أسرة يونيباث
أصبحت الحرب الهجينة – حيث تتسع ساحة المعركة ولا تتضح جبهات القتال – محوراً رئيسياً للعاملين في السلكين العسكري والأمني. عادةً ما يكون هذا النوع من الحروب عبارة عن جماعات إرهابية مدعومة من دول تسعى لبث الفوضى وعدم الاستقرار من أجل فرض هيمنتها على المنطقة. ولا تكترث هذه العصابات الإرهابية ومن يقف خلفها لحياة المدنيين ولا تحترم المواثيق الدولية ولا سيادة الدول التي تختبئ بين سكانها.
تُطلق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة من مناطق تحت سيطرة أذرعها المسلحة. ولأنَّ العصابات الإرهابية لا تتوانى عن استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد أهداف مدنية وعسكرية، بدأت الجيوش تكيف تدريباتها لتشمل سيناريوهات لحماية أمنها ومواطنيها من هذا النوع من الهجمات.
في مطلع عام 2022، استضافت المملكة العربية السعودية التمرين الثنائي «الدرع الواقي 3» الذي شاركت فيه القوات المسلحة السعودية ووزارة الصحة وهيئة الهلال الأحمر السعودي والدفاع المدني وقوات أمريكية متخصصة في مجال أسلحة الدمار الشامل. استغرق التمرين 10 أيام مقسمة بين الجزء النظري وهو عبارة عن محاضرات وتبادل الخبرات، بينما تضمن الجزء الميداني تنفيذ محاكاة لعمليات التطهير ونقل المصابين.
جمع التمرين بين ثلاثة سيناريوهات أُجريت في وقت واحد لتمثل هجوماً معقداً متعدد الجوانب لاختبار جاهزية الأجهزة العسكرية والمدنية. ومن المهام التي كُلف بها المتدربون: الكشف عن الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة والعبوَّات الناسفة محلية الصنع التي تحتوي على مواد كيميائية سامة والرد عليها، وعلاج المصابين بأسرع وقت ممكن لتجنب الوفيات.
بدأت فعاليات التمرين بورود التقارير الاستخبارية إلى القيادة في مقر الكتيبة؛ أوضحت أنَّ العدو – وكان يُكنى الدولة الحمراء – ينوي شن عدة هجمات على مقر الكتيبة بأسلحة الدمار الشامل، فأصدر القادة الأوامر العسكرية برفع جاهزية سرية المناورة وكتيبة الكيمياويات وبالتالي رفع مستوى حالة الإنذار لديهما.
يقول التقرير الاستخباري الأول: “وردت معلومات استخبارية عن نية الدولة الحمراء الهجوم بعوامل كيميائية وذلك بنقلها إلى مواقع متقدمة بالقرب من منصات إطلاق الصواريخ.”
وردت تقارير أخرى تفصِّل محاولات متسللين ومخربين من الدولة الحمراء لدخول حدود الدولة الزرقاء لزرع عبوَّات ناسفة ومواد كيميائية. كما كان العدو يختبر احتمالية قدرة الطائرات المسيَّرة على إيصال العوامل الكيميائية للدولة الزرقاء.
وما هي إلا أنَّ شق سكون الصباح دوي صفارات الإنذار معلنة عن هجوم بطائرة مسيَّرة يستهدف مقر الكتيبة. استطاع رجال الدفاع الجوي إسقاط الطائرة باستخدام أجهزة التشويش وقطع موجات التحكم عن بُعد. وشوهد دخان أبيض ينبعث من مكان تحطم الطائرة المسيَّرة وهي تهوي إلى الأرض.
وبناءً على المعلومات الاستخبارية المتوفرة لدى الكتيبة، كان فريق الوقاية من أسلحة الدمار الشامل على أهبة الاستعداد مرتدياً التجهيزات الوقائية، ورُفع العلم الأسود دلالة على حدوث هجوم بأسلحة الدمار الشامل. ثمَّ بدأت العربات المخصصة لفريق معالجة المتفجرات وفريق أسلحة الدمار الشامل تتجه نحو مكان تحطم الطائرة.
