تحت المجهر نموذج للجندي المحترف بواسطة Unipath آخر تحديث فبراير 19, 2019 شارك Facebook Twitter كان الملازم ياسر العبودي مثالاً للمهنية والشجاعة والأخلاق في المعارك ضد داعش أسرة يونيباث | تصوير إعلام جهاز مكافحة الإرهاب قصص البطولة تكاد لا تنتهي في أرض الرافدين، فمعارك التحرير التي سطر بها رجال القوات المسلحة العراقية البطولات والتضحيات من أجل طرد عصابات الإرهاب والأفكار المنحرفة من هذه الأرض التي طالما تعايشت بها جميع الأطياف بأمن وسلام. قصة الشهيد البطل الملازم ياسر العبودي، أحد مقاتلي جهاز مكافحة الإرهاب، تجعل القارئ يتوقف عندها. قصص تدل على أن أرض العراق هي مصنع الرجال على مر العصور. تحدث لنا رفاق سلاحه، وقائده وعائلته عن ذكريات طفولته، أحلامه وشجاعته. كان لقاؤنا الأول بوالده. كانت ولادة حبيبي وولدي وصديقي ياسر في كانون الثاني، 1991 في أوج حرب الخليج الأولى. كان ترتيبهُ الثالث بالعائلة التي تتكون من ولدان وأربع بنات. مرت السنين وكبر ياسر وأنا أراهُ يوماً بَعدَ يوم، ككل أب، كنتُ أسرحُ بعيداً بمخيلتي وأُمني النفس بأن أراهُ شاباً يقفُ بجانبي وأنا أستقبلُ المهنئين بحفلِ زفافه. كان طفلاً ذكياً وأنهى جميع مراحل دراستهِ بتفوق. كان يتحلى بأخلاق عالية ولايخرج عن دائرة الاحترام إذا أراد أن يمازح أصدقاءه. ذكر لي الأستاذ محمد هادي، أحد مدرسيه في الإعدادية: طيلةعمري لم أتمازح مع طالبٍ من طلابي غير ياسر، لأن المزاح معهُ لهُ نكهه وضحكتهُ مُميزه. منذ صغر سنه، كان يحب الاعتماد على نفسه، حيث كان يعمل من أجل توفير مصروفه،إذكان طالباً ويعمل في المتوسطة والإعدادية والجامعة. كنا أنا وأمه نبتسم حين يقول لنا بأنه يستطيع أن يساعد في مصروف البيت، ونحن نرى الإصرار في عينيه. لم يعش شبابهُ كباقي الشباب. كان همهُ الدراسة والعمل ويقول لي سأرفع الحملَ عنكَ يا والدي لأنكَ أفنيتَ شبابكَ من أجلنا.” كانت عبرات الحزن تتكسر بصدر والده وهو يروي لمجلة يونيباث ذكرياته فلذة كبده. ”كان حلم طفولته أن يكونَ ضابطاً في قوات العمليات الخاصة، لما لهذه القوة من سمعة وأحترام بين العراقيين. حينما كان عمره 14 سنة، كان ياسر يشاهد أرتال رجال العمليات الخاصة ببذلاتهم السوداء في شوارع بغداد، وهم يقومون بإلقاء القبض على أحد المتهمين بالإرهاب أو يتولون مهام سيطرة لتفتيش السيارات في المناطق الساخنة. كان ياسر ينظر لهم بفخر ويتمنى أن يكون واحداً منهم، وقد جاءت الفرصة ليدخل الكلية العسكرية الرابعة، دورة مكافحة الإرهاب وتخرج منها بتفوق وكان تسلسله بالقدم 19 من بين دفعة الدورة البالغ عددهم ما يُقارب 235.” بعد تخرجه من أكاديمية مكافحة الإرهاب تم تثبيته المشاور القانوني لفوج ميسان، لكن ياسر لم ينضم لجهاز مكافحة الإرهاب من أجل البقاء في مكتب في الجنوب، والحرب تدور رحاها في غرب وشمال الوطن. كان حلم الذهاب لجبهات القتال يداعب قلبه وقد تحقق له الحلم وألتحق برفاقه في الأنبار. كانت كلمات الملازم الأول يوسف علي، رفيق سلاحه وأقرب صديق للشهيد ياسر تنم عن الفخر والاعتزاز بمواقف ياسر. ”أول مرة التقي بها ياسر كانت في شهر نيسان 2014 حيث التحقنا للكلية العسكرية الرابعة في الناصرية. تدربنا ضمن الفصيل الثالث معاً، وبدأت علاقتنا كطلاب في الكلية العسكرية، وجمعتنا ذكريات ومواقف