قافلة عسكرية تعبر صحاري الجزيرة العربية

الأمريكيون والسعوديون والإماراتيون ينقلون القوات والمعدات لمسافة 1,900 كيلومتر في تمرين «الغضب العارم 24»

قافلة تمرين «الغضب العارم 24» تشرع في مهمتها وسط المرتفعات خارج ينبع بالمملكة العربية السعودية. عريفة ماري كولمان/مشاة البحرية الأمريكية

أسرة يونيباث

انطلقت72 مركبة عسكرية محملة بمئات من مشاة البحرية الأمريكية تزامنًا مع بزوغ الفجر، يبدد ظلالها الافق المتوهج بشمس السعودية.

وفي معسكر خارج ينبع على البحر الأحمر، وإطارات آلياتها تمخض تراب الصحراء، انسابت القافلة على طريق ارتقى بها الى هضاب جرداء تبتعد عن المدينة.

وعلى مدار الأسبوعين التاليين، جابت القافلة العسكرية الأمريكية، برفقة شركائنا السعوديين والإماراتيين، الجبال والحرَّات البركانية والكثبان الرملية في تمرين عسكري يمتد على عرض الجزيرة العربية.

حدث كل ذلك في إطار تمرين «الغضب العارم 24»، وهو تمرين يركز على علم الإمداد والتموين العسكري، فلولا قوات الإمداد والتموين لتعثرت معظم المهام العسكرية، وقد تم في هذا التمرين نقل القوات والمعدات لمسافة 1,900 كيلومتر في واحدة من أوعر التضاريس في العالم.

وأظهر تمرين «الغضب العارم» كيف يمكن لقوة استكشافية برمائية متعددة الجنسيات أن تتحرك بسرعة على البر إذا قطع العدو عليها الممرات البحرية. وصرَّح العميد بمشاة البحرية الأمريكية مايكل مكويليامز، والقائد العام لمجموعة الإمداد والتموين الثانية بمشاة البحرية، من معسكر ليجون بولاية كارولينا الشمالية، إن هذا ”الاستخدام الاستراتيجي لسبل الإمداد والتموين “يمثل” جوهر العمل الجماعي“ بين القوات الأمريكية والسعودية والإماراتية.

مشاة البحرية الأمريكية يقومون بتحميل المركبات على متن سفينة في دولة الإمارات العربية المتحدة بعد ختام تمرين «الغضب العارم 24».
عريفة ميشاق هيلتون/مشاة البحرية الأمريكية

وقال إذ كانت القافلة تستعد للانطلاق في مطلع أيَّار/مايو 2024: ”ليس ما حدث بالعمل الهين، بل إنه ثمرة تمرين «الغضب العارم»، الذي سيقف شاهداً صادقاً على قدرتنا الجماعية على تذليل العقبات في أي مجال.“

وأضاف قائلاً: ”وسيشكل فصلاً تاريخياً في التعاون العسكري، ويؤكد على الالتزام المشترك بالأمن والجاهزية في الشرق الأوسط.“

وصرَّح العميد السعودي عقاب بن عوض المطيري، قائد تمرين «الغضب العارم 24»، أن الأهداف الأساسية للتمرين تشمل تعزيز التنسيق والشراكة، وتبادل الخبرات، ورفع معايير التدريب باستخدام القواعد العسكرية وشبكات الطرق داخل المملكة العربية السعودية.

أجرت القوات الأمريكية الشريكة تمرين «الغضب العارم» ثمانيَ مرات منذ عام 2008، إلا أن نسخة 2024 منه انفردت بسلسلة من الإنجازات هي الأولى من نوعها.

