مهمة متعددة الجنسيات في سبيل السلام
تدريبات مشتركة بين قوات من كازاخستان وقيرغيزستان ومنغوليا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان لصد التهديدات العابرة للحدود
أسرة يونيباث | الصور بعدسة رقيب الدرجة الأولى تيرا غاتي/الحرس الوطني بالجيش الأمريكي
عزمت دولة دونوفيا على زعزعة استقرار جارتها جورجاس وإعادة بسط سيطرتها على المنطقة، فشنت حملة شعواء من الحرب غير النظامية: تنفيذ اغتيالات، وقطع خطوط أنابيب الغاز، وتمويل القوات التي تقاتل بالوكالة، وتأجيج أزمات اللاجئين.
ولكن في خضم حالة عدم الاستقرار التي تفتعلها دونوفيا، التي بلغت ذروتها بتوغلات مسلحة عبر أحد الأنهار، بادرت سبع دول بتنسيق قواتها لإعادة إرساء السلام على تلك الحدود المضطربة.
فقدمت كلٌ من كازاخستان وقيرغيزستان ومنغوليا وباكستان وطاجيكستان كتيبة لتشكيل «فرقة العمل باتريوت»، واشترك كبار ضباطها في قيادتها، وارسلت أوزبكستان فرقة عمل مستقلة لنشر السلام على طول الحدود نفسها، وتعهدت الولايات المتحدة بتوفير القوة الجوية إذا لزم الأمر.
أتاح تمرين «التعاون الإقليمي 23» الفرصة لتنفيذ سيناريوهات تحاكي الواقع؛ وهو تمرين لمركز القيادة نظمته القيادة المركزية الأمريكية في آب/أغسطس 2023 لشركائها العسكريين في وسط وجنوب آسيا.
انطوت سيناريوهات فرض الاستقرار على الحدود على أزمات عسكرية وسياسية وإنسانية، واقتضت تعاون ضباط الأركان من هذه الدول متجاوزين اختلافات اللغة والثقافة العسكرية والتوجهات الوطنية.
ونفذ ما يقرب من 200 جندي من القوات الكازاخية والقرغيزية والمنغولية والباكستانية والطاجيكية والأمريكية والأوزبكية مهام التخطيط والعمليات وجمع المعلومات الاستخبارية بالتزامن مع بعضها البعض في مركز تدريب في هيلينا بولاية مونتانا الأمريكية، وكانوا مجهزين بخادم مشترك وأجهزة كمبيوتر متصلة ببعضها البعض كي تمثل مقر قيادة عسكري.
ولم يسمح المسؤولون بفصل القوات حسب الجنسية، وإنما حثوا جميع المشاركين على مجالسة نظرائهم من الدول الأخرى حرصاً على بناء فريق واحد.
قال العقيد نورزودا نوريل، وهو من كبار ضباط طاجيكستان الذين حضروا التمرين: ”نخالط جميع جيراننا في وسط آسيا والولايات المتحدة، ونستفيد كثيراً بمخالطتهم، فلم يشارك جندي إلا وكُلف بمهمة.“
لم تكد تمر سنةٌ منذ عام 2001 دون إجراء تمرين «التعاون الإقليمي»، ويُصقل مع كل نسخة ننظمها، ويقوم على سيناريوهات يتخيلها المنظمون، لكنها تحاكي الأزمات التي تحدث على أرض الواقع.
قال السيد جاي زيرو، نائب مدير التمارين العسكرية بالقيادة المركزية الأمريكية: ”تطور التمرين بمرور الوقت، فكان يكتفي بحفظ السلام، ثم صار يركز على القضايا الإقليمية مثل مكافحة الإرهاب وعمليات دعم الاستقرار وتقديم المساعدات الإنسانية ونجدة المهجَّرين.“
قدم تمرين «التعاون الإقليمي 23» سلسلة من الاستفزازات المتصاعدة لرفع مستوى تحرك الجنود متعددي الجنسيات بروح الفريق الواحد للتعامل مع سيناريوهات مختلفة؛ فهذه عصابة إجرامية قتلت عمدة بالمنطقة وهربت مخدرات عبر الحدود، وأصبح مخيم للمهجَّرين بؤرة يمكن للإرهابيين تجنيد عناصر جديدة منها، وتحتوي شاحنة مسروقة أوقفتها القوات على أسلحة يمكن أن تكون بيولوجية، وانتهك متمردون معادون القانون الدولي بإقامة جسور عائمة فوق أحد الأنهار.
ومهام القضاء أو القبض على مجرم أو إرهابي مطلوب غالبا ما تستلزم التواصل مع قوات عمليات خاصة تقودها قيادة منفصلة عن فرق المهام الرئيسية.
وكما هي الحال في عالم الواقع، كان على ضباط الأركان الذين يحيطون قادتهم بما يستجد كل يوم معالجة جوانب القصور التي تشوب العمليات، ومثال ذلك أن آمر قوة المهمة سأل ضباطه عن سبب عدم التواصل مع قوة المهمة الأوزبكية لسد ثغرة في الدفاعات الحدودية.
