Getting your Trinity Audio player ready...
|
أسرة يونيباث
نشب نزاع دبلوماسي على امتلاك حقول غاز بحرية، وما لبث أن تحول إلى هجمات جوية وبرية وبحرية استهدفت دولة بريئة.
إلا أن هذه الدولة لم تكن بمفردها أمام ذلك السرب من المسيَّرات، وذلك الوابل من الصواريخ، وتلك التوغلات المسلحة عبر الحدود.
بل وقفت قطر صامدة أمام هذه الهجمات وصدتها بفضل العمل الجماعي الذي استعان بالقوة العسكرية لشركائها الإقليميين الذين هبوا لنصرتها بقوات متعددة الجنسيات.
استضافت قطر تمرين «حسم العقبان 25» العسكري في كانون الثاني/يناير 2025 لتعزيز الدفاع الجماعي في دول مجلس التعاون الخليجي، ما برهن على قدرة الجيوش الإقليمية على توحيد صفوفها لتفادي الأزمات قبل وقوعها.
وجرت فعاليات التمرين في القواعد القطرية بالدوحة وجوارها، وشارك فيه كلٌ من الولايات المتحدة وشركائها في دول مجلس التعاون الخليجي: البحرين والكويت وسلطنة عُمان والسعودية والإمارات. وهو يستهدف التدرب على العمل في مراكز القيادة، وحضره ما يزيد على 300 جندي من جميع أفرع القوات المسلحة.
وصرَّح العميد الركن بالقوات القطرية المسلحة سالم بن حمد النابت، مدير تمرين «حسم العقبان 25»، قائلاً: ”يمثل هذا التمرين التعاون بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، ذلك التعاون القائم على علاقات تاريخية راسخة، وبين دول مجلس التعاون وصديقتنا وشريكتنا الولايات المتحدة.“

المتحدة يلتقطون صورة جماعية في تمرين «حسم العقبان». رقيب ميبيا ديميلاش/الجيش الأمريكي بالمنطقة المركزية
وأضاف قائلاً: ”تجري الفعاليات تحت يافطة واحدة لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.“
يُقام تمرين «حسم العقبان» كل عامين، وقد أكثر من الاهتمام بقضية الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، إذ يساعد البلدان على أن يردوا على التهديدات الجوية رداً جماعياً، فإذا أخذ نظام الرادار في أحدها يتعقب هجوماً وشيكاً، فإنه يحذر الشركاء لتفعيل دفاعاتهم الجوية.
كما عرَّف التدريب القوات على مواجهة المسيَّرات، والتصدي للتهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية.
وعملت في التمرين قوات متعددة الجنسيات، تتميز ببدلاتها وشاراتها العسكرية المتنوعة، لمتابعة الشاشات وتشغيل الحواسب في غرفة عمليات جوية. وطغى على الدردشة صوت ، مناديا: ”إطلاق صاروخ!“
وكان ذلك في إطار سيناريو تدريب تخيلي، فعمَّ الغرفة الصمت، وصرف الجنود القادمون من عدة بلدان انتباههم من جديد إلى الومضات الإلكترونية المقتربة على شاشات الرادار، وما لبث الخبر أن انتشر على قنوات الاتصال لتنبيه قوات الدفاع، مثل بطاريات صواريخ «باتريوت».
قال العميد ريتشارد ديكنز، وهو من رجال القوات الجوية الأمريكية ونائب قائد قوة المهام المشتركة، وهو يتابع التدريب: ”ما أروع أن نرى كيف اجتمعت كل هذه الامكانيات؛ فالكل يعملون كتفاً بكتف.“
تَوزَّع المشاركون في تمرين «حسم العقبان 25» على أربعة مواقع متباعدة، لمحاكاة الواقع، شملت مراكز قيادة منفصلة للجيش والبحرية والقوات الجوية.
وأكد آمر وحدة القوات المسلحة الكويتية على أهمية المشاركة في تمارين ترتقي بمستوى التعاون المشترك.
فقال: ”استخدمنا تقنيات وسيناريوهات حديثة تحاكي التهديدات الراهنة في المنطقة، لا سيما خطر المسيَّرات والصواريخ الباليستية وطرق مكافحتها، ولا يخفى على أحد أن مواجهة مثل هذه التهديدات تتطلب تعاوناً إقليمياً ودولياً، ولهذا نعتبر تمرين «حسم العقبان» من أهم التمارين التي تستعين بها دول المنطقة لترسيخ المفاهيم العسكرية، وتعلُّم العمل في إطار منظومة دفاع جوي وصاروخي موحدة.“

