التدريب ضد التطرف

الأردن يستضيف تدريبات الأسد المتأهب 2013 بتركيز على التهديدات العسكرية غير التقليدية

أسرة يونيباث

تتجمع قوات العمليات الخاصة على طريق أسفلتي مقام على حافة صخرية في مركز الملك عبد الله الثاني لتدريب العمليات الخاصة. ترتدي قوات المغاوير العراقية حللاً سوداء، والإماراتيون في أطقم عسكرية بلون الرمال، بينما يرتدي الأردنيون ملابس التمويه.

يتشاور الضباط مع طياري مروحيات بلاك هوك التي تدور محركاتها في الخلفية. عند أي ارتفاع يجب على الرجال الهبوط بالحبال من عنبر الطائرة؟ هل يضمن الطيارون الإنزال من ارتفاع 10 أمتار؟

كلما كانت المروحية منخفضة، كلما قل تعرضك لإطلاق النار
غير أن طياري المروحية الأردنيين في حاجة إلى ضمان سلامة طائرتهم أيضاً. فهم يقومون بتقييم حركة الرياح في هذا الصباح المشمس من شهر حزيران/ يونيو. قد يكفي النسيم –لثني قمم أشجار الصنوبر– ولكنه يُمكّن من إنجاز الإنزال الجوي من ارتفاع 10 أمتار.

ومع هتاف الموافقة من كل جانب، يندفع أصحاب الأطقم العسكرية السوداء، و الأطقم – الرملية وأطقم التمويه العسكرية نحو الأبواب المفتوحة لطائرة بلاك هوك التي بدأت تزأر استعداداً للانطلاق.

وبعد بضع دقائق، أخذ المغاوير العراقيون– وهم أعضاء القوة العراقية لمكافحة الإرهاب– قسطاً من الراحة بعد أن شاركوا في عدة إنزالات جوية من المروحيات: فوق الطريق الأسفلتي، وفوق أسطح المنازل. يتحدث قائدهم عن الوحدة المتعددة الجنسيات التي كان يصقل تكتيكاته معها، وهي مجموعة تضم عدداً قليلاً من الأمريكيين. قال، “إنه لأمر جيد العمل مع دول أخرى”.
يتدخل أحد رقبائه، قائلاً بعد أن خلع خوذته ومسح جبينه، “إنه ليس أمراً جيداً فحسب، بل إنه أمر مدهش”.

استمرت تدريبات الأسد المتأهب 2013 التي يقودها الأردنيون من 9 إلى 20 حزيران/ يونيو، وشارك فيها قرابة 8000 من القوات في مهام متعددة الجنسيات امتدت من الأراضي البركانية الطبيعية لصحراء الأردن الشرقية إلى الأرصفة الصاخبة التي تعج بالحركة في ميناء العقبة الجنوبي.

بالنسبة للدول الـ 19 التي ساهمت بجنود، وبحارة وطيارين، وصلت تدريبات الأسد المتأهب إلى ذروتها باستعراض لهجوم بري وجوي على مواقع العدو في التضاريس الصحراوية الجبلية، واقتحام محكم التصميم لقوات العمليات الخاصة لطائرة ركاب نفاثة وإنقاذ عبارة مخطوفة في خليج العقبة. أرسلت كل من البحرين، ومصر، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وقطر، والمملكة العربية السعودية،

والإمارات العربية المتحدة، وباكستان واليمن مشاركين، مثلما فعلت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وبولندا، وإيطاليا، وكندا، وجمهورية التشيك، وتركيا وفرنسا.

قال العقيد أحمد العلي من القوات الخاصة الإماراتية، وهو يتابع المشهد الختامي للتدريب من منصة بمركز الملك عبد الله، ” غني عن القول أن الأردنيين يتميزون بتنظيم عسكري عظيم. وقاموا بعمل رائع في هذا أداء هذا التدريب”.

الحرب غير التقليدية
ولكن، كما هو الحال دائماً، فإن الأهمية الأعمق لتدريبات الأسد المتأهب تكمن في تنمية الكفاءة العسكرية، والتنظيم والعمل الجماعي الذي لا يلتقطه مصورو محطات التلفزيون العالمية. فقد ركزت تدريبات 2013، في أحد جوانبها، على الحرب غير النظامية، وهي عملية كثيراً ما تشتمل على عمليات اقتحام خاطفة ضد أعداء غير تقليديين مثل الإرهابيين والمجرمين. ومن الأمثلة الرئيسية على ذلك رجال المغاوير اللبنانيون، واليمنيون، والعراقيون والأردنيون الذين احتشدوا في مهبط للطائرات في قاعدة أردنية بالقرب من الزرقاء، والذين شاركوا ضمن أكثر من 600 من قوات العمليات الخاصة المشاركة في الأسد المتأهب.