لا يمكن نسيانها. نحن الإثنين نسكن العاصمة بغداد ومن أحياء متجاورة مما جعلنا أصدقاء منذ اليوم الأول. كان يتمتع بشخصية محبوبة لدى أصدقاءه، دائماً مبتسم، يطلق التعليقات والنكات.” وأضاف “كان ياسر مميزاً بحبه للعسكرية وكان شجاعاً جداً، ولا يخاف التمارين الخطرة مثل النزول بالحبال من الهليكوبتر، أو تسلق الأبراج الشاهقة. كان الأول في تنفيذ التمارين، وكان يحب أن يدرب ويعلم الأشياء التي اكتسبها. حتى تم ترشيحه ليكون عريفاً للفصيل لتميزه في تنفيذ الواجبات وسرعة اتقانه التطبيقات وشخصية القيادية.” ”بعد التخرج وانضمامنا لدورة السلكشن في جهاز مكافحة الإرهاب، جمعتنا الصدفة مرة أخرى. برغم قسوة وعنف التدريب في أكاديمية جهاز مكافحة الإرهاب كان ياسر متميزاً ومن الأوائل، خاصة في الرماية. كان يصيب الأهداف ببراعة، ولديه إرادة قوية وإصرار كبير لإكمال الدورة، حتى كان يشجع الطلاب الذين يصلون لمرحلة الانهيار ويقرروا ترك الدورة. كان يعرف في قرارة نفسه بأن العمليات الخاصة تحتاج لرجال أشداء.” لدى جهاز مكافحة الإرهاب تقليد مميز هو تنسيب الخريجين بطريقة القرعة للتأكد من عدم وجود المحسوبيات. وبإشراف السيد رئيس الجهاز تمت القرعة وكان نصيب ياسر الإلتحاق بفوج ميسان. ”كانت فرحتنا لا توصف حين علمنا بأننا سنتوجه معا لفوج ميسان. التحق ياسر بالمقر المتقدم للفوج في حي البكر في محافظة الأنبار بعد شهر من التحاقي هناك عام 2015. كان الطريق من ميسان إلى الأنبار متعبا جداً، بسبب دخول داعش و تقطع الطرق وتداخل مواقع العدو، لذلك كانت الأرتال تستخدم الطرق الترابية. حين وصل ياسر كانت بدلته السوداء وسلاحه قد تحولا إلى لون التراب. برغم السفر الشاق والإرهاق وإلحاحي عليه أن يأخذ قسطاً من الراحة كان ياسر مصراً على أن آخذه بجولة في قاطع العمليات.” في معارك الفلوجة، حيث التضاريس القاسية وانقطاع خطوط الإمداد، كانت معنويات المقاتلين مهزوزة، لكن إصرار وتشجيع ياسر كان ما يجعلهم يستمرون بالقتال. ”اشتركنا معاً في معارك تحرير الرمادي والفلوجة، كان يشغل معاون آمر السرية الثانية. قضينا أسبوعين على ساتر النعيمية في الفلوجة والمعروف بشراسة المعارك وقساوة التضاريس وقلة الماء والطعام. لكن ذلك لم يثني ياسر، كانت ابتسامته تبعث الإرتياح في نفوس المقاتلين وترفع من معنوياتهم.” برز اسم الملازم ياسر للشجاعة التي كان يتحلى بها، كان يحرص على سلامة جنوده ومعداتهم. ولم يعرف عنه أنه ترك جريح أو شهيد في أرض المعركة. كان وعده لجنوده بأنه سيحافظ على توفير ما يحتاجون ولا يتركهم إذا جرحوا أو استشهدوا. وهنا روى لنا العقيد ركن أركان جلال التكريتي، آمر فوج ميسان أحد المواقف التي مر بها مع الملازم ياسر: ”في منطقة حصيبة شرق الرمادي، شن داعش هجوم كبير على قاطع الشرطة الإتحادية، واستطاع تدمير بعض الدفاعات، إذ جاءت الأوامر من قيادة القوات المشتركة لتحرك فوجنا فوراً الى منطقة حصيبة الشرقية. تم التحرك من الحبانية باتجاه حصيبة. حيث كانت رحلة شاقة وطويلة وسط صحراء تكتنفها مفخخات وكمائن داعش. وبعد وصولنا، بدأنا بالاشتباك مع داعش، وأثناء المعركة تعرضت مجموعة الملازم ياسر لهجوم انتحاري بعجلة مفخخة وقد جرح ياسر في كتفه جراء الانفجار. كانت إجراءات حماية القوة تتطلب ترك الموقع لإحتمالية قيام العدو بهجوم