإعلامية التي ترتبط مباشرة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة. لكن بعد تشكيل الخلية الوطنية للإعلام الحربي، وبناء قدرات مديرية الإعلام، وإنشاء الموقع الإلكتروني وصفحة التواصل الإجتماعي، كل ذلك وفر لنا مساحة كبيرة للتواصل مع الجمهور ودحض أكاذيب داعش. قبل 2013 كان الخطاب الإعلامي غير موحد مما سبب إرباكاً وفوضى. أما اليوم فقد أصبح لدينا تنسيقٌ عالي المستوى بين الجهات المعنية من خلال الدور الفعال للخلية الوطنيه للعمليات النفسية. هذا التنسيق العالي أحدث تغييراً جذرياً بدور الإعلام في هذه الحرب التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الإعلام. كذلك أصبحت ردودنا أكثر تطوراً ووضوحاً ومركزية، مما جعل أبناء شعبنا يتابعون ويشاركون في الرد على الدعاية الداعشية الكاذبة. وهذا بدوره ساهم بمفصل مهم في رفع المعنويات. يلعب الإعلام دوراً ريادياً برفع معنويات الجنود وأفراد الشعب إذا كان معداً إعداداً مهنياً وذو قدرة على كسب ثقة الجمهور. إضافة إلى اكتساب ثقة الإعلام العالمي وجعله يثق بما ننشر من معلومات يومية عن انتصارات قواتنا المسلحة. ويعود الفضل بذلك للقفزة النوعية التي حدثت بعد نكسة الموصل.
يونيباث: هل تقصد بأن هناك دورٌ كبير لقوات التحالف بهذه القفزة النوعية والشراكة الدولية؟
العميد تحسين: نعم بكل تأكيد، فدور أصدقائنا في قوات التحالف كان واضحاً وكبيراً من خلال التدريب وتطوير قدراتنا الإعلامية والقتالية حيث أصبح لدينا كوادر إعلامية ذات خبرة عالية من خلال الدورات التدريبية في الإعلام والحرب النفسية، ومواجهة العدو الكترونياً، ومن خلال تجهيزالكوادر الإعلامية بأحدث المعدات. نحن مدينون بالامتنان لقوات التحالف الدولي لما قامت به من دورٍ كبيرٍ في تطوير قدراتنا، ليس فقط في وزارة الدفاع؛ بل في الداخلية وأجهزة الدولة الأمنية الأخرى من خلال تجهيزنا بكثير من الأجهزة المتطورة.
يونيباث: هل لك ان تتحدث عن بعض البرامج التي قام بها التحالف الدولي لتطوير الإعلام؟
الخفاجي، مدير الإعلام والتوجيه المعنوي في وزارة الدفاع العراقية
أسرة يونيباث
العميد تحسين: قبل عام 2013، كنا نعاني من نقص في أجهزة التصوير ومكبرات الصوت وأجهزة المونتاج وإعداد البرامج. ويعود السبب لعدم وجود خبراء ومتخصصين في هذا المضمار، وبسبب انشغال العراق بمحاربة الإرهاب لم يحظ الجانب الإعلامي باهتمام الدولة مما سبب بتدهور الوضع المعنوي لرجال الإعلام في القوات المسلحة. بينما كانت ماكنة العدو الإعلامية فعالة وقوية جداً، الأمر الذي سبب إرباكاً لدى المقاتلين والمواطنين. لكن ما بعد 2013، قامت قوات التحالف بفتح برنامج فوكالس لتدريب وتجهيز رجال الإعلام في القوات المسلحة بأحدث الأجهزة والتقنيات، وأنا اعتبر هذا البرنامج من البرامج الناجحه جداً. وبفضل هذه الأجهزة والدورات التدريبيه تمكنا من نقل الصورة الحقيقية من ساحات القتال إلى مقرات القيادة وإلى الإعلام. إضافة إلى منحنا الفرصة والمرونة بنقل الحدث المباشر من ساحة المعركة للمتلقي. أود أن أضيف بأن هناك معارك حُسمت من خلال استخدام الأجهزة المتطورة، حيث كنا نستخدم مكبرات الصوت التي تبث في عمق العدو، عندما كنا ندخل للقرى يخبرنا المواطنين بأنهم يسمعون طوال الليل أصوات الطائرات المقاتلة والمدافع والدبابات، وهذه التكنولوجيا أربكت العدو وجعلته يلوذ بالفرار، وهذا تكتيك متطور جداً هزم العدو ورفع من معنويات مقاتلينا.
