انطلقت قوات العمليات الخاصة متعددة الجنسيات من طائرة هبطت على مهبط في قلب الصحراء في ميدان تدريب في منطقة نائية بوسط الأردن، وعادةً ما تكون هذه القوات الماهرة والمتنقلة خفيفة التسليح، لكنها كانت مدججة أكثر بالسلاح هذه المرة.
خرجت منظومة الصواريخ المدفعية عالية الحركة (هيمارس) أمريكية الصنع من بطون طائرات «سي- 130»، فأعطت دَفعة قوية لقوات الرد السريع التي سبقتها، ومن المعتاد أن تصل منصات هيمارس إلى مواقع الإطلاق على مركبات مناسبة لجميع التضاريس، لكن قاذفات الصواريخ دخلت ساحة المعركة سريعاً عن طريق الجو في تمرين «الأسد المتأهب 24»، وهو تمرين عسكري أُقيم في أيَّار/مايو 2024 وشاركت فيه قوات من 33 دولة.
وكانت هذه هي المرة الـ 11 التي يستضيف فيها الأردن تمرين «الأسد المتأهب»، وحضره 3,800 جندي تجمعهم أهداف مشتركة. ويجب أن يكون هؤلاء الجنود أخف حركةً، وأكثر تكاملاً، وأكثر ابتكاراً، وأبرع تقنياً، وأكثر وعياً بالتهديدات المعاصرة للاستقرار والأمن.
إضافة الى قوات من الأردن والولايات المتحدة، شاركت في التمرين قوات من عدد من بلدان المنطقة، على مدار أسبوعين كاملين: وهي البحرين ومصر والعراق وكازاخستان والكويت ولبنان وسلطنة عُمان وباكستان والسعودية والإمارات واليمن.
قال العميد حسن الخالدي، مدير التدريب العسكري في القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي في حينها: ”تمرين «الأسد المتأهب» من أهم التمارين العسكرية المشتركة في المنطقة لتدريب القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي والقوات الحليفة المشاركة، للارتقاء بمستوى تبادل الخبرات العسكرية وتحقيق التماسك في العمليات المشتركة وتلبية المتطلبات العملياتية.“

وأضاف قائلاً: ”إن التغيرات المتسارعة في البيئات الدولية والإقليمية والمحلية تقتضي من القادة الإلمام بمسرح العمليات والتأهب للتهديدات المحتملة والإحاطة بمتطلبات الحرب الحديثة ومحاكاة أحدث التطورات في فنون التخطيط والتدريب والقتال.“
عكست فعاليات تمرين «الأسد المتأهب 24» تطورات ساحة المعركة الحديثة، إذ يتعين على الجنود أن يتعاملوا مع التقنيات التخريبية غير المكلِّفة وسهلة الاستخدام والمتاحة في كل مكان والتي لا يمكن توقعها في بعض الأحيان، وجرت سيناريوهات التدريب في المجالات البرية والبحرية والجوية والسيبرانية.
وكان التصدي للطائرات المسيَّرة من أبرز محاور المناورات في منطقة التدريب الخامسة بوسط الأردن، فتدربت القوات الأردنية والأمريكية على أجهزة التشويش المحمولة المصممة للتشويش على حركة المسيَّرات قبل أن تتمكن من إسقاط أحمالها الفتاكة.
واشتمل التدريب البحري في ميناء العقبة على زوارق وغواصات مسيَّرة، وهي من التجهيزات التي غيرت كيفية عمل القوات البحرية وخفر السواحل لحماية السفن والمنشآت الساحلية، إذ تعمل هذه المسيَّرات على توسيع نطاق الاستشعار والتصوير الفوتوغرافي الذي تصل إليه القوات البحرية، وتنقل ملايين البتات (bits) من المعلومات كل يوم، فتفرزها أنظمة الذكاء الاصطناعي حسب أهميتها.
وكانت التقنيات التعطيلية من المواضيع التي نُوقِشت في ندوة كبار القادة في تمرين «الأسد المتأهب»، وقد أطلع المحاضرون من رجال الجيش الأردني زملاءهم من مختلف الجنسيات على الطرق التي يتبعها الأعداء في استخدام الطائرات المسيَّرة في شن الهجمات الإرهابية وفي تهريب المخدرات على الحدود الأردنية السورية.