ووفق توجيهات مدربين مخضرمين خدموا في العراق وأفغانستان، تتدرب القوة المتعددة الجنسيات على شن غارة على مطار، وهو سيناريو يشتمل على تأمين موطئ قدم مع انطلاق قوات برية من مروحيات بلاك هوك، وطائرات ڤي-22 أوسبري ذات المراوح القابلة لتغيير الاتجاه وطائرة نقل إم سي-130 هيركوليز.
يوجه أحد الضباط التعليمات لرجاله: “قوموا بعزل القوات المعادية. واقضوا على أي أحد يطل برأسه”.

تبدأ الموجة الأولى بالنزول من طائرات بلاك هوك وأوسبري المناورة. ومتى قامت تلك القوات بتأمين منطقة الهبوط، يحين الوقت لهبوط طائرات هيركوليز التي كانت تحلق لأول مرة في شكل دائري فوق المنطقة. وفيما تتوقف طائرة النقل الضخمة، يقوم طاقمها بإنزال منحدر البضائع، وفك الأربطة وإطلاق “الثعالب”. وهي مركبات صحراوية سريعة مجهزة بمدافع رشاشة متحركة من العيار الكبير. تشمل بعض المهام أسر واحتجاز مقاتلي العدو. وفي غضون دقائق، تهرول الثعالب مرة أخرى إلى طائرة النقل عائدة إلى قاعدتها.
وشارك عدد قليل من المدربين الحربيين الأمريكيين في مساعدة القوات في التدرب على أساليب التسلل والانتشال،وأشار أحدهم “للمرة الأولى على الإطلاق يقوم الأردنيون بذلك. لقد تجاوبوا بالفعل مع التدريب”.

التعاون يساوى الفهم
قال العميد منهل القودة، وهو ضابط كبير في سلاح الطيران الأردني، إن فوائد التدريبات العسكرية مثل الأسد المتأهب لا تقتصر على تبادل التكتيكات والمعدات، وهي قيّمة بحد ذاتها. وعلى نفس القدر من الفائدة، هناك فرصة لأعضاء الإئتلافات المتعددة الجنسيات لاستكشاف ثقافات عسكرية غير ثقافتهم، والتغلب على المخاوف التي ربما فرقت بينهم يوماً ما.
وأضاف العميد القودة، نائب قائد قوة العمل المشترك الموحدة في تدريبات الأسد المتأهب، “إن أهم جزء هو تبادل الأفكار. فنحن جميعاً نتحدث الآن نفس اللغة. بل إنك تصل إلى الحد الذي تبدأ عنده معرفة الكيفية التي يفكر بها نظراؤك”.
وتعد هذه هي المرة الأولى منذ ثلاث سنوات على انطلاق تدريبات الأسد المتأهب التي تتولى فيها القوات المسلحة الأردنية قيادة التدريبات. أشاد اللواء بالجيش الأمريكي روبرت كاتالانوتي، مدير التدريبات بالقيادة المركزية الأمريكية وأعلى الضباط الأمريكيين رتبة في هذه التدريبات، بالأردنيين لقيادتهم “البالغة الانضباط” وهم يديرون تعقيدات المناورات المتعددة الجنسيات التي استغرق التخطيط لها سنة كاملة.

قال اللواء كاتالانوتي، “إن مناورات الأسد المتأهب مثال ممتاز على العمل الجماعي الذي يجمع بين القوات العسكرية وشركاء من مختلف الهيئات حول العالم.” وأضاف، “يثير هذا التدريب تحدياً أمام المشاركين للاستجابة لسيناريوهات أمنية واقعية في العصر الحديث من خلال دمج مجموعة متنوعة من التخصصات في الجو، والبر والبحر”.
وأشار اللواء عوني العدوان، رئيس أركان العمليات والتدريب بالقوات المسلحة الأردنية سابقاً، إلى أن الأردن قام بتوفير 95 بالمائة من العاملين في المستويات العليا لتدريبات الأسد المتأهب.