يونيباث: ماهي التحديات التي تواجهه فريق العمل اليوم؟
العميد تحسين: في كل عمل هناك تحديات، نحن أمام التحدي الإقتصادي الذي يبطئ من توفير ما يحتاجه الإعلام لمجابهة الدعاية المضللة لداعش. إضافة إلى تحدي تطوير مهارات الكوادر، أي استمرار فتح الدورات التدريبية التي نحن بأمس الحاجة لها. ونحتاج إلى الأجهزة المتطورة التي تمكننا من نقل ما يجري في الميدان لمقرات القيادة وإلى بيوت المواطنين. نحن نطمح لتطوير كوادر الإعلام وتذليل المصاعب والتحديات التي تواجههم من خلال توظيف التكنولوجيا الحديثة. وهناك تحديات معنوية، فمن أهم مهماتنا هو بناء الروح المعنوية للمواطن العراقي من خلال دحض أكاذيب وفضح جرائم داعش الإرهابية لنتمكن من هزيمة الإرهاب إلى الأبد. كذلك أمامنا تحديات كبيرة لبناء المجتمع الذي تعرض لهيمنة داعش، وتم خداع الأطفال والشباب بالأفكار الإرهابية.
يونيباث: كمدير لهذا المفصل المهم في وزراة الدفاع، هل لك أن تتحدث عن انجازاتك؟
العميد تحسين: لي الفخر بأن أكون من ضمن فريق العمل في الوزارة لإنشاء مركز إعلامي يمتلك أحدث التقنيات، بالإضافة إلى دور المديرية الدؤوب بطبع ونشر الكتيبات لتثقيف المقاتلين، ورفع مستواهم المعنوي والقتالي. كذلك توعية المجتمع لدحض الأفكار الإرهابية وكسب ثقتهم وتعزيز ولائهم للعراق، من خلال إصدار مجلة شهرية بالتعاون مع قوات التحالف الدولي “أصداء الحقيقة”، والتي يشارك بكتابة مواضيعها منتسبي الأجهزة الأمنية وصحفيين من قوات التحالف، ويتم طباعتها بمطابع وزراة الدفاع، ويقوم رجال القوات المسلحة بتوزيعها على السكان. كذلك تمكنا من خلال الشراكة مع الأصدقاء من توفير التقنيات الحديثة وتدريب كوادرنا الإعلامية، واستطعنا أن نملك قدرات الجيوش المتطورة في الجانب الإعلامي. ومن هذا المنبر، أود أن أتقدم بامتناني وشكري لأصدقاءنا بقوات التحالف على جهدهم الكبير لبناء وتطوير مديرية الإعلام والتوجيه المعنوي وكل كوادرنا في ساحات القتال. كذلك من خلال الشراكة والتعاون قمنا بفتح إذاعات راديو إف أم لجنودنا وللمواطنين، إضافة إلى استخدام بث محطات الراديو من قبل طائرات التحالف للمواطنين في المناطق المحاصرة أو التي تقع تحت هيمنة العدو وإعلامهم بأننا نعمل من أجل تخليصهم من دنس الإرهاب. حيث قمنا بإنشاء برنامج إذاعي لأهلنا في الموصل، وبثه في أوقات معدة مسبقاً في إذاعة العراقية. كما قمنا بطبع المنشورات والبوسترات للتواصل مع المناطق المحاصرة أو المحررة لتوعية وتثقيف السكان وإيصال التعليمات الحكومية لهم، إضافة لتحذير المواطنين في المناطق التي تقع تحت هيمنة داعش بأن يبتعدوا عن مواقع وتجمعات الإرهابيين. ومن أهم انجازاتنا هو مساعدة طلاب المدارس في المناطق المحررة للوصول في باصات وزراة الدفاع للمدارس المؤقتة والبعيدة عنهم. كما قمنا وبالتعاون مع رجال القوة الجوية، بتصنيع مقاعد دراسية للطلاب من صناديق العتاد الفارغة، لأن المدارس تدمرت تدميراً كاملاً وتعرضت للنهب والتخريب من قبل داعش. هذه العملية طورت العلاقة بين القوات المسلحة والمواطنين. لقد حققنا أكثر من هدف باستخدام صناديق العتاد، حيث ساعدنا الدولة بتوفير مقاعد دراسية جديدة، وأنهينا مشكلة التخلص من هذا الكم الهائل من الصناديق الفارغة التي تتكدس داخل القواعد الجوية.