وفي مركز تدريب الأمن السيبراني، تعلَّم الدارسون طرق اكتشاف محاولات العدو للتسلل إلى أنظمة القيادة والسيطرة الحاسوبية وصدها، وكُلفوا بأن يحيطوا وحداتهم علماً بما تعلموه عند عودتهم إلى أوطانهم، مدركين أن المجال السيبراني دائم التغير.
وقال ضابط سعودي في المركز: ”إذا قال أي جندي: تعلمت كل شيء عن الأمن السيبراني، فلا تُصدِّقوه، فالعلم لا ينتهي أبداً.“
كانت الولايات المتحدة تقدم معظم السيناريوهات والمعدات اللازمة للتدريب في النسخ السابقة من تمرين «حسم العقبان» التي أُجريت في دول المنطقة، أما في عام 2025، فقد وضع القطريون أهداف التدريب لجميع الأفرع العسكرية، ووضعوا السيناريوهات اللازمة لتحقيقها، وراعوا فيها طبيعة التضاريس والواقع الجيوسياسي في الشرق الأوسط.
ونوَّه أحد الضباط الأمريكيين قائلاً: ”كان القطريون يديرون كل شيء.“
وشدَّد العميد النابت على ضرورة الاستعداد النظري الكافي قبل انخراط القوات في تمارين معقدة لمراكز القيادة مثل تمرين «حسم العقبان».
وهكذا استضافت قطر تدريباً نظرياً بقاعات الدرس على مدار عدة أيام قبل انطلاق فعاليات التدريب العملية، وتناولت المحاضرات موضوعات مثل الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، والعمليات المعلوماتية، وعملية التخطيط للعمليات المشتركة.
وقال عن المتدربين متعددي الجنسيات: ”لولا التدريب والمحاضرات النظرية، لما أدركوا ما يسعون إلى تحقيقه.“
”وأنا لست ممن يؤمنون بنظرية فصل التدريب النظري عن التدريب العملي أو المواقف الواقعية، فالتدريب النظري ركنٌ مهمٌ وأساسيٌ من التمرين نفسه، فإذا لم نقدر على توحيد التخطيط والنظرية قبل انطلاق التمرين، فلن نقدر على العمل معاً في التمرين الفعلي.“
راقب المخططون العسكريون التدريب أثناء تنفيذه لصقل السيناريوهات وإتقانها في النسخ المستقبلية من تمرين «حسم العقبان»، ومثال ذلك أن القوات الصديقة في تمرين «حسم العقبان 25» كان لديها 120 طائرة تحت تصرفها في السيناريوهات التخيلية، فاقترح أحد كبار الضباط ممن زاروا مركز العمليات الجوية أن تُوقَف بعض الطائرات لصيانتها، ذلك لكثرة حدوث أعطال المعدات أثناء العمليات العسكرية الفعلية.

ويرى أن إخراج بعض الطائرات من الخدمة سيزيد من واقعية السيناريوهات، فيشعر المتدربون ”بمزيد من العناء“ ويبحثون عن سبل للتغلب على أي نقص في الطائرات.
تولى ضباط مجلس التعاون الخليجي قيادة معظم خلايا تمرين «حسم العقبان»، وكانت تنقسم إلى وحدات للاستخبارات والعمليات والتخطيط ووظائف أخرى، وكان ضباط أمريكيون يعملون أحياناً نواباً لهم.
أعربت قوة دفاع البحرين عن حرصها على المشاركة في التمارين العسكرية المشتركة لاكتساب الخبرة في العمل مع قوات مشتركة متعددة الأطراف، إذ يسهم تمرين «حسم العقبان» في تقريب الاختلافات الوطنية في الثقافة العسكرية، حتى تغدو القوات أشد قوةً وبأساً، وأن تكون مُلمة بالمفاهيم والتكتيكات الموحدة.
وقال العقيد الذي قاد الوفد البحريني: ”تستضيف دولة قطر حدثاً مهماً لدول المنطقة، إذ تواجه تلك الدول تهديدات مشتركة يصعب على كلٍ منها مواجهتها بمفردها، فعلينا العمل على توحيد الجهود من أجل تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والسلام الدولي.“
يجمع تمرين «حسم العقبان» القوات الإقليمية منذ عام 1999، ويقف شاهداً على التزام الولايات المتحدة الراسخ بتشجيع التعاون بين القوات الصديقة في الشرق الأوسط.
وقال الفريق أول مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية: ”تقدم لنا التمارين العسكرية مثل تمرين «حسم العقبان» الفرصة لتعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وقطر، والنهوض بالقدرات الدفاعية الجماعية لشركائنا في مجلس التعاون الخليجي، فنشارك في نشر الأمن والاستقرار في المنطقة.“