نورثلاند مقابل هايلاند
صُممت سيناريوهات الأسد المتأهب لدعم دولة “هايلاند” الخيالية، التي اخترق حدودها لاجئون فارون من حرب أهلية في دولة “نورثلاند” المجاورة. دفعت تلك الحرب الأهلية قوات الدكتاتور “رشاب الداشا” ضد “جيش نورثلاند الحر”.
وفيما اتهمت نورثلاند هايلاند بدعم القوات المتمردة، تصاعدت حدة القتال بينهما. بدأت أولاً بتوغلات من طائرات نورثلاند التي كان على هايلاند وحلفائها أن يصدوها. وفيما بعد جاءت الهجمات بالصواريخ والأسلحة الكيماوية على مخيمات النازحين.
ومن مركز محاكاة في الزرقاء، استدعى ضباط الأركان، ومعظمهم أردنيون، قوات جوية، وبحرية وبرية للتصدي للتهديدات المتنوعة. وبالنظر إالى أن تدريبات الأسد المتأهب تطلبت مساعدات إنسانية، جند الأردنيون هيئات مدنية أيضاً، مما جعل التنسيق أكثر صعوبة.
قال العميد القودة، “إن مجرد كونك جزءاً من التدريب بالفعل يعني أنك ناجح. وأنا مندهش من روح العمل الجماعي التي رأيناها بين المشاركين”.

استعراض القدرات البحرية
رغم أن الأردن يمتلك أضيق السواحل، المتركزة في ميناء العقبة، فإن هذه المنطقة في أقصى الشمال من البحر الأحمر عملت كمنصة لعرض تكتيكات النخبة بمشاركة قوات خاصة من الأردن، والعراق والولايات المتحدة.
اجتاحت زوارق سريعة ومروحيات عَبّارة يحتلها العدو كانت مبحرة بالقرب من الشاطئ، في نطاق المراقبين المتجمعين. هبطت القوات المحمولة جواً بالحبال على ظهر العبارة بينما سارعت القوات المحمولة بحراً إلى تسلق جانب العبارة بسلالم من الحبال، والتقى الفريقان في النهاية عند جسر العبارة وغرفة المحرك.
بالنسبة للقوات العراقية الخاصة، كانت المحاكاة البحرية من بين الأهداف العليا لتدريبات الأسد المتأهب. فحماية محطات النفط قبالة الساحل العراقي الجنوبي بالقرب من البصرة تتطلب تكتيكات مبتكرة، وقوبلت المهارات التي استعرضها المقاتلون متعددو الجنسيات بتصفيق من المراقبين.
قال العميد الركن إياد عريبي فليح، من الجيش العراقي، “لقد اشتركت قواتنا الخاصة في ثلاثة تدريبات هذه السنة. ونأمل أن تكون مشاركتنا أكبر في العام القادم”.
ووسط أزيز عشرات الكاميرات الإخبارية، وصل تدريب الأسد المتأهب إلى ذروته، وحينها شعر الأردنيون بفخر واعتزاز بالانجازات التي حققها التدريب.
وأخذ ضابط صف أردني يهتف “يعيش جلالة الملك!”.
ورددت مجموعة من الجنود في انسجام “يعيش! يعيش!يعيش!”.

الأسد المتأهب 2014
يأمل القادة العسكريون الأردنيون بأن يكون تدريب الأسد المتأهب 2014 أكبر حجماً. ويتوقع المخططون، الذين بدأوا مسبقاً رسم الخطوط العريضة لتدريبات أيار/ مايو 2014، أن تجتذب التدريبات 20,000 مشارك من أكثر من 25 دولة. وقد بدأت بالفعل دول في مناطق بعيدة مثل شمال أوروبا في حجز أماكن تدريب.
قال العقيد البولندي كريستوف بانازيك، الذي وصل إلى الأردن كمراقب لتدريبات الأسد المتأهب 2013، “إن مهمتنا في أفغانستان على وشك الانتهاء، لذلك فإن تدريبات العام القادم سوف تسمح لنا بمواصلة التدريب في بيئة مختلفة عن التي اعتدنا عليها”.
وفيما تفرق حشد من أكثر من 100 مراقب عسكري نظامي في ختام التدريبات التي أجريت في مركز الملك عبد الله الثاني لتدريب العمليات الخاصة، وجه اللواء العدوان دعوة إلى جميع “الدول الشقيقة والصديقة” للانضمام إلى تدريبات الأسد المتأهب 2014.
قال اللواء بعد لحظات من قيام الجمهور بمعانقة قواته، ولا زالت نفحة من الدخان القتالي معلقة في الهواء، “أنا لا أريد أن ترسل الدول مراقبين فقط، وإنما أريدها أن تشارك أيضاً”.

Comments are closed.