رغم شراستها في المعارك؛ قوات العمليات الخاصة العراقية تحرص على حماية واحترام المدنيين
أسرة يونيباث
كل يوم يسجل رجال العمليات الخاصة العراقية بطولاتٍ كثيرة ضد عصابات داعش الإرهابية. فهذه القوة تعتبر النخبة بين صفوف القوات المسلحة. يعرفها العراقيون بــ “الفرقة الذهبية.” حين تسير دورياتهم في الشارع، تصوب لهم العيون ويرفع الأطفال أيديهم البريئة لتحيتهم. سحنتهم السمراء تدل على جذورهم السومرية المشبعة بالحب والوفاء لأرض الرافدين. تجد بينهم ابن زاخو “كاكا حما”، وابن البصرة “حمد”، وابن العمارة “أخو باشا”، وابن الأنبار “أخو سعدة”، وابن صلاح الدين “أخو هدلة” والكوت والناصرية والموصل، جمعهم حب العراق وصهرتهم ساحات التدريب في مصانع الأبطال لتجعل منهم اخوة في السلاح. هؤلاء الرجال ذوو البزات السوداء منتظمين بكل شئ. حين يتوجهون للواجب، لايتجاوزون على قوانين السير ويعطون إرشاداتهم للسيارات القريبة منهم باحترام. قيافتهم العسكرية في غاية الأناقة وبرغم حرارة الصيف في العراق، يرتدون كامل عدتهم وعتادهم مما يدل على المهنية والالتزام.
أما المعركة التي سندخل دهاليزها فهي معركة فريدة من نوعها كسرت ظهر داعش وبددت أحلامهم المريضة بنشر فكر الذبح والسبايا في أرضٍ طالما هزمت الأعداء. المقدم الركن أركان جلال فاضل التكريتي، قائد إحدى وحدات العمليات الخاصة يروي لنا تفاصيل المعركة:
”في أكتوبر 2014 كلفت القيادة وحدتي لتحرير ناحية بروانة التابعة قضاء لحديثة. دخل إرهابيو داعش تلك المدينة الآمنة وقتلوا الأبرياء وأحرقوا مؤسسات الدولة. “
شرح المقدم الركن أركان الأهمية الاستراتيجي لبروانة بقوله: “يسيطر موقع بروانة الاستراتيجي على الطريق الرئيسي بين حديثة وسد حديثة، مما يجعل السد تحت سيطرتهم ويقطع طرق الأمداد. ويعتبر سد حديثة من أهم مصادر توليد الطاقة الكهربائية والسيطرة على تدفق مياه نهر الفرات. فموقع بروانة المرتفع جعل داعش يختارها للسيطرة على مدينة حديثة حيث بدأوا بقصفٍ مكثف على المدينة.”
ويتابع المقدم الركن أركان: “داعش حاقدين على حديثة بسبب موقف سكانها الرافض للإرهاب. فقبائل حديثة طردت الزرقاوي بالسلاح عام 2005 ورفضت أن يدنسها الإرهابيون وقطعت طرق تهريب المقاتلين من سوريا، لذلك جاءُوا للانتقام والتدمير.”
”لكن سرعة وصول العمليات الخاصة فاجأ داعش. جاءت أوامر من قيادة العمليات الخاصة أن أترك موقعي في جنوب الرمادي وأتحرك على الفور باتجاه بروانة التي تبعد حوالي 170 كيلومتر غرب الرمادي لإيقاف تقدم داعش باتجاه حديثة وتأمين سد حديثة. لقد تركنا القتال في جبهة جنوب الرمادي وتوجهنا إلى جبهة أخرى أي لم نكن في فترة استراحة، بل كنا منهكين من شراسة المعارك إضافة الى وعورة الطريق الصحراوي إلى بروانة.”
بدأنا بالتخطيط للعملية وكان معي مستشارين إثنين من القوات الأمريكية اللذين قدموا الدعم لنا بالاستطلاع والاستخبارات والإسناد الجوي القريب وبعد تقديم الخطة للقيادة، وافقت القيادة على الخطة وتم تجهيز الوحدة بما تحتاجه. بدأت المعركة الساعة الخامسة فجرًا ليبدأ قتالٌ ضاري لمدة 48 ساعة.
”تمكنا خلال 24 ساعة من تحرير نصف المدينة وكبدنا العدو خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات، حوالي 50 قتيل و تدمير 18 سيارة،” والحديث للمقدم أركان “وقد اشترك معنا في هذه المعركة رجال العشائر الأبطال ومعهم محافظ الأنبار آنذاك أحمد خلف الدليمي، وشهادةً للتاريخ كان المحافظ يقاتل معنا في الخطوط الأمامية مع الفريق عبد الوهاب نائب قائد العمليات الخاصة وقد تعرض لإصابة أثناء المعركة. استخدم العدو قصفًا كثيفًا لإيقاف تقدمنا حيث أن المنطقة مفتوحة وتأثير الأسلحة الغير مباشرة مؤثر. لكن ذلك لم يؤثر على المعركة.”

”في فجر اليوم الثاني ضربنا طوقًا مُحكمًا حول المدينة وقطعنا خطوط الإمداد واقتحمناها من عدة محاور حيث ازدادت شراسة المعركة. كانت المعلومات الاستخبارية المتوفرة لدينا بأن أكثر من 350 إرهابي متحصنين داخل المدينة، أما قوتنا فكانت 75 مقاتل فقط من رجال الفرقة الذهبية لكن كثافة النيران واحتراف المقاتلين جعلنا نتفوق على العدو. وقبل غروب اليوم الثاني تم تطهير المدينة كليًا من إرهابيي داعش، وقام الشباب برفع العلم العراقي فوق مركز المدينة وفتحنا الجسر الرابط بين بروانة وسد حديثة. لقد تكبد العدو حوالي 385 قتيل وتدمير كامل للآليات كما استولينا على قسم كبيرة من الأسلحة والأعتدة وقد أمّنا سد حديثة وحزام مدينة حديثة الخلفي.”
