ها هي دوريةٌ مشتركةٌ تجريها «قوة المهام فالكون» تُجري مناورةً وسط غابات شمال دولة «أتروبيا»، بالقرب من الحدود المتنازع عليها مع جارتها العدوانية «دونوفيا»، وها هم الجنود يتابعون الأجواء لرصد أي مسيَّرات، ويراقبون الأرض لاستمكان أي قوات برية معادية. وتشير تقارير الاستخبارات إلى أن متمردين من أصول دونوفية، موالين للدولة المجاورة ويسعون إلى زعزعة استقرار المنطقة المُتنازع عليها، متربصون بين الأشجار.
وإذا بمسيَّرة معادية تظهر فوق الأشجار، وتقع الدورية في كمين نصبه لها المتمردون، فيتعاون جنود قوة المهام بسرعة وفعالية، ويُناورون للقضاء على العدو ومسيَّرته، وأسفر الهجوم عن إصابة ثلاثة جنود من قوة المهام، إلا أن زملاءهم متعددي الجنسيات أسعفوهم واستدعوا مروحية للإجلاء الطبي.
وما أتروبيا ودونوفيا إلا دولتان من وحي الخيال، وهما جزءٌ من تدريب ميداني ضمن فعاليات تمرين «التعاون الإقليمي 25» الذي أُجري في الفترة من 16 إلى 27 حزيران/يونيو 2025. وتفاصيل السيناريو من إعداد القيادة المركزية الأمريكية ومخططي الدول المشاركة، إلا أنها تجسد ما يحدث على مسرح الأحداث العالمية.
وتمرين «التعاون الإقليمي» عبارة عن تمرين عسكري متعدد الجنسيات تُجريه القيادة المركزية الأمريكية منذ عام 2001، بالتنسيق مع برنامج شراكة الولايات التابع للحرس الوطني الأمريكي. وشارك في تمرين «التعاون الإقليمي 25» ما يقرب من 300 عسكري من ثمانية بلدان، هي كازاخستان وقيرغيزستان ومنغوليا وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان (وهي دولة ملتزمة بالحياد الدائم باعتراف الأمم المتحدة) وأوزبكستان والولايات المتحدة.

وأرسلت كلٌ من أرمينيا وجورجيا والمملكة المتحدة مراقبين. واستضاف الحرس الوطني لولاية ماساتشيوستس نسخة هذا العام من التمرين في معسكر إدواردز بقاعدة كيب كود المشتركة. وكان الحرس الوطني لولاية أريزونا قد استضاف النسخة السابقة في قاعدة فينيكس في عام 2024.
ركز تمرين «التعاون الإقليمي 25» على نشر الاستقرار وتوفير الحماية وإجراء العمليات الخاصة، تماشياً مع المهمة التي تأسس تمرين «التعاون الإقليمي» من أجلها، وهي تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين في إطار شراكات تعاونية بين الدول المشاركة.
وفي سيناريو هذا العام، فإن دونوفيا، وهي أكبر وأقوى دولة عسكرية ورثت اتحاد دونوفيا بعد انهياره، طامعة في المناطق الغنية بالموارد الطبيعية في جارتها أتروبيا، التي نالت استقلالها عن اتحاد دونوفيا منذ عقود من الزمان.
وقد طلبت أتروبيا المساعدة الدولية، فتشكلت قوة مهام مشتركة متعددة الجنسيات بموجب تفويض من مجلس الأمن الدولي لنشر الاستقرار في شمالها، ودحر المتمردين المعادين، وحماية المدنيين والبنية التحتية الحيوية، وقمع الجريمة المنظمة، ومنع خطر غزو دونوفيا لها.
وقام المشاركون في تمرين مركز القيادة، وهو الفعالية الكبرى في تمرين «التعاون الإقليمي»، بتخطيط عمليات نشر الاستقرار وتنفيذه بصفتهم ضباط مقر القيادة. وأُلحق الضباط وضباط الصف متعددي الجنسيات بمجالات تخصصهم: العمليات، والشؤون المدنية، والعمليات المعلوماتية، والاستخبارات، والإمداد والتموين، والقوات الخاصة. وأدوا سيناريوهات افتراضية غايتها اختبار قدرتهم على التكيف مع التحديات والتغلب عليها بسلاح التواصل والعمل الجماعي.
أكد العميد عاطف إعجاز، كبير الضباط الباكستانيين في تمرين «التعاون الإقليمي 25»، على الثمار المتبادلة للتمرين للبلدان المشاركة.