فما كان من الأردن إلا أن درَّب مئات من جنود القوات المسلحة على تسيير طائرات مسيَّرة للقيام بمهام المراقبة والهجوم، وأُلحق هؤلاء الطيارون بوحدات الجبهات والعمليات الخاصة، ونجحوا في إنجاز مهام تصدوا فيها لتهديدات واقعية.
وطلب كبار الضباط من المنطقة تحسين الأمن السيبراني لحماية منظومات الأسلحة التي توجهها أجهزة الكمبيوتر، ولئن استعانت الدولة بمنظومات الأسلحة المسيَّرة، فلا غنى عن العنصر البشري للتأكد من أنها تقوم بما يُراد لها أن تقوم به.
وأشاد اللواء ياسر عزيز، رئيس الوفد العراقي، بتمرين «الأسد المتأهب» لتركيزه على بناء نظام دفاع جوي متكامل للتصدي للصواريخ والمسيَّرات، وحضر التمرين خمسة من كبار الضباط بوزارة الدفاع العراقية، وكانوا ممن عملوا في مقر قيادة التمرين متعدد الجنسيات، كما قدم جهاز مكافحة الإرهاب العراقي فصيلة كاملة لتدريبات مكافحة الإرهاب.
وقال اللواء عزيز: ”كلنا نتذكر بكل عزة وفخر الدور المشرف الذي قامت به القوات العراقية في تحرير الأراضي العراقية من وحشية الإرهاب،“ مضيفا أن ”المشاركة كانت نافعة لكل من شارك من القوات الصديقة والحليفة.“
اشتمل تمرين «الأسد المتأهب 24» على سيناريوهات تقليدية وغير تقليدية كان لزاماً على قوة مهام مشتركة متعددة الجنسيات التعامل معها، وتطرق إلى مواجهة التقنيات الجديدة التي يستخدمها الأعداء، كما أجرى تدريبات ميدانية بالذخيرة الحية، شاركت فيها دبابات ومروحيات هجومية ومدفعية، وشارك رجال من القوات البحرية ومشاة البحرية للتدرب على اقتحام الموانئ والاستيلاء على سفن العدو في العقبة.

كما استضاف التمرين فعاليتين لمكافحة أسلحة الدمار الشامل، الأولى في مركز التدريب المشترك في الزرقاء والثانية في العقبة، فركزتا على إمكانية التلوث بالعوامل الكيميائية والبيولوجية، وقدم التدريب استعراضاً لاستجابةٍ منسقةٍ بين الأجهزة العسكرية والمدنية.
وأجرت فرق متناوبة من قوات العمليات الخاصة من بقاع شتى في المنطقة مناورات على مكافحة الإرهاب في مركز الملك عبد الله الثاني لتدريب العمليات الخاصة، وكان المركز بمثابة مقر قيادة قوات العمليات الخاصة المشاركة في تمرين «الأسد المتأهب»، فتدربت القوات الأردنية والسعودية والإماراتية واللبنانية والعراقية والأمريكية على الرماية، وداهمت قرىً وهمية وكافحت عمليات تهريب وأنقذت رهائن.
وقال المقدم الأردني مراد الطراونة، وهو الذي أشرف على التدريب الميداني للقوات متعددة الجنسيات في المركز أثناء تمرين «الأسد المتأهب»: ”نولي اهتماماً كبيراً بكتابة السيناريوهات وتسلسل الفعاليات لكي يستفيد كل مشارك، ونراعي احتياجات كلٍ منهم وحدوده، ونحرص على أن يعودوا إلى أوطانهم إلا وقد اكتسبوا خبرات أو أدوات إضافية.“
وأضاف قائلاً: ”يسعدني دوماً أن أرى مستوى الاحترافية والكفاءة اللتين يتحلى بهما المشاركون؛ فكل الحاضرين حريصون على التدريب وتبادل المهارات والمعرفة.“
ولخص العميد جيسون بنسون، مدير تمرين «الأسد المتأهب» لعام 2024 من القيادة المركزية الأمريكية، فوائد تمرين «الأسد المتأهب» أثناء الكلمة التي ألقاها في اليوم الأول في مركز الملك عبد الله الثاني.
