حامد الزعابي، المدير العام للمكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالإمارات
أحرزت دولة الإمارات العربية المتحدة تقدماً ملحوظاً في ميدان مكافحة الجريمة المالية، بيد أنَّ النهوض بتلك المنظومة يتطلب إشراك المزيد من الأطراف المعنية أكثر من ذي قبل.
ما تزال الجريمة المالية تتطور، وكثيراً ما تنطوي على أنماط عالمية تمتد عبر عدة ولايات قضائية ومؤسسات مالية.
وفي غضون بضع سنوات فحسب، ارتفع عدد البلاغات والتحقيقات والمحاكمات والغرامات ارتفاعاً كبيراً على إثر نجاح السلطات في إحباط أنشطة المجرمين.
ولوضع هذا التقدم في سياقه الصحيح، من حيث المصادرات (كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي)، فقد تقدمت الإمارات أكثر من 80 مرتبة لتغدو واحدة من خمس دول رائدة على مستوى العالم، وفقاً لتحليل أجراه التحالف العالمي لمكافحة الجريمة المالية.
ولكن لا يمكننا أن نكتفي بالإنجازات التي حققناها، فمكافحة الساعين وراء المال الحرام لا ولن تنتهي.
تنبثق هذه الجهود للنهوض بمنظومة الدولة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من السياسات التي وضعتها قيادة الدولة لمكافحة التمويل غير المشروع والحفاظ على سلامة النظام المالي العالمي.
ونعلم من تعاوننا مع شركائنا الاستراتيجيين كالاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أنَّ البنوك والحكومات عليها تكثيف التعاون فيما بينها وتذليل العقبات أمام تبادل المعلومات؛ فالتعاون يعيننا على رسم صورة أوضح للشبكات الإجرامية والمعاملات المشبوهة وفهم المخاطر وتقييمها وتخفيفها بشكل أفضل، كما يزود السلطات بمعلومات استخبارية أدق لإجراء التحقيقات والمحاكمات.
كما نتعاون في المكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي لتسهيل الشراكات والتنسيق مع المجتمع الدولي بشأن مخاوف الجرائم المالية. وأنفقنا مبالغ طائلة لاستقدام المواهب وإجراء برامج التدريب، وتوسع التعاون الدولي من خلال معاهدات المساعدة القانونية المتبادلة الجديدة المبرمة في عام 2022، وسيتبعها الكثير في عام 2023.
يعتبر تبادل المعلومات داخل المؤسسات العامة والخاصة وفيما بينها من أبرز عوامل التمكين في مجال مكافحة الجريمة المالية.
فنعمل من خلال الشراكات القائمة بين القطاعين العام والخاص على رفع الوعي المشترك بتهديدات الجريمة المالية. وهذا لا يقتصر على النظام المصرفي في المجال الخاص، إذ تنهض مجموعة من الشركات والمهن الأخرى بدور كبير، وأشير هنا إلى الوكلاء العقاريين وتجار المعادن النفيسة والأحجار الكريمة والمحامين ومكاتب الشهر العقاري [كتاب العدل] وغيرهم من أصحاب المهن القانونية المستقلين، والأهم من ذلك، المحاسبين.
وفي عالم مكافحة غسل الأموال، تُعرف هذه الأعمال والمهن غير المالية بمصطلح «الأعمال والمهن غير المالية المحددة».
وقد شرعنا في التعاون مع الأعمال والمهن غير المالية المحددة والجمعيات التجارية تحت رعاية لجنة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إذ تجمع الجهات التنظيمية والرقابية مع القطاع الخاص للنهوض بمستوى منع الجريمة المالية والتحقيق فيها ومحاكمة مرتكبيها.
وهذا المزيج من المهارات والخبرات يمكِّننا من ضمان استخدام الأنظمة والعمليات بكفاءة وفعالية. كما يشكل التدريب وبناء القدرات والحوار حجر الزاوية لجهود اللجنة، وساهم ذلك في انتفاع المحققين ووكلاء النيابة من المعلومات المالية.
