نضال اليمن من أجل الاستقرار
الميليشيات التي تحظى بدعم إيران تهرِّب الأسلحة وتهدد الملاحة في البحر الأحمر وتدمر المجتمع اليمني
اللواء محمد زيد إبراهيم، الملحق العسكري اليمني لدى الولايات المتحدة
كان من أهم اجتماعات «منتدى حوار المنامة» المنعقد في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 جلسةٌ خاصةٌ تناولت العوامل المؤثرة في أزمة البحر الأحمر، إذ كان لهذه الأزمة تداعيات كبيرة في ربوع الشرق الأوسط والقرن الإفريقي واليمن، فالواقع أن الصراعات تنشأ داخل حدود الدولة، لكنها لا تلبث أن تتجاوز حدودها، ولنا عبرة فيما حدث في سوريا واليمن وليبيا والصومال.
ولهذه الصراعات تبعات سلبية، ولا سيما في البحر الأحمر، إذ فاقمت الهجرة غير الشرعية وتهريب الأسلحة، فضلاً عن الإرهاب الذي يمارسه تنظيم القاعدة وداعش.
ولا غنى للمناطق العربية عن البحر الأحمر، ويعود تاريخ هذه المنطقة إلى الحضارات القديمة حيث ساهمت في نشأة الأديان الإبراهيمية الثلاثة. ويحيط بالبحر الأحمر شرقاً وغرباً سبع دول ناطقة بالعربية، وهي الأردن والسعودية والصومال وجيبوتي والسودان ومصر، ومعها بلدي اليمن. وتشغل هذه الدول نحو 90% من سواحل البحر الأحمر وموانئه.
وينبغي أن تسري السياسة الدولية على هذا الممر الاستراتيجي، إذ يتفرد البحر الأحمر بأهمية جيوسياسية تميزه دون غيره من الممرات المائية الدولية. ويشكل ملتقىً استراتيجيا بفضل موقعه المحوري بين قارات العالم القديم الثلاث: آسيا وإفريقيا وأوروبا. ويشكل حلقة وصل بحرية استراتيجية بين البحر المتوسط والمحيط الهندي.
أضف إلى ذلك أن عدة جزر استراتيجية تسيطر على المضائق ونقاط الشحن الحيوية، وأمن اليمن من الاعتبارات المهمة في إطار الأمن القومي العربي الإفريقي، وهذا يؤثر على توازن القوى.
ولِما يحدث في اليمن تداعيات على أمن البحر الأحمر، فمنذ أن أحكمت مليشيات الحوثي قبضتها على الساحل الغربي لليمن، تزايدت المخاطر التي تؤثر على حرية الملاحة البحرية، ولا سيما في البحر الأحمر، وتهدد هذه المليشيات أمن المنطقة، خاصةً بعد سيطرتها على ميناء الحُدَيْدَة، أكبر موانئ الساحل الغربي لليمن.
وفي هذا الصدد، يمثل دعم إيران لوجود مليشيات الحوثي في البحر الأحمر محوراً مهماً في استراتيجية إيران، ويزيد من حماستها وإصرارها على الهيمنة على مثل هذه الممرات المائية الدولية الحيوية.
وقد سعت إيران إلى استغلال الضغط لإنجاز مشروعها النووي، ومن ذلك تهديد طرق التجارة العالمية لتعزيز مصالحها.
وكجزء من سعي هذه الدولة الخبيثة لتحقيق مآربها، تزود مليشيات الحوثي بالزوارق المُحمَّلة بالقنابل والألغام البحرية والطائرات المسيَّرة، ولا تكتفي بذلك، بل تدرب عناصر تلك الميليشيات لتجعل هجماتها أشد فتكاً.
واستحوذ الحوثيون مؤخراً على زوارق إيرانية ذاتية الدفع، وكان ذلك من أسباب تحويل البحر الأحمر إلى ساحة قتال، إذ تعمل هذه الزوارق بالتحكم فيها عن بُعد لتسييرها أكثر من مرة.
وتسبب الإرهاب الحوثي في البحر الأحمر في خنق التجارة الدولية، ففيه مضيق باب المندب، وهو من أزحم الممرات الملاحية في العالم.
وهذه حقائق لا تخفى على أحد، وقد أوقفت القوات الأمريكية عدة سفن محملة بذخيرة وأسلحة كانت متجهة إلى ميليشيات الحوثي، وإننا نؤمن بأهمية حرمانها من أي دعمٍٍ عسكري يصل إليها، للحد من إمدادها بالسلاح الذي يسمح لها بتهديد السفن التي تعبر البحر الأحمر والهجوم عليها، وسوف نتجنب بذلك أيضاً حرباً يمكن أن تجتاح المنطقة برمتها.
وسوف نساهم في تخفيف آلام ومعاناة الشعب اليمني. ومن نكد العيش أنه قد مر عقد من الزمان بأبشع أشكال الإذلال والمعاناة، ولا تزال مأساتنا تتفاقم.
فالتجربة اليمنية الشائعة عبارة عن تجربة بؤس مجتمعي تفاقم بسبب ارتفاع معدلات البطالة إلى حدٍ يعتبر من بين الأعلى في العالم، فيندر وجود فرص عمل ولا حياة اجتماعية كريمة لملايين المواطنين، والمدن خالية من الخدمات وأهلها غير قادرين على تأمين احتياجاتهم.
وتفاقم ضغوط تكاليف المعيشة، كتكاليف وسائل النقل الحيوية والوقود، بسبب انهيار سعر الريال اليمني، وتكتظ المدن بالمهجَّرين، ويزيد وصول المهاجرين غير الشرعيين من خطر اختباء المقاتلين الإرهابيين بينهم.
وكل ذلك خلق واقعاً مريراً، فالإصلاح لا يستطيع تدارك حجم الاختلال الهائل وغير المسبوق في التركيبة السكانية، وتظل الحلول الناجحة بعيدة المنال.
وقد تنبأت الشبكة الدولية للسلطات المعنية بسلامة الأغذية (إنفوسان) بتفاقم أزمة الجوع في بعض المحافظات اليمنية التي تحتلها ميليشيات الحوثي، إذ توقفت الأمم المتحدة عن إمداد هذه المناطق بالمساعدات الغذائية اللازمة.
والواقع أن تقريراً صادراً عن شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة أشار إلى أن برنامج الأغذية العالمي أوقف توزيع المواد الغذائية في كانون الأول/ديسمبر 2023 في المناطق الواقعة في شمال اليمن تحت سيطرة الحوثيين، وسوف يؤدي ذلك بالتأكيد إلى تدهور الأمن الغذائي في عام 2024.
ويخشى التقرير أن يعاني سكان المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون من سوء التغذية الحاد، أي أن أسرة واحدة على الأقل من كل ثلاث أسر ستعاني نقصاً حاداً في الغذاء والدواء، فترتفع بذلك حصيلة الوفيات.
كما أشارت شبكة إنفوسان إلى أن ملايين الأسر في المحافظات الريفية التي يسيطر عليها الحوثيون ليس لديها مصادر بديلة للغذاء الآمن تعوض حرمانها من المساعدات الغذائية الدولية. وهذا لا يضاعف العجز في توفير الأمن الغذائي فحسب، بل يجبر هذه المحافظات أيضاً على اتخاذ تدابير صارمة لمواجهة المجاعة والأمراض الوشيكة.
التعليقات مغلقة.