فقال: ”يثبت تمرين «الأسد المتأهب» قيمة التعاون لتكون لدينا قوة جاهزة ومستجيبة تؤكد بحق أننا متأهبون للتحرك معاً في أوقات الأزمات.“
وتابع قائلاً: ”المشاركة في تمرين «الأسد المتأهب» أكدت على التزامنا المشترك برفع مستوى التوافق العملياتي مع شركائنا، وأن قواتنا الحليفة يمكنها أن تحافظ على وجود كاف ومستدام في المنطقة، وتنقل رسالة واضحة مفادها أن العلاقات مهمة للجميع.“
الحرب على المخدرات على الحدود الأردنية السورية
مديرية الاستخبارات العسكرية في القوات المسلحة الأردنية/الجيش العربي
تعاني حدود الأردن الشمالية من كثرة التهريب والهجرة غير الشرعية منذ بداية الحرب الأهلية السورية، وتمر بأزمة متفاقمة تستدعي اهتماماً دولياً.
والسبب فيها تصنيع مخدر الكبتاغون بتواطؤ من النظامين الإيراني والسوري على مقربةٍ من الحدود الأردنية، ثم تُهرب هذه الحبوب إلى بقاع شتى في العالم.
والحدود الطويلة بين الأردن وسوريا ليست المنطقة الوحيدة المبتلاة بهذه التجارة غير المشروعة، فالمنطقة كلها تقاسي من تداعيات هذا التهديد الأمني المتنامي:
يسبب الكبتاغون المُصنَّع في سوريا الإدمان ومشاكل صحية أخرى لآلاف المواطنين في ربوع المنطقة، فيثقل كاهل المؤسسات الطبية في بلدان مختلفة.
تساهم مبيعات الكبتاغون في تمويل أنشطة هدامة، مثل التطرف العنيف، تمارسها الأنظمة والميليشيات في المنطقة.
يؤدي تهريب المخدر إلى إفساد عناصر الحكومة والمجتمع (ومنهم عناصر في الأجهزة الأمنية)، فيصبحون متواطئين في تجارة المخدرات لجني المال.
عمليات التهريب تهدد الأمن الوطني إذ تبحث العناصر الإجرامية عن ثغرات على طول الحدود الدولية، ويشمل ذلك المخدرات التي تُهرب من الموانئ البحرية في أماكن مثل الخليج العربي.
يبتعد المهربون عن الأماكن التي تكثر فيها المراكز الحدودية (وذلك في المنطقة الشمالية الغربية من الأردن) إذ يخشون أن يقعوا في قبضة رجال الأمن، بل يبحثون في أحيانٍ كثيرة عن ثغرة يستغلونها على طول حدودنا الصحراوية النائية الممتدة شرقاً إلى العراق.
وتستغل تلك العناصر الإجرامية الحدود، فيقع ما يقرب من نصف مصانع الكبتاغون السورية على بُعد 30 كيلومتراً من الأردن، فتقل عليهم تكاليف النقل، وتكثف شبكات التهريب عملها على طول نفس المنطقة من الحدود، فتستعين بطائرات مسيَّرة في عملياتها وتستفز القوات الأردنية أحياناً للاشتباك معها بإطلاق النار.
ويسخِّر الأردن التكنولوجيا الحديثة، بمساعدة شركاء أمنيين أجانب في أحيانٍ كثيرة، للذود عن حدوده، فيستعين بنظام لمراقبة الحدود، مصمم لاكتشاف المهربين وسائر العناصر الإجرامية وتحديد هويتهم وتعقبهم واعتراضهم، ويعمل ذلك النظام على شطر كبير من حدوده مع سوريا والعراق بطول 440 كيلومتراً.
وبات استخدام الطائرات المسيَّرة وأجهزة الرؤية الليلية للقيام بمهام المراقبة من الأعمال الاعتيادية التي تقوم بها قوات حرس الحدود الأردنية، وشكَّل الجيش الأردني قوات للرد السريع لتوفير قوات خفيفة الحركة وعالية التدريب لتعزيز المناطق الأكثر عرضةً للخطر من الحدود عند الضرورة.
ولا يكتفي الأردن بالجهود العسكرية والأمنية فحسب، بل هناك حملات عامة تعمل على توعية الجمهور بمخاطر الإدمان، ولم تنقطع حبال العمل الدبلوماسي مع النظام السوري السابق مع أن المخدرات كانت لا تزال تخرج من المصانع السورية التي تنتج ما يُقدَّر بنحو 80% من الكبتاغون في العالم.
وكما هي الحال في مكافحة الإرهاب، فإن التصدي للاتجار غير المشروع عملٌ شاق لا تقوى عليه دولة بمفردها، وتتزايد عمليات الاتجار على طول الحدود الأردنية، وتقتضي استمرار التعاون الإقليمي والدولي لردعها.