تأمين الغاز في شرق المتوسط
أسامة مبارز، أمين عام منتدى غاز شرق المتوسط
شهد العالم تحديات وأزمات متتالية في الأربع سنوات الماضية، بداية من جائحة كورونا (كوفيد- 19) ثم الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتغير المناخ، وأيضاً الصراع بين إسرائيل وحماس، وعالم تسوده الفرقة والاستقطاب.
فكل هذه التحديات تجتاح العالم، وتغير أعرافنا وطريقة تعاملنا. وتصدرت قضية الطاقة كل هذه الأزمات، إذ نواجه «معضلة ثلاثية» في مجال الطاقة تشمل أمن الطاقة، واستدامة الطاقة، والقدرة المالية للحصول على الطاقة.
وأعتقد أن التعاون هو السبيل لمواجهة هذه التحديات، والمنظمة التي أنتمي إليها (منتدى غاز شرق المتوسط) مثالٌ على التآزر المنشود.
تشكَّل المنتدى منذ أربع سنوات للتعامل مع الاحتياطيات الكبيرة من الغاز التي يُحتمل استخراجها في شرق البحر المتوسط، ولا يزال قدرٌ كبيرٌ من هذه الاحتياطيات غير مُطوَّر وغير مُنتِج، ولا تزال احتياطيات يمكن أن تفوقها حجماً لم تُكتشف بعد.
ويكمن الغرض من تشكيل المنتدى في جمع الأطراف المعنية من الحكومات وقطاع الغاز والمؤسسات المالية لتذليل التحديات التي تحول دون تنمية هذه الموارد، ويضم ثمانية أعضاء؛ وهي قبرص ومصر وفرنسا واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية. ويضم ثلاثة مراقبين: الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبنك الدولي.
ومن الخصال التي تميز منتدى شرق المتوسط أنه لا يتعلق بالحكومات فقط، فلدينا أيضاً ما نسميه اللجنة الاستشارية لصناعة الغاز، وتضم نحو 38 شركة من شركات النفط الوطنية والمتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا. وهكذا نعزز التعاون المربح بالجمع بين كل هذه الأطراف المعنية.
تنطوي استراتيجيتنا طويلة المدى على سبعة أهداف استراتيجية، ونعمل على ثلاثة محاور رئيسية؛ فأما المحور الأول، فهو التكامل الإقليمي؛ أي كيف يمكننا تحقيق التآزر بين مختلف حقول الغاز والبنية التحتية وتحقيق التكامل بين اقتصاديات المنطقة؟ وأما المحور الثاني، فيركز على تغير المناخ. وأما المحور الثالث، فيتعلق بجعل المنتدى مورداً للغاز قليل الكربون ومنخفض التكلفة مع إشراك القطاع الخاص.
أما التكامل الإقليمي وأمن الطاقة، فقد تمكنت دول شرق المتوسط من زيادة إمداداتها من الغاز إلى أوروبا بنسبة تتجاوز 30% عقب نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وربما تكون موارد الغاز في شرق المتوسط محدودة مقارنة بموارد الخليج العربي، لكنها تمثل لأوروبا، ولا سيما جنوبها وشرقها، مصدراً لتنويع إمداداتها من الطاقة.
كما نحاول تحقيق التوازن بين أمن الطاقة وتحول الطاقة؛ فكلا التحديين على قدر كبير من الأهمية. وتتجلى مخاطر تغير المناخ في قسوة الطقس في شتى بقاع العالم، إلا أن أمن الطاقة لا يقل عنها أهمية. إذ تصبح حياة الناس وأرزاقهم في خطر بدون هذا الأمن، والبعض يظن أن أمن الطاقة قضية قصيرة الأجل وأن تحول الطاقة قضية طويلة الأجل، ولكن لا بدَّ من النظر إلى هاتين القضيتين على كلا الأجلين.
وأطلقنا في عام 2022 مبادرة إزالة الكربون في شرق المتوسط، وغايتها تقليل الانبعاثات الناتجة عن قطاع الغاز في المنطقة، وتمكنا من إطلاقها أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في مصر في عام 2022.
وتشتمل الخطة على تحديد نسبة معيارية للانبعاثات لقطاع الغاز واستكشاف الجهود المبذولة لتقليل الانبعاثات، وحددنا مشاريع إزالة الكربون وغيرنا السياسات واللوائح لتشجيع الاستثمار في هذه المشاريع، وحددنا المهام الرئيسية التي يضطلع بها المنتدى وهي تنسيق السياسات، وتجميع التكنولوجيا، والدعم المالي، وإصدار شهادات الكربون.
وينصب تركيزنا الأول على تنسيق السياسات واللوائح لتشجيع المزيد من جهود إزالة الكربون ووضع آلية لإصدار شهادات كثافة الكربون في المنطقة، وسيعتمد المنتدى هذه الشهادات وينفذها، وعرضنا ذلك في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2023 في دبي.
يشق علينا بعض الشيء أن نتحدث عن التعاون، ولا سيما في ظل الأزمات الإقليمية، ولكن لا بدَّ أن نفكر فيما بعد الأحداث الحالية. ولا بدَّ ألا نكتفي بالتفكير على المدى القصير وأن نفكر أكثر في المدى الطويل وما يمكننا فعله لتعزيز التعاون وما يمكننا فعله لتنويع الطاقة.
وعلينا أن نفعل ذلك بشكل مسؤول، فعلينا أن ننتج طاقة منخفضة التكلفة وبأقل قدر ممكن من انبعاثات الكربون، وأن نأخذ مخاطر تغير المناخ وأمن الطاقة معاً بعين الاعتبار. Φ
التعليقات مغلقة.