مكافحة تمويل الإرهاب
الجيوش تحتاج إلى الاستعانة بهيئات رقابية دولية كمجموعة العمل المالي لدحر المتطرفين العنيفين
أسرة يونيباث
للجيوش وقوات الأمن مصلحة جلية في حرمان الإرهابيين من الموارد المالية التي تمكنهم من إجراء عملياتهم، إذ يعتمد الإرهابيون على المال، الأوراق المالية والعملات الافتراضية على السواء، لتنفيذ أنشطتهم الهدَّامة، فالمال يسمح للقياديين الإرهابيين بشراء الأسلحة وتهريبها، وإجراء عمليات إعلامية عالمية، والسفر إلى مناطق الصراع، واستقطاب المجنَّدين بوعود بمكافأتهم بالمال.
إنَّ مجموعة العمل المالي عبارة عن هيئة رقابية عالمية هدفها التصدِّي للتحويلات المالية غير القانونية، وتكرس قدراً كبيراً من جهودها لمكافحة تمويل الإرهاب، وتنشر المعايير المعترف بها دولياً التي يمكن للبلدان بموجبها قمع المموِّلين الذين يعملون على رعاية الإرهاب.
وتعمل المجموعة على دراسة القوانين التي تحكم الأنظمة المالية بالبلدان للوقوف على مدى قدرتها على التصدِّي لتمويل الإرهاب وغسل الأموال وانتشار الأسلحة، ويأخذ القائمون على هذه الدراسة المالية 40 معياراً بعين الاعتبار عند تصنيف فعالية الدولة وكفاءتها.
وفيما يلي بعض الأمثلة على اختصاصات المجموعة، بما في ذلك فرعها المسمَّى مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:
• تقييم مخاطر الدولة فيما يتعلَّق بتمويل الإرهاب بناءً على موقعها الجغرافي وقوة نظام الحكم وتحرر قوانين التمويل بها.
• حث البلدان على إجراء عمليات تدقيق لمنظماتها غير الربحية للقضاء على الجمعيات الخيرية الوهمية التي تؤوي مموِّلي الإرهاب خلف واجهة تدَّعي الفضيلة.
• تشجيع المؤسسات على توحيد جهودها لملاحقة الإرهابيين والتخلص من العراقيل البيروقراطية التي تعيق التواصل والتنسيق، وهذا لا يقتصر على التعاون بين الأجهزة والوزارات الحكومية داخل الدولة، بل يشمل التعاون مع مسؤولي مكافحة الإرهاب من بلدان أخرى.
• الحرص على فحص ودراسة التحويلات المالية المشبوهة – بما في ذلك استخدام الابتكارات الحديثة كالعملات الافتراضية – لتمييز الأنشطة القانونية عن الأنشطة غير القانونية؛ فزيادة الشفافية في المعاملات المالية يقضي على السرية غير الضرورية التي تخفي الأنشطة غير القانونية عن أعين الجهات الرقابية.
• تشجيع البلدان على فرض عقوبات، كمصادرة الأصول غير الشرعية، على المدانين بمخالفة قوانين مكافحة الإرهاب.
ونوَّهت مجموعة العمل المالي في تحديثها لمعايير التقييم الخاصة بها عام 2020 بقولها: “على الدولة أن تثبت، في سياق المخاطر التي تتعرَّض لها، أنَّ لديها إطار عمل فعَّال لحماية النظام المالي من الانتهاك.”
ومع أنَّ تلك المعايير توجد منذ ما يربو على عقد من الزمان، فالمجموعة تعمل على تحديثها باستمرار اعترافاً منها بطبيعة التهديدات المتغيِّرة؛ ومثال ذلك أنها قامت في ضوء ظاهرة المقاتلين الأجانب بتعديل هذه المعايير لتجريم عمليات تمويل السفر التي تساعد المجنَّدين على السفر خارج الدولة للقيام بأعمال إرهابية أو التدرب على القيام بها.
تعقب التدفقات المالية
يتطلب التقارب الجغرافي لتنظيمات داعش والقاعدة وطالبان والتنظيمات الإرهابية الأخرى في الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا زيادة التركيز على تشريعات مكافحة تمويل الإرهاب.
ولزاماً على المنطقة باعتبارها مفترق طرق مزدحم للتجارة – لا سيما في المراكز التجارية كدولة الإمارات العربية المتحدة – أن تبذل قصارى جهدها لتمييز المعاملات المالية غير القانونية عن المعاملات القانونية.
فقد صممت دولة الإمارات نظامها المالي الحديث لتسهيل المعاملات على التجَّار، لكنه يسمح بحدوث مخاطر فريدة من نوعها، إذ تدير الإمارات السبع بالدولة 27 منطقة تجارة حرة وتسمح للشركات بالتسجيل بنحو 39 طريقة مختلفة، وما يزال اقتصادها يعتمد على الأموال النقدية ويشهد تبادلات ضخمة للمعادن النفيسة والأحجار الكريمة، كما يشكل المغتربون الوافدون إليها غالبية سكانها، وتمثل التحويلات التي يرسلونها إلى أوطانهم قدراً كبيراً من نشاطها المالي.
وأثارت المجموعة قضية المجرمين الذين يستغلون الاقتصاد المنفتح نسبياً لدولة الإمارات لإخفاء ملكيتهم لمؤسسات تجارية غير قانونية، فاستجابت الدولة في عام 2018 بتعديل قوانين غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكان جزء محوري من الإصلاحات عبارة عن توسيع دور وحدة المعلومات المالية في مصرفها المركزي للتحقيق في التحويلات المالية المشبوهة.