وينعكس ذلك في الاستثمارات الإضافية التي نضخها في وحدة الاستخبارات المالية، وهي هيئة التحقيق المعنية بجمع البيانات حول الأنشطة المشبوهة وتبادل التحليلات مع الأجهزة الحكومية المختصة.
فقد أضافت إليها 30 موظفاً جديداً خلال النصف الثاني من عام 2022 وحده، وكان التركيز على توظيف كوادر أكفاء من أصحاب الخبرة في مجالات الالتزام بالقانون والخدمات المصرفية وتنفيذ القانون والتحقيقات.
كما تعد زيادة الشفافية من الأولويات الرئيسية. فقد أنشأنا سجلاً اقتصادياً وطنياً للتعرف على أصحاب الشركات المسجلة في الإمارات، ويتبنى السجل نهجاً موحداً لشروط المعلومات في ربوع الإمارات، وأدى إلى تحسين مستوى دقة البيانات، فأعاننا على تحسين تقييمات المخاطر وتحديد الأنشطة المشبوهة.
يوجد مفهوم الانتفاع لأنَّ المالك القانوني المباشر للأصل ليس بالضرورة هو الذي يديره ويستفيد منه بالفعل. ويتيح السجل للسلطات المختصة الاطلاع على كل هذه المعلومات في مكان واحد منسَّق تنسيقاً مركزياً، مما يساهم في توسيع جهود تبادل المعلومات والتحقيقات.
يثير الترابط بين شبكات الجريمة المنظمة الدولية، الذي يعززه التقدم التقني في أحيان كثيرة، بواعث قلق خطيرة. لكننا نكافحها من خلال قوة الاستخبارات والتحليلات المتقدمة والتكنولوجيا والتحقيقات والشراكات بين القطاعين العام والخاص. وفي أواخر عام 2022، انتهت لجنة الشراكة بين القطاعين العام والخاص من ورقتها الاستشارية بشأن تبادل المعلومات، وستثري تلك الورقة التشريعات الجديدة.
كما نستفيد من التكنولوجيا التي تسهل جمع البيانات ومعالجتها وتحليلها، وتساهم في تحديد المخاطر وإدارتها بقدر أكبر من الفعالية ولحظة حدوثها. وأنشأنا الكثير من الأدوات الإلكترونية لإدارة المشاريع ومنصات إعداد التقارير المصممة وفقاً للمتطلبات الوطنية.
وتكثر مزايا سرعة عمليات الدفع والمعاملات وزيادة دقة أنظمة تحديد الهوية والمراقبة وحفظ السجلات وتبادل المعلومات بين السلطات المختصة والكيانات الخاضعة للرقابة.
وبالمثل، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي (التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية) على تحسين مستوى تحديد المخاطر والاستجابة للأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها ومراقبتها. فكلما تحسنت ملفات تعريف العملاء مع تحديثها باستمرار، زادت دقة تقييم المخاطر وزادت الحكمة في اتخاذ القرار.
فهذه التطورات التكنولوجية المبتكرة خير ما يذكرنا بأنَّ عالم الجريمة المالية بات سريع التطور، ولن ننتهي من العمل أبداً. لكن التقدم المحقق حتى الآن شجعنا وسنحرص على إشراك المجتمع بأسره في جهودنا الجارية.
نهضت دولة الإمارات العربية المتحدة بجهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في عام 2022:
- أصدر مصرف الإمارات المركزي توجيهات جديدة للمؤسسات المالية المرخصة، تمهل البنوك والمقرضين شهراً واحداً للامتثال للوائح مراقبة المعاملات الخارجية والمحلية المشبوهة.
- ألزمت الدولة الوسطاء العقاريين وشركات المحاماة للإبلاغ عن المعاملات العقارية التي تنطوي على أصول رقمية، إذ حاولت التشكيلات العصابية والحكومات الخاضعة للعقوبات استخدام هذه الأصول للاستثمار في الإمارات.
- وقع المكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالإمارات مذكرة تفاهم مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة لتعزيز سبل التعاون.
التعليقات مغلقة.