ثاني، وإرسال مقاتلين للاشتباك حيث كانت هذه التكتيكات المعتمدة من قبل داعش. لكن عندما عرف ياسر بفقدان أحد مقاتليه، قرر الصعود لسطح المنزل والبحث عنه. حيث كانت جثته قد رميت من شدة الانفجار إلى البيوت لمجاورة. ولم يترك المكان حتى عثر على جثمان الشهيد ونقله معه وهذا ما كسبه ثقة المقاتلين.” وذكر الملازم يوسف موقفاً آخر أثناء معركة الموصل: ”انطلقنا تمام الساعة الثالثة بأمرة العقيد أركان نحو أهدافنا المرسومة في شرق الموصل. كانت معركة حي الزهراء الأكثر شراسة. كان داعش يقاتل باستماتة ويستخدم الانتحاريين والمفخخات بكثافة. كان واجبنا مسك شارع رئيسي لقطع طريق الانتحاريين والمفخخات من ضرب جناح الأرتال المتقدمة. لكننا كنا أمام تحدي كبير، حيث جميع المنازل في هذا الشارع عشوائية، سوى منزل واحد ذو طابقين أما البقية بارتفاع منخفض وسقوف معدنية. أي لا يوجد مكان آمن للتمركز والاحتماء، فالمنطقة مفتوحة واحتمالية الهجوم بالمفخخات عالٍ جداً. وبعد ليلة شاقة من القتال، قام داعش بهجوم عنيف على موقعنا في الضياء الأول مستغلين إرهاق المقاتلين في القتال طوال الليل، لكن قاد ياسر المعركة من سطح المنزل، وشل حركة العدو، واستطعنا الحفاظ على موقعنا. في اليوم الثاني أرسلت القيادة ضابط جديد ليقود السرية ليأخذ ياسر فيهما استراحة، لكن ياسر قرر البقاء مع سريته قائلاً بأن مصيره من مصيرهم.” أما عن المقاتل الشجاع، الذي لا يترك خلفه ما قد يستخدمه العدو لقتل رفاقه، ذكر العقيد أركان جلال قصة مجازفة ياسر بحياته من أجل جلب رشاشة ثقيلة، تركها بعض الجنود وانسحبوا. ”يوم 19 مايو 2015 قام العدو بتعرض كبير على قاطعنا، حيث جاءت الأوامر بالانسحاب من الموقع، وهنا برز دور ياسر كقائد شجاع. لقد قام ياسر بسحب جنوده من مواقعهم دون أي خسائر وبدون نقص عتاد أو قطعة سلاح. كذلك كان هناك مفرزة لرشاشة ثقيلة 50 كال في العقدة 60. موقعها استراتيجي ومسيطر على جميع الطرق. عرف ياسر بأن مفرزة الرشاشة انسحبوا وتركوا الرشاشة هناك وبرغم أن هذا ليس موقعه وليس سلاحه، لكن ياسر يعرف معنى سقوط هذا السلاح الفعال بيد داعش مما سيكبد قواتنا خسائر كبيرة. لذلك قرر أن يذهب مع أحد المقاتلين وسط النيران الكثيفة وشراسة المعركة للوصول لموقع الرشاشة وجلبها معه. وهذا الموقف مشهودٌ له لدى القيادة حيث عرض نفسه للخطر ورفض ترك الرشاشة الثقيلة لداعش، وكنا أنا وياسر آخر من انسحب من الفوج. كان العدو يبعد عنهم أمتار فقط، وكان الرصاص يأتي من كل الاتجاهات، لكن ذلك لم يثني إرادة ياسر من جلب الرشاشة من الطابق الثاني قبل الانسحاب.” يتمتع الفرسان بجانب الشجاعة بالأخلاق العالية واحترام السكان، وتعامل الشهيد ياسر مع المدنيين في المناطق المحررة كان مبعث فخرٍ لكل مقاتلي جهاز مكافحة الإرهاب، ومحط احترام من قبل أهل المدينة. تأريخه ملئ بقصص الأمانة والإيثار واحترام المدنيين. ذكر والد ياسر فرح ولده حين اتصل به ليخبره القصة، وكم كانت أم وشقيقات ياسر فخورات عند سماع هذه القصة التي تدل على حسن التربية. ”أثناء تفتيش أحد أحياء الرمادي، تم العثور على مصوغات ذهبية ثمينة في إحدى المنازل، حيث ترك الناس بيوتهم على عجل أثناء اجتياح داعش. قام ياسر وبحضور جنوده في عد وتوثيق الموجودات وإرسالها لمقر القيادة مع تفاصيل المنزل لكي يتم