دول آسيا الوسطى تبحث عن شركاء في الخليج العربي
جدة تستضيف قمة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية بين المنطقتين
أقامت دول آسيا الوسطى علاقات مع دول الخليج العربي فور انهيار الاتحاد السوفيتي، تمحورت في البداية حول تجارة الطاقة وتطوير البنية التحتية والروابط الاقتصادية، ثم تطورت لتشمل المبادرات السياسية والدبلوماسية، كما تدين دول المنطقتين بدين واحد. وتطورت العلاقات بين المنطقتين تطوراً ملحوظاً في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022.
عُقدت اقمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطىب الافتتاحية في جدة بالمملكة العربية السعودية في تموز/يوليو 2023، وكانت لحظة حاسمة في هذه الشراكة المتطورة، وشارك فيها زعماء 11 دولة، من بينها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين ودول آسيا الوسطى الخمس.
استضافت السعودية القمة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين المنطقتين، وتعزيز العلاقات الأمنية، وتطوير العلاقات في قطاع العمل الإنساني، واستكشاف المزيد من مجالات التعاون. كما كانت الروابط الثقافية المشتركة بين شعوب المنطقتين حجر الأساس لترسيخ التعاون متعدد الأطراف. وترأس القمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ولي عهد السعودية، وأكدت القمة أهمية التعاون في التصدي للتحديات التي تواجه أمن الطاقة وسلاسل الإنتاج العالمية.
وشدَّد البيان المشترك الصادر عن القمة على تعزيز العلاقات الاستراتيجية والسياسية، وتوسيع التعاون الاقتصادي، وتشجيع التجارة والاستثمارات، والاهتمام بالروابط الثقافية.
ووصف السيد باخرومجون عليوف، نائب وزير خارجية أوزبكستان، القمة بأنها تاريخية، واستعرض دورها في إقامة شكل جديد من التعاون الإقليمي بين دول آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وسلطنة عُمان وقطر والسعودية والإمارات).
وقال: سيتميَّز التعاون بين دول آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي بأهميته الاستراتيجية في ظل الوضع الدولي الحرج.ز
ومن المقرر عقد القمة المقبلة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى في سمرقند بأوزبكستان، وستهتم بتعزيز هذا التعاون.
وكانت القمة شاهداً على متانة العلاقات بين دول الخليج وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان. وسبقها اجتماع رسمي لوزراء خارجية دول الخليج وآسيا الوسطى في الرياض يوم 7 أيلول/سبتمبر 2022، فناقشوا فكرة تنظيم حوار استراتيجي بين المنطقتين، واتفقوا على تحسين التعاون بين المنطقتين في مجالات شتى، مثل إحياء سلاسل الإمداد التي تعطلت بسبب الجائحة، وتعزيز الأمن المائي والغذائي وأمن الطاقة، وزيادة الطاقة النظيفة، والاهتمام بالقضايا البيئية، ووضع آليات للتجارة والاستثمار.
وأفضى اجتماع 2022 إلى وضع خطة عمل مشتركة للحوار والتعاون الاستراتيجي بين الدول المشاركة للفترة من 2023 إلى 2027. وساهمت قمة الخليج وآسيا الوسطى 2023 في تعزيز خطة العمل المشترك وجهود التعاون المتعددة الأطراف.
العلاقات بين آسيا الوسطى ومجلس التعاون
تعود جذور العلاقات بين آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي إلى ما بينهما من تاريخ مشترك ودين واحد منذ القِدم، وقد ظلت هاتان المنطقتان معزولتين بعض الشيء في الحقبة السوفييتية بسبب الحرب الباردة، ولكن خفَّ الاضطهاد الديني الذي عانت منه آسيا الوسطى في عهد موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فتقاربت مع الشرق الأوسط، وفُتحت الحدود، فجذبت التجارة والاستثمارات، وأُنعشت الروابط الثقافية مع الدول العربية.