وقال: ”كلنا نسعى إلى التعلم من بعضنا البعض؛ لأن الأوضاع العالمية تتغير بين عشية وضحاها، فكل جزء من المنطقة مهمومٌ بتحديات أمنية متعددة الأبعاد، وهذه فرصة رائعة تساعدنا على التلاقي وتبادل الأفكار حول سبل التصدي لهذه التحديات، على الصعيدين العسكري وغير العسكري.“
وأكد الرقيب أول المنغولي منخبات غانتومور، وهو أعلى ضابط صف في التمرين، على فوائد هذا التمرين التي يبقى أثرها طويلاً. وبعثات حفظ السلام وتحقيق الاستقرار ليست جديدة على القوات المنغولية، فقد خدمت في بقاع مثل العراق وأفغانستان، وكذلك في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وقال: ”نشارك في هذا التمرين منذ عام 2010، ونرسل ضباط أركاننا خصيصاً لصقل معارفهم، ولعرض خبراتنا أيضاً.“
وأكد العقيد رستمجون بولاتوف، المشارك رفيع المستوى من أوزبكستان، على أهمية تبادل الخبرات مع شركاء من بلدان أخرى لنجاح التمرين.
فقال: ”التخطيط نفسه هنا، من الناحية النظرية، أقرب لما نقوم به، لكن التطبيق العملي مختلف، وهنا تكمن أهمية الخبرات وتبادلها.“
من دأب تمرين «التعاون الإقليمي» أنه يكتفي بتمرين مركز القيادة النظري، ولهذا أعرب المشاركون عن امتنانهم لإدراج التدريب الميداني والأمن السيبراني.
وسلط العقيد محمد بوبوجونزودا، الضابط الطاجيكي رفيع المستوى، الضوء على أهمية التدريب الطبي والإسعافات الأولية في القتال.
وقال: ”إن هذا النوع من التدريب يساعد على إنقاذ أرواح البشر.“
وصرَّح العقيد بولاتوف بأن الجنود الأوزبكيين الذين شاركوا في التدريب الميداني ”متحمسين للغاية“ “لهذا التدريب” المتميز.“
كما أشاد العميد عاطف بتطور تمرين «التعاون الإقليمي» ليشمل تدريب القوات في ميدان العمليات.

وقال: ”كان ذلك رائعاً، بل وعملياً، فإننا نستفيد الكثير من الولايات المتحدة حين تستضيف التمرين، ومن الممارسات التي تتبعها نظراً لحراكها في شتى بقاع العالم، وطول باعها في تخصصات شتى، وتنوع خبرتها في نشر القوات.“
وعلاوة على التدريب الطبي، أتاح التدريب الميداني للقوات التعرف على المعدات الأمريكية مثل مروحيات «يو إتش- 60 بلاك هوك»، والتدرب في المناطق الحضرية والريفية، والتصدي لخطر المسيَّرات المعادية.
وبدأ تدريب الأمن السيبراني بمحاضرات نظرية على مدار أربعة أيام، ركزت على أساسيات مثل تحليل التهديدات السيبرانية، واستخدام أدوات رصد التهديدات السيبرانية مثل «سكيورتي أنيون» و«إلاستيك كيبانا». وبعد أن اكتسب المشاركون هذه المعارف، انتقلوا إلى تدريب عملي على مدار خمسة أيام، كُلفوا فيه بحماية أنظمة الكمبيوتر من الهجمات السيبرانية.
ولما دنت شمس تمرين «التعاون الإقليمي 25» الى المغيب، قال المشاركون إن فعاليات هذا العام حققت نجاحاً باهراً.
فأما الرقيب أول منخبات، وهو من قدامى المحاربين في القوات الخاصة، وشارك في مهام قتالية في العراق وأفغانستان وبعثات حفظ السلام الأممية في إفريقيا، فقد أشاد بسيناريوهات التمرين الواقعية التي جرت في الوقت المناسب. ووصف التمرين بأنه”من أكثر التمارين فعالية“ في تشجيع التعاون بين المشاركين القادمين من عدة دول.

وأما العقيد لويس رودريغيز، قائد التمرين وهو من رجال الحرس الوطني لولاية ماساتشيوستس، فقد أعرب عن إعجابه بزميله المنغولي الرقيب أول منخبات. وقال: ”إنه رجلٌ عظيمٌ ومثيرٌ للإعجاب، وددتُ لو كان رقيباً أول تحت إمرتي.“
وأما العقيد الأوزبكي بولاتوف، فقد شكر القيادة المركزية الأمريكية والحرس الوطني لولاية ماساتشيوستس على تنظيم واستضافة تمرين «التعاون الإقليمي 25»، وكان من أشد المؤيدين لتوسع التمرين، ودعا إلى الاستكثار من ذلك في النسخ القادمة.
وقال إن أوزبكستان ظلت عدة سنوات مكتفية بدور المراقب في تمرين «التعاون الإقليمي»، لكنها ”أمست مشاركاً وشريكاً متكاملاً، ولعل هذا يشمل استضافة هذا التمرين في أوزبكستان مستقبلاً.“
وجدير بالذكر أن برنامج شراكة الولايات التابع للحرس الوطني الأمريكي يعمل على ربط وحدات الحرس الوطني للولايات الأمريكية مع قوات من البلدان الشريكة. ويُجري الحرس الوطني والبلدان الشريكة تبادلات عسكرية، وتدريبات مشتركة، وأشكالاً أخرى من التعاون الأمني، مع التركيز على التنسيق المدني العسكري. وقد توسع البرنامج منذ انطلاقه في عام 1991 ليشمل 115 دولة.
وشملت الشراكات التي حضرت في تمرين «التعاون الإقليمي 25» توأمة كازاخستان مع الحرس الوطني لولاية أريزونا، وقرغيزستان وتركمانستان مع الحرس الوطني لولاية مونتانا، ومنغوليا مع الحرس الوطني لولاية ألاسكا، وطاجيكستان مع الحرس الوطني لولاية ماساتشيوستس، وأوزبكستان مع الحرس الوطني لولاية ميسيسيبي.