Share Facebook Twitter Telegram WhatsApp Copy Link اعتداء الحوثيين على الحكومة الشرعية في اليمن ترك فراغًا للإرهابيين سفارة الجمهورية اليمنية في واشنطن العاصمة يسكن اليمن 27 مليون مواطن. وتشترك في الحدود مع المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، وتطل على مضيق باب المندب، وهي حلقة وصل إستراتيجية بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عن طريق البحر الأحمر. تواجه اليمن تحديًا كبيرا، وهو الأمر الذي لا يهدد استقرارها السياسي والوحدة والسلام الإقليمي فحسب، بل أيضًا وحدتها كدولة وتماسكها الاجتماعي. ومنذ تدبير الميليشيا لانقلاب عسكري في سبتمبر 2014، توقفت عملية الانتقال السلمي في اليمن، مما أدى إلى تحولها إلى دولة مفعمة بالاضطرابات والحرب الأهلية، لقي فيها آلاف الأشخاص حتفهم ومن بينهم نساء وأطفال. وأثرّ ذلك أيضًا على مكافحة الحكومة للإرهاب والتطرف العنيف، مما خلق فراغًا يسمح للأرهاب والتطرف بالازدهار. ثورة الشباب والمبادرة بعد أربع سنوات من توحيد اليمن في 1990، اندلعت الحرب الأهلية. بالنسبة للكثيرين في الجنوب، كان هذا الحدث هو النقطة التي فقدوا عندها ثقتهم في الحكومة المركزية في صنعاء. في عام 2007، تشكلت حركة في الجنوب يُطلق عليها الحراك. كانت هذه الحركة تعبر عن استياء من العديد من المظالم والشكاوى التي لم تُعالجها الحكومة المركزية. لم تكن الحياة أسهل بالنسبة لكثير من الناس في الشمال. دخل كثيرون في مختلف أنحاء البلاد، في دائرة مفرغة من الفقر بسبب الفساد وسوء الإدارة والافتقار إلى التنمية. في يناير 2011، بعد فترة قصيرة من بداية الربيع العربي في تونس، خرج الشعب إلى الشوارع احتجاجًا على المظالم. وقد انضم الشعب في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك الحوثيون. وتعاطف الناس آنذاك مع الحوثيين. فاعتبروهم حركة من الأجزاء الشمالية لليمن التي استهدفها النظام السابق منذ 2004 وحتى 2010. وبعد أشهر من الاعتصامات والتضحيات الكثيرة، وبعد أن كانت البلاد على وشك الدخول في حرب أهلية في ذلك الوقت، وبفضل مساعدة الجيران، وجد الشعب اليمني في نوفمبر 2011 مخرجًا في مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذه. وتم التوقيع النهائي وقبول هذه المبادرة رغم محاولات الرئيس السابق على عبد الله صالح لتأخيرها. ولم تكن المبادرة إنجازًا يسيرًا. إذ رآها الشعب وسيلة لبداية جديدة لليمن التي وضعت حدًا لحكم صالح الذي استمر 33 عاماً. وحلّت المبادرة محل الدستور وأتاحت فترة انتقالية على مرحلتين. وتضمنت المرحلة الأولى تشكيل حكومة وحدة وطنية وانتخاب رئيس جديد (وهو ما لم يحدث من قبل في اليمن). وتضمنت المرحلة الثانية إجراء مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وصياغة دستور جديد، وأخيراً الإعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية العامة وفقًا للدستور الجديد. مرّت عملية الانتقال على نحو جيد. فتم انتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي في فبراير 2012 واختُتم مؤتمر الحوار الوطني الشامل في يناير 2014، بعد عشرة أشهر من المداولات، التي شملت حينها حتى أضعف الجماعات المهمشة. واعتمد المؤتمر في نهايته 1800 نتيجة في كل القضايا الرئيسية. أجرى 565 وفدًا – 20% من الشباب، و30% من النساء، و50% من الجنوب – محاورات ومناقشات بشأن تسع قضايا رئيسية؛ تشمل قضية الجنوب (الحراك)، وقضية صعدة (قضية الحوثيين). كان الدستور الجديد في مرحلة الصياغة على يد اللجنة الشاملة التي تألفت في مارس 2014. أشار شركاء اليمن إلى العملية الانتقالية في اليمن بصفتها قصة نجاح ونوّهوا إلى المبادرة بصفتها مثالاً يحتذي به الآخرون في المنطقة. كانت اليمن في طريقها نحو إقامة دولة ديمقراطية اتحادية جديدة لم تكتفِ بالوفاء بطموحات الشعب للتغير، بل حمت مبادئ ثورتي 1962 و1963. كان الشعب اليمني مفعمًا بالأمل لأنهم يشهدون صناعة التاريخ ويستكشفون مستقبلاً يستحق القتال من أجله. الانقلاب في يوليو 2014، شكّل الحوثيون الذين كانوا يتلقون دعمًا عسكريًا وماليًا من إيران، تهديدًا كبيرًا حتى الآن على العاصمة صنعاء عن طريق