وحرصاً على السلامة العامة، فُرض طوق أمني حول المنطقة لمنع المدنيين من الاقتراب. وبعدما انتهى فريق مكافحة المتفجرات من فحص المنطقة والتأكد من خلوها من ذخائر غير منفجرة في المكان، صدر أمر بدخول عربات الوقاية من أسلحة الدمار الشامل.
دخلت مركبة الفريق المدرعة الخفيفة متعددة الأغراض التي تحتوي على تقنيات فحص التربة والهواء الخارجي من خلال حساسات خارجية متصلة بأجهزة إلكترونية داخل المركبة. وسارت المركبة ببطء في محيط المنطقة الملوثة وحددتها من خلال نصب أعلام صفراء اللون تُنصب أوتوماتيكياً من مؤخرة المركبة.
بعدما حدد الطاقم نوع العامل الكيميائي، رفع العلم الأحمر الذي يدل على هجوم بالأسلحة الكيميائية. وكان ذلك إشارة لدخول فريق الفحص الميداني الراجل المكون من أربعة أفراد لجمع العينات والتأكد من عدم وجود مخاطر أخرى في موقع تحطم الطائرة المسيَّرة.
وكانت أصوات سيارات الطوارئ تنبئ بوصول الكوادر التابعة لهيئة الدفاع المدني ووزارة الداخلية ووزارة الصحة وهيئة الهلال الأحمر. وفي غضون 15 دقيقة، نُصب مستشفىً ميداني على بعد 800 متر من المنطقة المتضررة ووصل مختبر ميداني لجمع العينات الملوثة. وتحسباً للظروف، وصلت حافلة إسعاف تسع أكثر من 30 سريراً. كما نُصبت محطات تطهير للأشخاص والعربات في منطقة تبعد نحو 600 متر من موقع التحطم.
نسَّقت الفرق العسكرية والمدنية مهامها باحترافية عالية، إذ كان فريق التطهير العسكري المخصص لتطهير العربات العسكرية والجنود تحت إشراف فريق الوقاية من أسلحة الدمار الشامل التابع للقوات المسلحة، وكانت توجد على بعد 100 متر محطة تطهير تابعة لوزارة الداخلية متخصصة في تقديم الدعم والتطهير الميداني للكوادر المدنية.
وتولَّت فرق الدفاع المدني مرتدية الأقنعة الواقية والبدلات المخصصة للوقاية من المواد الخطرة نقل المصابين على النقالات اليدوية. وارتدى المصابون ملابس جديدة عند وصولهم إلى منطقة التطهير. وفحصهم المسعفون قبل أن يتوجهوا إلى المستشفى الميداني الذي يسع 50 سريراً والمجهز بمعدات طبية للطوارئ، يشرف عليها أطباء وممرضون ذوو خبرة ودراية بالإصابات والأمراض الناجمة عن الهجمات الكيميائية.
يقتصر دور المستشفى الميداني على فحص وتشخيص الإصابات وإيقاف النزيف ومعالجة الحالات الحرجة ثمَّ نقلها للمستشفيات القريبة عن طريق 50 سيارة إسعاف جاهزة لهذه الحالات.
عمل فريق الوقاية من أسلحة الدمار الشامل السعودي مع نظيره الأمريكي طوال فترة التمرين وتبادلا مناهج العمل. استفادت الفرق متعددة الجنسيات من بعضها البعض فيما يخص طرق الاستجابة للأحداث الميدانية. ولمَّا كان الفريق الأمريكي يقوم بعملية الاستجابة، كان الفريق السعودي يتبع الخطوات ويقدم المشورة، ثمَّ يتبادلان الأدوار.
كان التكامل بين القوات السعودية والأمريكية في تمرين «الدرع الواقي 3» تأكيداً على قدرة القوات على اختلاف خلفياتها على تنفيذ المهام بشكل مشترك وفعال لمواجهة تهديد أصبح شديد الشيوع في عالمنا المعاصر.
التعليقات مغلقة.