السيد حيدر شغاتي/مدير العلاقات العامة، جهاز مكافحة الإرهاب العراقي
يخلط الكثيرون بين الجماعات الإرهابية و الجماعات المتمردة، ويكرر البعض الأخطاء الشائعة التي تُدرج الجماعتين ضمن تصنيف واحد دون الأنتباه الى أن ثمة فرق كبير بين الإرهاب والتمرد. عندما نقارن بين الجماعات الإرهابية و الجماعات المتمردة بطريقة اكاديمية، نجد أن كل مجموعة لديها أجندات وأهداف مختلفة عن الأخرى، حيث يتسم المتمردون بالانفتاح نحو المصالحة والحوار، بينما يقوم الإرهابيون بعمليات قتل جماعي ضد الأبرياء كعمل انتقامي ضد الشعب والحكومة. غالباً ما يتجنب المتمردون مهاجمة الناس الأبرياء لأنهم يحتاجون إلى الدعم الشعبي لحركتهم التمردية. وعلى النقيض، يقوم الإرهابيون عمداً بتنفيذ عمليات الترهيب والقتل الجماعي للسكان الابرياء واستخدامهم كدروع بشرية. وعلى عكس المتمردين، لا يهتم الإرهابيون بحياة الناس الابرياء، ويسيئون دائماً تفسير الدين لتبرير أفعالهم الاجرامية. لذلك يجب على السلطات وضع خطة محددة للتعامل مع كل مجموعة على حدة حسب أهدافها وتوجهاتها.
ترتكز استراتيجية المتمردين على استخدام القوة ضد الحكومة كرد فعل على مظالمهم وللحصول على منافع سياسية في نفس الوقت، ولكن يبقى لديهم اهتمام بالسكان المحليين وعدم التعرض لهم بالأذى. وعادة ما يستخدم المتمردون الغضب الشعبي للحصول على قاعدة جماهيرية تدعم حركتهم وبالتالي الحصول على الشرعية. بينما يرتكب إرهابيو تنظيم القاعدة وحالياً تنظيم داعش مجازر جماعية ومذابح ضد المواطنين الأبرياء في المناطق التي يسيطرون عليها، والتي يشعر سكانها بأنهم مهمشون من قبل الحكومة. ومن الجدير بالذكر، أن الغالبية العظمى من المسلمين السنة يرفضون فكر تنظيم داعش الإرهابي ويعتبرونه تشويهاً للإسلام. في حين يدعيّ إرهابيو تنظيم القاعدة وتنظيم داعش بأنهم المدافعون عن المسلمين السنة، بينما هم يقتلون السنة المخالفين لرأيهم بدم بارد.
وللأسف الشديد، فإن انعدام الثقة بين الحكومات العراقية السابقة والمواطنين السنة أدى إلى تفاقم المشكلات بشكل كبير نظراً لعدم الانتباه الى احتياجاتهم ومخاوفهم من التغييرات الحاصلة في العراق. على سبيل المثال، حين بدأت حركات التمرد في العراق، لم تقوم الحكومة بأي محاولة جادة للوصول إليهم ومحاورتهم، وقام البعض بتصويرهم على أنهم ارهابيون مما أدى الى حصول تحالف قوي بين المتمردين والتنظيمات الإرهابية آنذاك. ولكن، العملية التي قادتها القوات الامريكية في العراق عام 2007 وتأسيس مجالس الصحوات في محافظة الأنبار كانت الخطوة الاولى لفصل المتمردين عن الإرهابيين. لا شك إن نجاح الصحوات في المناطق السنية كان أكبر دليل على أن مشكلة العراق الكبرى هي تمرد وليس إرهاب، وتكمن هذه المشكلة في شعور جزء من الشعب العراقي بالتهميش والظلم ولم يكن لديهم خيار آخر سوى الالتحاق بالمتمردين، بينما تلاشت المجاميع الإرهابية وانحسرت بسبب أعمالهم الاجرامية التي كانوا يقومون بها ضد المواطنين الأبرياء.
إن المشهد الحالي في العراق معقدٌ للغاية، وأي خطأ في الحسابات السياسية قد يؤدي إلى مزيد من التعقيد. في الواقع إن الحملة التي قامت بها الحكومة السابقة ضد السياسيين السنة تسببت في انعدام الثقة والخوف بين السكان السنة، بما فيهم المتمردين السابقين الذين أصبحوا جزءً من الصحوات. وللأسف الشديد خلقت مشاعر الظلم والتهميش البيئة المناسبة للإرهابيين للعودة إلى هذه المناطق وإيجاد موطئ قدم لهم ومزاولة نشاطاتهم من جديد عن طريق استغلال مشاعر الاستياء والاقصاء للتجنيد والدعم. إن غزو تنظيم داعش الإرهابي سبب الكثير من الارباك والانقسامات بين المواطنين السنة. لكن بعض قادة الصحوات انتبهوا لخطر هذا التنظيم الإرهابي فقاموا بوقف مظاهراتهم ضد الحكومة ووجهوا أسلحتهم ضد تنظيم داعش، بينما قرر البعض الآخر من الذين لا يثقون بالحكومة عدم مقاتلة التنظيم الإرهابي.
إن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة في أيلول 2014 بإجماع وطني، كان بمثابة رسالة قوية للمواطنين السنة بأن الحكومة الجديدة سوف تستمع لمطالبهم ومظالمهم. فمن المهم جداً أن تتواصل الحكومة العراقية مع مواطنيها في المناطق السنية لإعادة بناء الثقة معهم من خلال الحوار والتشاور لحسم هذه الخلافات، وينبغي فتح المجال أمام كافة الأطراف بما فيها هؤلاء المشككين بنوايا الحكومة للجلوس على طاولة الحوار. اعتقد بأن الحكومة العراقية الجديدة تسير بالاتجاه الصحيح وسوف تصل إلى أهدافها لتكون حكومة لكل أطياف الشعب العراقي دون أي نوعٍ من أنواع التمييز الطائفي أو العرقي لحماية الوحدة الوطنية.
بالإضافة الى ذلك، يتوجب على الحكومة العراقية الاستفادة من المواطنين المتطوعين لحماية وطنهم ولقتال تنظيم داعش الإرهابي ودمجهم مع متطوعي العشائر السنية لتشكيل قوات شعبية وطنية “الحرس الوطني” ليكونوا داعماً قوياً للجيش والشرطة العراقية لحماية وحدة العراق أرضاً وشعباً.