طوال ربع القرن الماضي، وتحت قيادة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، لم تفتر همة مملكة البحرين عن العمل البنَّاء في أرجاء منطقتنا وخارجها لفرض الأمن وتعزيز الاستقرار ونشر الرخاء والازدهار.
ولم يمر يوم منذ ذلك الحين إلا والبحرين تتدرج في مراتب النجاح، بقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء، إذ كان خير مُعين على تنامي أهميتها في حل القضايا الإقليمية المعاصرة.
وفي صميم جهودها الدبلوماسية التزامٌ راسخٌ بمبادئ الحوار والتعايش والاحترام المتبادل، ومد يد الصداقة والتعاون للأصدقاء والشركاء الذين يفكرون مثلما نفكر، بغية تحقيق نتائج مستدامة ومتبادلة المنفعة للقضايا التي تؤثر على الشرق الأوسط.
وثمة ثلاث قضايا ملحةٌ شديدة الإلحاح؛ أولها الصراع في غزة، إذ دعت البحرين إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وإيصال المساعدات الإنسانية ومساعدات إعادة الإعمار دون عوائق.
وثانيها الصراع في لبنان، إذ أهبنا بجميع الأطراف للالتزام بوقف إطلاق النار والامتثال لالتزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 والقانون الدولي.
وثالثها سوريا، إذ ننادي، بصفتنا رئيس جامعة الدول العربية في دورتها الحالية، بتطبيق جميع مبادرات الجامعة الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي يحفظ سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ويصون حقوق شعبها ومصالحه، ويساعدها على القيام بدور بنَّاء وكامل في المنطقة.
وهذا النهج البنَّاء يجسد دبلوماسية البحرين وسياستها الخارجية، وسأضرب لكم مثالاً واحداً على ذلك، فقد تشرَّفنا باستضافة قمة جامعة الدول العربية في أيَّار/مايو 2024، وهو حدث لم يكن مجرد تجمع للقادة والزعماء، بل كان شهادةً على أننا كلنا عازمون على الارتقاء بحياة شعوبنا؛ ولذا نواصل الليل بالنهار حتى تُسفر القمة عن نتائج عملية، لا عن تصريحات وبيانات فحسب.
وكان من ثمار ذلك أن نصَّ إعلان البحرين الصادر عن القادة والزعماء العرب على خمس مبادرات رئيسية اقترحتها المملكة واعتمدتها القمة، منها اتخاذ خطوات لتوفير الرعاية الصحية والتعليم للمتضررين من الصراع، وتعميق التعاون العربي في مجال الابتكار، وأهمها العمل على عقد مؤتمر دولي موسَّع في الخارج لمناقشة وحل الصراع في غزة من جذوره.
ولا زلنا ملتزمين بهذا المقترح، ونؤمن بأنه يُمثل السبيل الأمثل لإحلال السلام في منطقتنا، وإعادة الأمل لملايين المتضررين.
وللشراكات الثنائية والمتعددة الأطراف دورٌ محوريٌ في استراتيجيتنا، نظراً للأهمية الشديدة للنظام الدولي القائم على القواعد لتحقيق الازدهار طويل الأمد، فما كان من البحرين والولايات المتحدة إلا أن أبرمتا في عام 2023 «اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل» التاريخية، وغايتها إرساء دعائم الأمن والازدهار في أرجاء العالم على أساس الاحترام المتبادل الحقيقي بين الأطراف المشاركة.
وهي ليست اتفاقية ثنائية، بل تمهيدٌ لإطار عمل متعدد الأطراف يهدف إلى جمع الدول التي تجمعها مصالح مشتركة في تحقيق الاستقرار والازدهار، وبناءً عليه سوف تتلقى المملكة المتحدة دعوة رسمية من مملكة البحرين والولايات المتحدة لتصبح العضو الثالث فيها.
لقد فعلنا ما فعلنا إيماناً منا بكلمات صاحب السمو الملكي ولي العهد ورئيس الوزراء في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2024 إذ قال: ”لا تزال التحديات العالمية قائمة، بل واشتد خطرها، ونجد أنفسنا في مرحلة أشد خطراً وتقلباً بسبب التحولات الجذرية الكبرى في النظام الجيوسياسي العالمي، والأنظمة التي وُضعت لحفظ النظام الدولي تتعرَّض لضغوط شديدة.“
وللتغلب على هذه الصعاب وخوض غمارها، فعلينا أن نحافظ على أنظمتنا وقيمنا الدولية، وأن نعمل بنهج عملي وواقعي، ويجب العمل بحسن نية لأن يكون العمل المتعدد الأطراف في صميم هذا النهج، بحيث نُحسِن التعاون مع شركاءٍ لديهم تطلعات ومصالح مشتركة لإنهاء الصراعات، وتخفيف التوترات، وحل أبرز القضايا الإقليمية والدولية.
ولا تهتم الدول العربية بالتعاون الإقليمي فحسب، بل وتحرص على وضع الشرق الأوسط في سياق عالمي أوسع؛ وهذا إنما يدل على تنامي الإجماع بين زعمائنا على أن الاستقرار والازدهار المستدامين يعتمدان على التدابير الأمنية الفورية، وعلى التنمية والاحترام المتبادل والتكاتف.
الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني
وزير خارجية مملكة البحرين