الاستيلاء على اللواء 310 مدرع في محافظة عمران، التي تقع على بعد 40 كيلومترًا فقط من شمال العاصمة، بعد أشهر من القتال. في الشهر التالي، حولّ الحوثيون انتباههم وركزوا على العاصمة نفسها. في 21 سبتمبر 2014، قام الحوثيون بانقلاب عسكري، بمساعدة القوات الموالية لصالح، واستولوا على صنعاء. سعى الرئيس هادي إلى تخفيف حدة الموقف بأي ثمن للحفاظ على العديد من إنجازات الشعب وتضحياتهم، ووافق على تشكيل حكومة جديدة بموافقة الحوثيين لإتمام عملية الانتقال وإنشاء دولة يمنية جديدة وفق ما نصت عليه المبادرة. ومع ذلك، استمر الحوثيون في تصعيد الموقف والتصدي لعملية الانتقال. فهم يعرفون جيدًا أنه إذا كانت هناك عملية سياسية ديمقراطية حقيقية، فربما يفقدون ما حصلوا عليه بالقوة. وخطف الحوثيون في يناير 2015 أمين عام مؤتمر الحوار الوطني الشامل ووضعوا يدهم على أول مسودة من القانون الجديد الذي طال انتظاره لمنع النظر فيه. وبعد يومين، تم وضع الرئيس والحكومة الجديدة تحت الإقامة الجبرية. وبعد ثلاثة أيام، استقال الرئيس والحكومة احتجاجًا على ذلك. ثم حاصر الحوثيون البرلمان لأنهم يعرفون أنه سيتولى حكم البلاد بموجب الدستور. وفي أقل من شهر، ألغى الحوثيون البرلمان تمامًا، وأعلنوا ما أطلقوا عليه اسم “إعلانًا دستوريًا” يقضي بتولية “لجنة ثورية” حكم البلاد، وأنهوا بذلك المرحلة الانتقالية. وفي فبراير 2015، شجب القرار 2201 الصادر من مجلس الأمن التابع الأمم المتحدة الانقلاب و”أدان بشدة الإجراءات التي اتخذها الحوثيون لحل البرلمان والسيطرة على المؤسسات الحكومية اليمنية، بما في ذلك أعمال العنف”. وبعد أيام قليلة، تمكّن الرئيس هادي من مغادرة من صنعاء إلى عدن، وألغى في وقت لاحق استقالته. واستمر الحوثيون وصالح في عدوانهم وتجاهل نداءات المجتمع الدولي. في عام واحد فقط، من ديسمبر 2014 إلى ديسمبر 2015، اعتقل الحوثيون 8,458 شخصًا بشكل تعسفي، من بينهم نشطاء وصحفيون. وفي الوقت نفسه، تم هدم 389 منزلاً لا لشيء سوى لانتماء أصحابها إلى المعارضة، وارتفعت حالات التعذيب إلى 1,077 حالة، وقامت ما يُطلق عليها اللجان الثورية بخطف 2,706 أفراد. وتبع الحوثيون والقوات الموالية لصالح الرئيس إلى عدن، واستخدموا القوات الجوية الوطنية لاستهداف القصر الرئاسي هناك. وفي مارس 2015، انتقل الرئيس هادي إلى المملكة العربية السعودية بعد أن طلب رسميًا المساعدة من زعماء مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك التدخل العسكري كحل أخير. واستجابت قوات التحالف العربي، التي ترأسها المملكة العربية السعودية، لطلب الرئيس في أواخر مارس 2015. وفي أبريل 2015، استجاب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، باعتماد قراره التاريخي 2216. وقد طالب بتوقف الحوثيين فورًا وبدون شروط عن استخدام العنف وسحب قواتهم، بما في ذلك العاصمة، والتخلي عن الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، ووقف جميع الأعمال التي تتم حصرًا في إطار سلطة الحكومة الشرعية. وطالبهم أيضًا بالامتناع عن أي استفزاز أو تهديدات للدول المجاورة؛ والإفراج عن جميع السجناء السياسيين، بما في ذلك وزير الدفاع؛ وإنهاء تجنيد الأطفال واستخدامهم. وقد فرض القرار عقوبات تضمنت حظر الأسلحة على صالح والقائد الحوثي عبد الملك الحوثي وغيرهم. كما أدان العدد المتزايد للهجمات التي يشنها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وحجمها، وأعرب عن قلقه إزاء قدرة الجماعة الإرهابية على الاستفادة من تدهور الوضع في اليمن. استغلال تنظيم القاعدة لهذا الفراغ تعد اليمن حليفًا إستراتيجيًا في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وكذلك باتت تحارب تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لسنوات عديدة بمساعدة من المجتمع الدولي. وفي أبريل 2014، شنت الحكومة حملة عسكرية واسعة النطاق ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في محافظتي شبوة وأبين. ومع ذلك، تأثرت هذه الجهود عندما بدأ الحوثيون تصعيد عدوانهم في محافظة عمران، مما أدى إلى انقلابهم العسكري في سبتمبر 2014. وفي أبريل 2015، استغل تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب