Getting your Trinity Audio player ready...
|
يحتل الأردن موقعاً مركزيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث تتعدد وتتنوع التهديدات التقليدية وغير التقليدية، ما يهدد استقراره بشكل مستمر ويدفع منظومة التخطيط فيه للعمل في ضوء مستقبل مجهول تسوده حالة
من عدم القدرة على التوقع والضبابية.
ولهذا السبب، فإن القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي بحاجة دائمة لتعزيز قدراتها على مواجهة التهديدات المستجدة بشتى الطرق، ومنها المشاركة في التمارين والمناورات العسكرية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
وتعتبر التدريبات العسكرية جزءاً أساسياً من الحفاظ على جاهزية القوات المسلحة وضمان قدرتنا على الاستجابة السريعة والفعّالة للتهديدات المحتملة.
استضافت المملكة الأردنية الهاشمية تمرين الأسد المتأهب في أيار/ مايو 2024 بمشاركة 33 دولة، إذ يعتبر هذا التمرين من أهم التمارين العسكرية المشتركة التي تنفذها دول متحالفة ضد التهديدات المعاصرة المستجدة والعابرة للحدود، إذ يمكّن هذا التمرين جيوش الدول المشاركة من العمل معاً تحت قيادة مشتركة لإيجاد أفضل الطرق والوسائل لمواجهة التهديدات بكافة اتجاهاتها البرية والجوية والبحرية، ورفع قدرة الاستجابة للمؤسسات الأخرى مثل الأجهزة الاستخبارية والإعلامية والمعلوماتية.
وصُمم تمرين الأسد المتأهب 2024 لتحقيق العديد من الأهداف على المستويات الاستراتيجية والعملياتية والتعبوية، فعلى المستوى الاستراتيجي استهدف التمرين إيجاد فهم مشترك حول طبيعة التهديدات المستجدة والعابرة للحدود، كالتنظيمات الإرهابية والجماعات والكيانات والجهات الداعمة لها، وكذلك انتشار الطائرات المسيرة وتهديد انتشار أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيماوية والنووية، وانتشار وسائل إيصالها المتمثلة بالصواريخ ذات المديات المختلفة.
عملياتياً، عمل التمرين على الموائمة بين قوات الدول المشاركة من ناحية منهجية التخطيط والاستهداف وإدارة العمليات الحربية (برا وبحرا وجوا) وعمليات الإسناد اللوجستي والاستجابة للكوارث الطبيعية والجوائح.
أما تعبوياً، فقد استهدف التمرين تأهيل العنصر البشري على المستويين الفردي والجماعي، وشحذ مهارات الاستجابة للحوادث الناجمة عن أسلحة الدمار الشامل والكوارث الإنسانية والتعامل مع المتفجرات.
تمثل الطائرات بدون طيار وغيرها من الأنظمة المسيرة في الجو والبحر تحدياً مستجداً للمنظومات الدفاعية، فعلى الرغم من أنها أدوات مفيدة لتعزيز الأمن الوطني والإقليمي، ولكن في كثير من الأحيان تُستغل بعض هذه الأنظمة غير المكلفة نسبياً من قبل المتربصين بأمن المنطقة، ويوظفونها لزعزعة استقرارها.
كما أن تهديد التنظيمات المسلحة والجماعات الإرهابية مازال ماثلاً في منطقة الشرق الأوسط، ويتطلب منا استمرار اليقظة ومواجهة أنشطتهم وعناصرهم العابرة للحدود بطرق مختلفة ومتنوعة. لذلك، شكّل الأردن قوات الاستجابة السريعة المزودة بأحدث التكنولوجيا من أجل التصدي لأي محاولات من هذا القبيل، كما أنها تقوم بتنفيذ حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتوعية المواطنين بالآثار المترتبة على التطرف والإرهاب.
يُعد التدريب على صد الهجمات بأسلحة الدمار الشامل من أبرز التدريبات العسكرية الإقليمية، وهذا ما كان حاضراً بشكل أساسي في تمرين الأسد المتأهب، كما شاركت القوات المسلحة الأردنية ووزارات ومؤسسات الدولة المختلفة في المنتديات العالمية، لتبادل أفضل الممارسات ضد محاولات استخدام العوامل الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية.
ولقد كشفت جائحة كورونا (كوفيد- 19) عن مدى ضعف العالم أمام الانتشار غير المتوقع للأمراض المعدية، وقد أصبحنا أكثر استعداداً للتعامل مع مسببات الأمراض البيولوجية بفضل إنشاء المركز الأردني لمكافحة الأمراض والذي كان له مشاركة فاعلة في تمرين الأسد المتأهب 2024.
وتتطلب الثورة الرقمية التي جعلت المؤسسات والأفراد معتمدين بشكل أساسي على الحواسب وشبكاتها، تحصين الفضاء السيبراني والتركيز على امتلاك أفضل الوسائل والتقنيات، لمواجهة الهجمات السيبرانية التي تزداد تعقيداً مع التقدم التكنولوجي. إذ تم خلال تمرين الأسد المتأهب 2024 إنشاء وحدة الاستجابة السيبرانية للحماية من التهديدات السيبرانية المحتملة، والتعرض للسيناريوهات التي يحاول فيها العدو اختراق مجالنا السيبراني وكذلك التدريب على مواجهة حرب المعلومات المعادية ذات الأثر البالغ في التأثير على القرار الوطني والمزاج العام للمواطنين.
إن التهديدات المستجدة تتطلب من الجميع إقامة شراكات قوية بين الدول الحليفة والصديقة والمحافظة عليها، ويبقى التدريب أحد ركائز هذه الشراكات ولكنه ليس الطريقة الوحيدة لبناء التعاون في المجال الأمني، إذ يتحتم علينا تبادل المعلومات الاستخبارية لكشف التهديدات الوشيكة، وربط مظلة الدفاع الجوي بالأنظمة الصاروخية على المستوى الوطني وتوسيع نطاق هذا الربط مع كافة الشركاء في المنطقة بما يسهم في تحقيق استجابة فاعلة وسريعة ضد الأنظمة الصاروخية المعادية.
نحن في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، نسعى دائماً إلى تطوير عقيدتنا القتالية وتعزيز الشراكات والتحالفات الدولية لمواجهة التهديدات المستجدة، ولتحقيق الأمن القومي والجماعي، فأمن المملكة الأردنية الهاشمية جزء من أمن الإقليم والأمن العالمي، وهذا ما يدفعنا للاستمرار في استضافة تمرين الأسد المتأهب.
إن هذا الإصدار من مجلة يونيباث العسكرية، والذي يغطي موضوع التهديدات المستجدة بقدرٍ كبيرٍ من التفصيل، يمنحكم الفرصة للتفكير في مكنونات التهديدات الكبرى وأنجع السُبل لمواجهتها، وبما يسهم في تعزيز الأمن على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
العميد الركن مصطفى عبد الحليم الحياري
مدير الإعلام العسكري/ القوات المسلحة الأردنية