يونيباث: ماهي رؤيتك لتطوير مديرية الإعلام والتوجيه المعنوي؟
العميد تحسين: برغم التحديات التي تواجهنا في هذه الظروف، نحن نعمل بتفانٍ كبير لنوصل أنباء الانتصارات للعالم ونفضح أكاذيب داعش. ونأمل من أصدقائنا في قوات التحالف وإخوتنا في أجهزة الدولة دعم جهودنا في تطوير وإدامة العمل الإعلامي الذي يحتاج إلى الاستمرارية بفتح الدورات التدريبية ومواكبة التقنيات الحديثة، ومن خلال بناء جيل إعلامي لحمل الراية. نحن بحاجة للعمل عن كثب مع الأمم المتحدة، وقوات التحالف، والمجتمع الدولي لنقل الصورة للعالم. وأكرر شكري وتقديري لأصدقائنا في قوات التحالف على التدريب.
يونيباث: كيف كان تواصلكم مع السكان في المناطق المحاصرة؟
العميد تحسين: منذ 2013 أصبحت الاستراتيجية الإعلامية هي بناء معنويات رجال القوات المسلحة وإعادة الثقة بين المواطنين والجيش، كذلك التركيز على الحفاظ على أرواح المواطنين في المناطق المحاصرة. فعندما تتقدم قواتنا لدحر عصابات داعش، هناك سكان مدنيون في تلك المناطق، لذلك نحن نتواصل معهم من خلال إلقاء المنشورات، ومن خلال الراديو ورسائل الهاتف وبالتعاون مع قوات التحالف لتحذير المواطنين بتجنب تجمعات الإرهابيين، وعدم الإقتراب من البنايات التي ترفع أعلام داعش. كذلك عملنا على إعطاء التعليمات للمواطنين بالتوجه نحو الطرق الآمنة لترك المدينة قبل عميلة الاقتحام. كنا نقسم القوة المهاجمة إلي قسمين، قسم يعالج مواقع العدو، والقسم الآخر يقوم بتأمين ونقل المواطنين خارج منطقة الخطر. حيث كان يقتسم الجنود أرزاق المعركة مع الأطفال والنساء، وهذا كان السبب وراء إعادة الثقة والتكاتف بين المواطنين وقواتهم المسلحة.
يونيباث: ماذا يعني لك الرائد علاء العيداني، مراسل الإعلام الحربي الذي فقد عينيه اثناء الواجب؟
العميد تحسين: هذا المقاتل الشجاع أصبح رمزاً للتضحية والصمود بين رجال الإعلام في القوات المسلحة. لقد أثبت الرائد البطل الصورة الحقيقية لشجاعة وإصرار رجل الإعلام. برغم الإصابة المميتة التي تعرض لها في ساحات القتال وفقدان بصره، لم يفقد علاء العيداني إصراره على مواصلة الطريق لهزيمة داعش. هذا الرجل هو مثالٌ رائع على شجاعة الجندي العراقي الذي فقد بصره؛ لكنه لم يفقد أمله في جهودنا لبناء مستقبل مشرق لأبناء شعبه. لقد ضحى بأعز ما يملك من أجل نقل الصورة الحقيقة عن انتصارات رفاقه بالسلاح، هو مثلي الأعلى وسيبقى رمزاً وطنياً للتضحية والوفاء.