وقال العقيد الأوزبكي طاهر جباروف: ”يتيح التمرين فرصاً لصد خطر الأعداء بأصولنا وأصول الدول المشاركة، إذ نحشد قوة الجميع في آسيا الوسطى للتعاون على التصدي لكيد المعتدي.“
كما أتاح تمرين «التعاون الإقليمي» فرصة لجيوش وسط آسيا للتدرب بصحبة نظرائهم الأمريكيين الذين يتعاونون معهم في إطار برنامج شراكة الولايات التابع للحرس الوطني الأمريكي.
فقيرغيزستان تتعاون مع الحرس الوطني لولاية مونتانا، وأوزبكستان مع الحرس الوطني لولاية المسيسيبي، وكازاخستان مع الحرس الوطني لولاية أريزونا، وطاجيكستان مع الحرس الوطني لولاية فيرجينيا، وتركمانستان مع الحرس الوطني لولاية مونتانا؛ وقد أرسلت تركمانستان مراقبين لحضور فعاليات التمرين.
نهض السيد أنتوني ليتو، من معهد عمليات حفظ السلام والاستقرار التابع للكلية الحربية للجيش الأمريكي، بدور كبير في تصميم سيناريوهات تمرين «التعاون الإقليمي».
وبما أن تجنيب المدنيين الأذى في أثناء الصراعات المسلحة يمثل أولوية استراتيجية للولايات المتحدة، فقد حرص ليتو على مراعاة ذلك في سيناريوهات التمرين المصممة خصيصاً لمحاكاة الواقع في بقاع مثل وسط آسيا، ومنها تفشي الأمراض في مخيمات اللاجئين.
وقال عن شركائه من وسط آسيا وباكستان ومنغوليا: ”نستفيد منهم كما يستفيدون منا.“
وكانت الاستفادة من الشركاء أيضاً من الدوافع الرئيسية للعقيد القيرغيزي دانيار إيساكوف، نائب آمر قوة المهمة متعددة الجنسيات في التمرين. ومع أن قيرغيزستان تجري تمارين خاصة بها لمراكز القيادة، فقد حرص العقيد إيساكوف على التعرف على كيفية ادارة الجيوش الأخرى لهذه التمارين.
وجاء بوفد يضم 16 رجلاً، كان معظمهم من شباب الضباط، آملا أن يستفيدوا من التجارب الواقعية في مجالات جمع المعلومات الاستخبارية والتخطيط العسكري.
وقال: ”هنا في الولايات المتحدة، يعرف كل مشارك، من كبار القادة إلى شباب الضباط، المهام المنوطة به حق المعرفة لتنفيذ ما كُلف به.“
وقضى العقيد الكازاخي كاناتبيك عظيموف معظم فعاليات التمرين في فريق من كبار الضباط ساعدوا على توجيه المشاركين البالغ عددهم 200 في سيناريوهات التدريب. وأوضح أن تمرين «التعاون الإقليمي» يعد منبراً للتواصل المباشر مع المسؤولين من الدول الست الأخرى المشاركة، بل بدأت روح الزمالة قبل ذلك حين اجتمعت فرق متعددة الجنسيات لوضع خطط التمرين.
وقال العقيد عظيموف عن تمرين «التعاون الإقليمي 23»: ”تمرين جيد التنظيم ومحكم التحضير.“
وأضاف: ”نرجو أن يساعدنا هذا التمرين على تحسين الوضع الأمني في بلادنا.“
وترأس العميد حماد رضا، مدير الحرب المشتركة بمقر قيادة الأركان المشتركة الباكستانية، الوفد الباكستاني المكون من 15 ضابطاً في تمرين «التعاون الإقليمي»، وأشاد بتنفيذه الذي ”لم تشبه شائبة.“
وقال: ”قرَّبنا هذا التمرين المشترك متعدد الجنسيات الذي استمر أسبوعين من شركائنا وأتاح لنا فرصة ممتازة للإلمام بآخر التحديات الأمنية.“
وتابع قائلاً: ”لقد زاد فهمنا المشترك للتهديدات التي تتسم بتطورها، والعواقب المباشرة وغير المباشرة على المدنيين، والقوانين الدولية التي تحكم أمن الدول وسيادتها، وأهمية التخطيط المشترك وعملية اتخاذ القرار العسكري.“
ومن أبرز فعاليات التمرين تفتيش أجراه قادة وحدات الحرس الوطني الأمريكي الذين يتعاونون مع قوات من وسط آسيا. ورحب العميد جيمس رينغ، قائد الحرس الوطني لولاية فيرجينيا، بحفاوة بالضباط الذين يعرفهم من دولة طاجيكستان التي تتعاون قواتها المسلحة مع الحرس الوطني لولاية فيرجينيا.
وقال: ”تعجز ألسنتنا عن التأكيد على أهمية مثل هذه التمارين.“
التعليقات مغلقة.