اعادتها لأصحابها.” وحدثنا الملازم يوسف عن قصة أخرى تدل على رفعة أخلاق ياسر. ”أثناء تفتيش الساحل الأيسر في الموصل، كنا ندخل في البيوت التي ما زال أهلها موجودين. لم يسمح ياسر لأحد الجنود بمعاكسة الفتيات. كان يوصي المقاتلين بأن يحترموا السكان ويعاملونهم معاملة الأهل، لقد كان قمة الشجاعة والرجولة.” صمت الملازم يوسف لوهله ثم أضاف: ”في حي المهندسين في الجانب الأيسر، كلفنا بواجب تفتيش المنطقة والبحث عن أسلحة ومخابئ الإرهابيين. داهمنا منزلاً كان وكراً لداعش لكننا لم نجد إلا فتيات في المنزل حيث هرب الإرهابيون. لم يسمح ياسر بدخول كل القوة، بل دخل هو وإثنين من المقاتلين للتفتيش. وبكل أحترام فتشوا وجمعوا الأدلة، وقال ياسر لأحدى الفتيات التي كانت ترتعد من الخوف بأن تطمئن وقال اعتبرونا بمثابة اخوتكم ونحن هنا لحمايتكم. وبعد انتهاء التفتيش أمر جنوده بإعطاء الفتيات بعض الماء والطعام.” وفي قصة فريدة من نوعها، حدثنا آمره، العقيد الركن أركان جلال، “بعد تحرير الساحل الأيسر بأيام، كانت المدينة تعاني من انقطاع التيار الكهربائي. حيث طلب منه السكان بأن في منطقتهم مولد كهرباء ويحتاج للوقود، وأعطوه عنوان ورقم سائق الصهريج الذي يجلب الوقود. كان مكان صهريج الوقود يبعد 30 كيلو عن الموقع، وبسبب استخدام داعش للصهاريج كمفخخات، كانت القوات الأمنية لا تسمح بحركتها. اتصل بي ياسر وطلب موافقتي لجلب الصهريج، وأنا باركت الفكرة، وبعد جهد كبير من ملازم ياسر، حصلنا على موافقة للسماح بدخول الصهريج. وكان ياسر لمدة ساعتين على الهاتف مع السيطرات على طول الطريق لإيصال الوقود. وحين وصول الوقود، توفرت الكهرباء للمواطنين وكان امتنانهم كبيراً لجهد الملازم ياسر بإعادة التيار الكهربائي للحي بعد التحرير بأيام.” ذكر الملازم يوسف تعامل الملازم ياسر مع الأطفال الجياع في الأحياء الفقيرة في الموصل. ”برغم قلة أرزاق المعركة ووعورة طرق الإمداد، كان ياسر وجنوده يقتسمون الماء والطعام مع المدنيين. كان ياسر يحمل معه ماء ومواد غذائية أثناء تجولنا في منطقة المسؤولية، يوزعها للأطفال الذين نجدهم في طريقنا. تعلم جنوده من آمرهم، بأن يضعوا أمن وراحة المواطن فوق كل شيء، لذلك كانوا متحمسين لإقتسام طعامهم مع الناس. مما ساعد على التفاف الناس حولهم إذ كان المواطنون يدلون بمعلومات أمنية عن مخابئ الإرهابيين.” أما قصة استشهاد ياسر التي ذكرها رفاقه فهي قصّة تُدمي القلوب كان ياسر في بيت كمين على مفرزة كورنيت، واجبه قطع الطريق على تحركات داعش واصطياد مفخخاتهم قبل ضرب قواتنا المتقدمة. وقد دمرت المفرزة عدة مفخخات لداعش وسيارات نقل الإرهابيين. وتم تعرض البيت لقصف العدو. كان ياسر في البيت المجاور أثناء الضربة، لكنه هرع لإسعاف الجرحى ومعرفة الخسائر. كان باستطاعته إرسال أحد الجنود، لكنه حريص على إعطاء موقف دقيق للقيادة والمحافظة على سلامة مقاتلية، لذلك قرر الذهاب بنفسه. وأثناء وجوده داخل المكان، تعرض المنزل إلى ضربة ثانية أدت إلى استشهاده. التحق ياسر بكوكبة الشهداء وترك خلفه قصص تحكي عن بطولات ومواقف رجولة وذكريات جميلة في البيت والمدرسة وبهو الضباط والمناطق التي شارك في تحريرها وفي نظرات النازحين التي وجدت بهذا الشاب الأسمر الأمان والطيبة الجنوبية. Facebook Twitter شارك
التعليقات مغلقة.