وفي حين غلب على التجارة بين المنطقتين سلع مثل المنتجات الزراعية والمنسوجات والمواد المصنعة، فإن استثمارات دول الخليج في آسيا الوسطى تركزت في المقام الأول على الطاقة منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، ومثال ذلك أن صندوق الثروة السيادية الإماراتي امبادلةب ضخ استثمارات كبيرة في تطوير مشاريع البنية التحتية للطاقة في المنطقة، مثل مصنع للفحم ومصنع للكيماويات في كازاخستان.
ونفذت شركات تتخذ من دبي مقراً لها مشاريع في مجال البنية التحتية لقطاع النقل في كازاخستان وطورت إنتاج النفط في تركمانستان، ودعمت السعودية تركمانستان مالياً في إنشاء جزء من خط أنابيب تركمانستان-أفغانستان-باكستان-الهند (تابي)، ويُنظر إلى هذا الخط على أنه ممر لنقل الغاز التركماني إلى الهند.
وانتعشت الروابط الثقافية، وكثر الاختلاط بين شعوب المنطقتين، فيزور ما يقرب من 50,000 سائح سعودي قيرغيزستان وأوزبكستان سنوياً، ورُممت مساجد قديمة وبُنيت مساجد جديدة في آسيا الوسطى بمعونات مالية من المؤسسات السعودية، وتستقبل مكة والمدينة أفواجاً من مسلمي آسيا الوسطى لأداء مناسك الحج والعمرة.
الرغبة في تعميق العلاقات
تجاوز نفوذ السعودية في آسيا الوسطى المجال الثقافي ليصل إلى العلاقات التجارية مع رواد الأعمال المحليين، والتعاون المتنامي بين آسيا الوسطى ودول الخليج يعود بمنافع اقتصادية على الجانبين، ويعزز أمن الطاقة لكلا المنطقتين، ويعضد الاستقرار الإقليمي عن طريق التعاون الدبلوماسي والأمني. ويتزايد اهتمام آسيا الوسطى بمجلس التعاون بحثاً عن فرص جديدة في ظل التحديات الجيوسياسية التي تواجه روسيا والعقوبات المفروضة عليها.
وتُولي السياسات الاقتصادية في دول آسيا الوسطى الأولوية للتحديث الاقتصادي والتقنيات الرقمية، وكانت هذه المواضيع من أبرز محاور الحوار في اجتماع اشولبون آتاب في قيرغيزستان، وأسفر هذه الاجتماع عن توقيع امعاهدة الصداقةب الإقليمية بين قيرغيزستان وأوزبكستان وكازاخستان. ولكن لا يمكن أن تحدث نقلة نوعية في عملية التحديث بدون رأس مال أجنبي قوي، وينظر زعماء آسيا الوسطى إلى دول الخليج، ولا سيما السعودية، على أنهم شركاء جذابين في مجالي التكنولوجيا والاستثمار.
وتهتم دول آسيا الوسطى بمبادرة رؤية المملكة 2030. فالتزام الأمير محمد بن سلمان باقتصاد ما بعد النفط والاستثمار في التقنيات الخضراء ينسجم مع تطلعات آسيا الوسطى، وتنظر المنطقة إلى ابتكارات السعودية على أنها نموذج جذاب للتنمية، ويحاول زعماؤها جذب المزيد من الاستثمارات السعودية منذ عام 2021.
وإجمالاً، تكثفت الجهود لجذب المزيد من المستثمرين الأجانب من منطقة مجلس التعاون منذ العقوبات التي فُرضت على رؤوس أموال الروس، فقام رؤساء أوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان بزيارات رسمية إلى السعودية لتعميق العلاقات الاقتصادية معها، وينشد الزعماء الثلاثة جذب استثمارات في خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الإقليمية وإنشاء مشاريع الطاقة النظيفة.
وإذ لا تزال هذه الشراكات تتطور، تسعى السعودية وسائر دول مجلس التعاون إلى تعزيز التجارة، وتحسين الحصول على الموارد، والاستفادة من الإمكانات الجبارة التي تزخر بها أسواق آسيا الوسطى. وإن دلَّ تقارب المصالح الاقتصادية والتقنية والثقافية على شيء، فإنما يدل على إمكانية قيام علاقة دائمة ومتينة بين آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي في قابل الأيام والسنين.
التعليقات مغلقة.