ويعتقد المقدم الركن أركان أن سرعة وصول المهمة أربكت داعش. وسهلت القبض على الإرهابيين الذين أخذوا على حين غرة.
”كان دور مقاتلي العشائر مهمًا جدًا لمعرفتهم الأولية بدهاليز المدينة وطرقها النيسمية مما مكننا من قطع كل طرق الإمداد. كانت العملية خاطفة حيث باغتنا العدو وأحرزنا نصرًا يضاف لسجل قوات العمليات الخاصة، وكانت العملية بإشراف مباشر من قبل جهاز مكافحة الإرهاب حيث كان اتصالي بالفريق أول الركن طالب شغاتي مستمرًا أثناء المعركة وكان لي الشرف أن أكون أول من يزف له بشرى تحرير بروانة.”
أما عن حنكة القيادة وإدارة المعركة، يشير المقدم أركان بقوله: “عادةً ما تسير القوات على الخطة التي يرسمها القائد الأعلى وليس على قائد الوحدة سوى تنفيذ الخطة الموضوعة. أما الطريقة التي تعمل بها قيادة العمليات الخاصة فتختلف تمامًا بتوجيه مباشر من السيد قائد الجهاز لكافة القيادات. فأسلوب القيادة الذي يتمتع به الفريق أول الركن طالب شغاتي الكناني هو أسلوب متقدمٌ جدًا في العراق. حيث منح الحرية لقادة الوحدات القتالية لكي يضعوا الخطط لما يرونه مناسبًا على أرض المعركة مما يزيد من عزيمة قادة المجموعات. وبعد أن نضع الخطة نناقشها مع القيادة ثم يُعطي القائد ملاحظاته حسب ما يطلبه القادة الميدانيين من إمدادات وإسناد ثم نبدأ التنفيذ. هذا النوع المتقدم من التخطيط غير موجود في وحدات الجيش الأخرى. فالعمل كفريق واحد والاشتراك بوضع الخطط الميدانية حقق نجاحات كبيرة لنا.”
إن حماية المدنيين في مناطق القتال مهمة في غاية الصعوبة، لكن رجال الفرقة الذهبية الذي أقسموا على المحافظة على وحدة وسيادة العراق يبذلون كل مافي وسعهم لحماية أرواح المواطنين.
يصف لنا المقدم الركن أركان ذلك: “بسبب شراسة المعارك ووحشية الإرهابيين، كانت المناطق تعاني من تدمير كامل ولا يوجد فيها أي خدمات أو مرافق صحية. في بعض الأحيان يوجد مدنيين في المنطقة وعلى بعد مئات الأمتار من خطوط المواجهة. كان جنودنا يعرفون المنازل المأهولة ويحاولون إبعاد الإرهابيين عنها. وبرغم تداخل خطوط الإشتباك وقربها من المنازل، كان السكان يشعرون بالأمان لوجودنا ويعرفون بأننا سندافع عنهم. كنا نتقاسم ما لدينا من ماء وطعام مع تلك العوائل ونتفقدهم كل يوم. بدأوا يعرفون أسماءنا ونحن نعرف أسماءهم. نحن مدربين على التحمل، لكن الأطفال والنساء المحاصرين في المنطقة لا يستطيعون تحمل العطش والجوع. كنا نوفر لهم رعاية صحية من خلال الفريق الطبي الميداني، حيث نضمد الجروح ونوفر بعض الأدوية.
”في إحدى الليالي كان القتال محتدًا في حي الملعب في الرمادي، جاءنا أحد المواطنين يطلب المساعدة، لديهم حالة ولادة والمنطقة مغلقة بسبب القتال. أرسلت فريق الطبابة معه واتصلنا بإحدى المجموعات القريبة منا حيث أخبرنا الرجل عن وجود قابلة هناك. فقامت المجموعة الثانية بتوفير حماية للقابلة وكانت ولادة طبيعية بسلامة الأم والمولود.”
حينما سألناه عن موقف بطولي لأحد جنوده، استغرق المقدم الركن أركان بالصمت ثم قال: “المواقف البطولية كثيرة، نحن منذ 18 شهرًا نقاتل داعش في الأنبار وكل لحظة هناك قصص بطولية. لكن استطيع أن أذكر لك حالة، وهي أن كثير من رجال العمليات الخاصة الذين يقاتلون داعش في الأنبار قد تعرضوا لإصابات أثناء المعارك لكنهم بكل شجاعة رفضوا الإخلاء واستمروا بالقتال مع رفاقهم. لا استطيع أن أذكر قصة معينة لكي لا أظلم بقية القصص البطولية لأنها جميعا لها مكانة بقلبي وتعني لي الكثير. عندما دخلنا حي البكر في منطقة الملعب بالرمادي كنا جميعا نعرف بأن العدو ابتكر أساليب جديدة بتفخيخ المنازل وزرع العبوات كوسيلة دفاعية ضد قواتنا. فكان رجالنا يعرفون خطورة الموقف ويعرفون بأن أغلب البيوت مفخخة وأن بربغاندا داعش كانت تنشر الأشاعات لزعزعة معنوياتنا. وبغض النظر عن أساليب الإرهابيين بالغدر ومعرفة رجالنا بخطورة المنازل المفخخة، لم تثنِ تلك المخاطر عزم رجالنا ولم تضعف إرادتنا لتحرير العراق من رجس داعش. لقد صمد رجالنا في مواجهة الهجمات الأرهابية بينما كانت وحدات أخرى قد انسحبت أو تدمرت في ظروف مماثلة.