  • فقد أضافت المشاركة لأول مرة من السعوديين والإماراتيين مستوىً آخر من التنسيق، ومنه ما حدث عند معبر حدودي بالقرب من البطحاء حيث أسندت القوات السعودية واجبات مرافقة القافلة لنظيرتها الإماراتية.
  • وانضم جنود من الجيش الأمريكي إلى القافلة لإجراء أول تجربة لمنظومة المركبات التكتيكية المستقلة الجديدة على مسافة طويلة، وهي عبارة عن شاحنات إمداد بالتحكم الآلي، إذ يمكنها أن تعمل بدون سائقين بشريين، فتتسارع، وتضغط على المكابح، وتغير اتجاهها، وتتراجع، وكل ذلك دون أي تدخل بشري. إذ أن دمجها في القوات البرية يقلل من ضرورة إشراك الجنود في مهام إعادة الإمداد الخطيرة.
  • ومن الجدير بالذكر أيضاً أن تمرين «الغضب العارم» أُجري بالتزامن مع عدة تمارين أخرى نفذت من قبل قوات متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط، مثل تمرين «الأسد المتأهب» في الأردن، وتمرين «المدافع الأزرق» في السعودية، وتمرين «الاتحاد الحديدي» في الإمارات.
اللواء أحمد الدبيس، قائد المنطقة الغربية بالمملكة العربية السعودية، يحيي العميد بالجيش الأمريكي ريتشارد كويرك، مسؤول الدفاع الأول والملحق العسكري للسفارة الأمريكية في الرياض، في حفل افتتاح التمرين. رئيس رقباء بنيامين ماكدونالد/مشاة البحرية الأمريكية

قافلة ذاتية الاعتماد

وصلت الشاحنات والمعدات التي تشكل القافلة إلى ميناء ينبع السعودي في أواخر نيسان/أبريل واستعدت للانطلاق من مستودع إمداد في الصحراء، حيث أعدَّ الميكانيكيون المعدات لعبور الجزيرة العربية في درجات حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية.

بلغ عدد المركبات 72 مركبة، وكان معظمها محملاً بالمؤن والعتاد، وكانت تحاكي تحديات الإمداد والتموين في مهمة إمداد قتالية، ورافقتها شاحنات قطْر لسحب أي مركبات متعثرة، وكان في كل قسم من أقسام القافلة طبيبٌ ومسعفون تحسباً للإصابات والأمراض.

كما شارك في تمرين «الغضب العارم» مهندسون عسكريون، دعت الحاجة إلى عملهم لمَّا اقتربت القافلة من قاعدة الأمير سلطان الجوية بالقرب من الرياض، فنظموا عرضاً لإصلاح مهبط الطائرات لشركائنا السعوديين.

وكانت صهاريج الوقود الضخمة التي ترافق القافلة تحمل وقوداً للمروحيات لمحاكاة الحاجة إلى الإسناد الجوي الواقعي في مثل هذه المهام التي تقطع مسافات طويلة.

كما ظهر لأول مرة في تمرين «الغضب العارم» أجهزة محمولة للتصدي للمسيَّرات (درون باستر) تعمل على تشويش إشارات الملاحة للطائرات المسيًرة المعادية.

قال الملازم بمشاة البحرية الأمريكية بريتن وارن، أحد آمري القافلة: ”كل ما معنا من أفراد ومعدات في القافلة أثبت أننا قادرون على الاعتماد على أنفسنا للتعافي إذا أصابنا أي مكروه.“

قدم رجال الجيش والشرطة السعوديون الحراسات الأمنية للمرحلة الأولى من التمرين، حرصاً على عدم تعطيل حركة المرور المدنية التي تسلك نفس الطرق السريعة التي سلكتها القافلة. وقدمت القوات السعودية الخيام والطعام للجنود المتعبين والجائعين حين توقفت القافلة بعد حلول الظلام كل يوم.

جنود من القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة يزورون مشاة البحرية الأمريكية الذين يتولون مهام الإمداد والتموين أثناء تمرين «الغضب العارم 24».
عريف ألفونسو ليفييري/مشاة البحرية الأمريكية

إقامة الشراكات

لم تقتصر الصداقة والتعاون بين القوات الأمريكية والسعودية على عمليات القافلة، ففي مستهل تمرين «الغضب العارم»، حظي مشاة البحرية الأمريكيون المسلمون بشرف أداء مناسك العمرة.