الفراغ الذي سببه الانقلاب واستولى على مدينة المكلا الساحلية الرئيسية بمحافظة حضرموت. وقد تمكن تنظيم القاعدة آنذاك من الحصول على مستويات غير مسبوقة من الموارد عن طريق نهب البنوك وفرض الآتوات على ميناء المدينة وعلى المحافظة بشكل عام. ومع ذلك، في أبريل 2016، تمكنت الحكومة وقوات التحالف العربي، في غضون أسبوع، من استعادة المكلا وهزيمة ما تبقى من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في المدينة. ومنذ ذلك الحين، قامت الحكومة بتطهير البؤر المتبقية من تنظيم القاعدة في العديد من المحافظات، بما في ذلك عدن وشبوة وأبين، وتفكيك أي ملاذات آمنة أخرى يُحتمل وجودها في اليمن. تحوّل السلطة خلال المراحل الأولى من الانقلاب، سيطر الحوثيون والقوات الموالية لصالح على العديد من المحافظات، بما في ذلك في الجنوب. وتسيطر الحكومة حاليًا، بمساعدة قوات التحالف، على أكثر من 80% من اليمن، بما في ذلك جميع المحافظات الجنوبية، وتقف الآن على عتبة العاصمة. ويقيم الرئيس هادي حاليًا في عدن العاصمة المؤقتة، ويقوم بمهام الإشراف والقيادة على أكثر من ثمانين لواء من القوات المسلحة اليمنية، ولهم تواجد في أغلب محافظات اليمن. ويُعد الحوثيون وقوات صالح محاصرين حاليًا في العديد من المحافظات ويفقدون بشكل متواصل السيطرة حتى على بعض معاقلهم، مثل محافظة صعدة. عملية السلام تؤمن الحكومة بأن الحل السياسي هو ما سينقذ اليمن ويعيدها إلى المسار الصحيح لإنهاء ما تم إنجازه اعتبارًا من عام 2011. وتحقيقًا لهذه الغاية، وافقت الحكومة على المشاركة في ثلاث جولات من محادثات السلام مع قادة الانقلاب، رغم أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 طالب تحديدًا، ضمن أمور أخرى، بانسحاب الحوثيين من العاصمة ووقف جميع الأعمال التي تتم حصرًا في إطار سلطة الحكومة الشرعية. وفي الجولة الأولى في جنيف في يونيو 2015، لم يتحقق أي شيء. وفي الجولة الثانية في بيال بسويسرا في ديسمبر 2015، وافق الطرفان على اتخاذ تدابير لبناء الثقة؛ وقد شملت وقف إطلاق النار وإطلاق سراح السجناء السياسيين وغيرهم من السجناء، وقد فشلت المحادثات لأن وفود الحوثي وصالح لم تحترم التزاماتها. ولم تسفر الجولة الثالثة في الكويت، التي استمرت 115 يومًا؛ من أبريل إلى أغسطس 2016، عن أي نتائج ببساطة بسبب رفض الحوثي وصالح جميع الاقتراحات التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة. وفي ختام محادثات الكويت، قدمت الحكومة تنازلاً كبيرًا من أجل السلام وقبلت خطة الأمم المتحدة التي سينسحب فيها الحوثيون في البداية من ثلاث محافظات (صنعاء، والحديدة، وتعز) مقابل تشكيل حكومة وحدة في غضون 35 يومًا. ولم يرفض الحوثيون قبول هذا الاقتراح فحسب، بل أعلنوا أيضًا تشكيل ما يسمى بالمجلس السياسي، بينما كان وفدهم لا يزال يشارك في محادثات السلام. وفي وقتٍ لاحق، أعلنوا أيضًا حكومتهم غير الشرعية تحت مسمى “حكومة الخلاص”، وحاولوا، بدون بلوغ النصاب، عقد البرلمان بانتهاك صارخ للدستور. ورغم كل ذلك، لا تزال الحكومة حريصة على السلام ومستعدة لقبول أي حلول مقترحة وفقًا للمراجع الثلاثة: المبادرة، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولا سيما القرار 2216. السبيل للمضي قدماً وتلتزم الحكومة بالدفاع عن المبادئ المنصوص عليها في الدستور، وحماية إنجازات ثورة الشباب عام 2011. وستواصل أيضا التزامها بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف بجميع أشكاله ومظاهره. وتقف الحكومة على أهبة الاستعداد للمشاركة بشكل إيجابي والعمل مع المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية الجديدة للتوصل إلى حل شامل ومستدام للأزمة اليمنية. وكذلك تؤكد مجددًا دعمها المستمر لجهود مبعوث الأمم المتحدة في هذا الصدد. ولذلك، فإن الحكومة لن تقبل إلا حلاً يلتزم بالمراجع الثلاثة المذكورة أعلاه. وأي حل لا يستند إلى هذه المراجع لن يؤدي إلا إلى إطالة الأزمة وإضفاء الشرعية على الانقلاب، مما يقضي على أي أمل في إقامة دولة مدنية ديمقراطية جديدة تستطيع إرساء أسس مجتمع عادل يتمتع فيه كل مواطن بالحق في حياة حرة وكريمة.