وحين وصلت القافلة إلى قاعدة الأمير سلطان الجوية بعد عدة أيام، استضاف السعوديون القوات الأمريكية في فعالية ثقافية تضمنت عروض الصقَّارة (أي الصيد بالصقور) وتناول المأكولات السعودية الشهية ورحلات الإبل.

وردت القوات الأمريكية لهم الجميل باستضافتهم في فعاليات تدريبية: رعاية مصابي المعارك، والتدريب على الرماية بالذخيرة الحية، وإصلاح مدرجات الطوارئ.

وحضر 75 فرداً من القوات الجوية الملكية السعودية (ومنهم رجال الإطفاء في المطارات وجراحو الطيران) جلسة طبية أدارها أطباء من البحرية الأمريكية. وتضمنت الدروس التضميد لعلاج الحروق وجروح الطلقات النارية، وإيقاف النزيف في ساحة المعركة بالعاصبات، والإنعاش القلبي الرئوي.

وقال ضابط في القوات الجوية السعودية بعد خروجه من قاعة التدريب: ”ما رأيناه شيء مميز ، فنحن لا نحظى بفرصة القيام بهذا مع الأميركيين كثيراً.“

وقالت السيدة شارلا بوستمانت، رئيسة عرفاء في قوات البحرية الأمريكية، إن العروض العملية أُجريت بروح الزمالة والبهجة، بمساعدة مترجمَين إثنين.

وقالت: ”شعرت بشيء من الحرج في البداية لأنني لا أتحدث العربية، ولكن سار الأمر بسلاسة أكبر بكثير مما توقعت.“

قافلة تمرين «الغضب العارم 24» تتقدم بعد خروجها من ينبع بالمملكة العربية السعودية.
عريفة ماري كولمان/مشاة البحرية الأمريكية

إلى الإمارات

لم يزل فريق «الغضب العارم» يركز على استخدام شبكة الطرق والبنية التحتية الواسعة في الجزيرة العربية حتى بلغت القافلة دولة الإمارات العربية المتحدة بعد خروجها من ينبع بنحو أسبوع.

وكانت مدينة الحمرا للتدريب في أبوظبي محطة توقف رئيسية لقافلة تمرين «الغضب العارم». وقامت فيها القوات الأمريكية والإماراتية بنصب كمين وهمي للقافلة أثناء تدريب نقطة التسليح والتزويد بالوقود المتقدمة، وهي واحدة من العديد من فرص التدريب بين القوات الشريكة. تتطلب نقطة التسليح والتزويد بالوقود المتقدمة من مسيطري المحطات توجيه الطيارين لهبوط طائراتهم المروحية في منطقة محددة، حيث يتم تزويدهم بالوقود مع استمرار دوران دوار المروحيات حتى يتمكنوا من العودة الى مهامهم بسرعة.

الشركاء السعوديون والأمريكيون يتجمعون في مستهل تمرين «الغضب العارم 24».
عريفة ماري كولمان/مشاة البحرية الأمريكية

ثم انطلقت القافلة إلى البحر، وأنهت مهمتها في ميناء الفجيرة على خليج عُمان، فنظف الجنود مركباتهم من الغبار والزيت والأوساخ التي تراكمت عليها من الرحلة، وحزموا معداتهم، وأعادوا تحميل كل شيء على سفن نقل.

وأعربت القوات المشاركة في تمرين «الغضب العارم» من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات عن فخرها بما أنجزت؛ ويتمثل هذا الإنجاز في نجاح قافلة إمداد برمائية في أن تقطع مسافة 1,900 كيلومتر وسط واحدة من أوعر التضاريس في العالم.

وتحقق ذلك في أقل من شهر بالتنسيق بين وسائل النقل البحرية الأمريكية، وسلطات موانئ البحر الأحمر وخليج عُمان، والقوات المسلحة الملكية السعودية، والقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومشاة البحرية الأمريكية، وجنود الجيش الأمريكي، والشرطة والوزارات المدنية السعودية والإماراتية.

التعليقات مغلقة.