وبالنظر إلى بعض النجاحات التي أحرزتها الإمارات، بين عامي 2013 و2019، فقد وجهت تهماً لـ 92 مشتبهاً بتمويل الإرهاب وأصدرت أحكاماً بحق 75 منهم.
النظر في وضع الجمعيات الخيرية
يعد استغلال المؤسسات الخيرية كواجهات لجمع الأموال والتبرعات للإرهابيين مشكلة من المشكلات التي يعاني منها العالم أجمع، وقد ركَّزت باكستان على هذه المشكلة في جهودها لمكافحة تمويل الإرهاب، إذ ذكرت أنَّ “إساءة استخدام المنظمات غير الربحية بهدف تمويل الإرهاب ما تزال تشكل تهديداً كبيراً، في الداخل والخارج.”
وأفادت مجموعة العمل المالي أنَّ باكستان أجرت مسحاً لقطاع المنظمات غير الربحية بها في عام 2019، وشطبت أكثر من 48,000 منظمة، ورصدت 1,300 منظمة أخرى باعتبارها من الكيانات شديدة الخطورة، كما أنشأت إسلام آباد لجاناً خيرية في مختلف أقاليمها للمساهمة في فصل الجمعيات الشرعية عن الجمعيات المحرضة على العنف.
وسلكت قيرغيزستان مساراً مماثلاً، إذ شكَّلت خلال النصف الأول من عام 2019 مجموعة عمل حكومية لإجراء تقييم لمخاطر قطاع المنظمات غير الربحية، وتعمل وحدة المعلومات المالية في قيرغيزستان على تجنيد ممثلي المجتمع المدني للانضمام إلى المجموعة للتخلص من العناصر الهدَّامة.
وما تزال هنالك بلدان أخرى في المراحل الأولى لمعالجة مشكلة الجمعيات الخيرية، إذ أشارت مجموعة العمل المالي إلى أنَّ الأردن لم يجرِ حتى الآن تقييماً للمخاطر “المتعلقة بقطاع المنظمات غير الربحية من حيث طبيعة تلك المنظمات وأهدافها وأنشطتها وإمكانية استغلالها بهدف تمويل الإرهاب وصلاحية التشريعات.”
بيد أنَّ الأردن يحظى بالإشادة بأنشطة دائرة المخابرات العامة في التصدِّي للآثار المالية لقضايا مكافحة الإرهاب التي تتولَّى التحقيق فيها، ومن نجاحات المديرية تمكنها من إلقاء القبض في مسجد على مموِّل للإرهاب يستخدم الصدقات لشراء بنادق كلاشنيكوف هجومية وأعيرة نارية لمواطنين أردنيين يسافرون إلى الخارج للقتال في صفوف الجماعات الإرهابية.
مناطق مضطربة
تختلف مخاطر الإرهاب باختلاف موقع الدولة، إذ تشير مجموعة العمل المالي إلى أنَّ مخاطر تمويل الإرهاب في الأردن ترتبط “بالاضطرابات التي تشهدها المنطقة، ونزوح أعداد غفيرة من اللاجئين، وبالأخص من فلسطين والعراق وسوريا وليبيا واليمن، وتوسع الأفكار المتطرفة التي ينشرها داعش والقاعدة وانتشار الأسلحة في المنطقة.”
وذكرت المجموعة أنَّ التحويلات المالية غير المصرَّح بها – كالأموال المهرَّبة عبر الحدود مع سوريا والعراق – هيمنت على تهديدات تمويل الإرهاب في الأردن. وليس الأردن وحده في ذلك.
فقد شجَّعت مجموعة العمل المالي لبنان على إجراء تقييم وطني للمخاطر التي يتعرَّض لها في عام 2019، ودرس التقييم تهديد تمويل الإرهاب الناجم جزئياً عن وجود آلاف اللاجئين من أماكن كسوريا.
وراجع اللبنانيون حالات المعاملات المالية المشبوهة وتوصَّلوا إلى أنَّ التحويلات النقدية، وكثيراً ما تكون عبر الحدود، ساهمت في دعم الإرهابيين في الداخل والخارج. ولم تقتصر هذه المراجعة الشاملة على المعلومات التي حصلت عليها من مسؤولي الجمارك وحرس الحدود، وإنما تضمنت معلومات أفادت بها وحدات الشرطة والجيش اللبناني العاملة على المنطقة الحدودية.
كما تعرَّفت باكستان على التهديدات الناشئة في الداخل وفي بلدان أخرى، وممَّا زاد من تعقيد التحقيقات كثرة الطرق التي يجري من خلالها إخفاء الأصول ونقلها، ويحدث ذلك من خلال بنوك الادخار، والأسواق الشعبية لصرف الحوالات، وتهريب المخدرات، والمعاملات العقارية، ومكاتب البريد.
معاقبة العناصر الهدَّامة
حظيت مصر بالإشادة بجهودها لتعزيز قوانينها ضد تمويل الإرهاب، وتعمل وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المصرية بالدرجة الأولى على تطبيق هذه القوانين.
فقد أعدَّت قائمة بأسماء الإرهابيين والكيانات الإرهابية التي تواجه عقوبات وتخضع لأحكام بمصادرة أصولها، وأجرت الدولة تعديلات على تلك القائمة مع ظهور معلومات استخباراتية جديدة، وهكذا يتعرَّض المواطن المدرج على قائمة الإرهاب في مصر للطرد من النقابات المهنية ومجالس الإدارة والمؤسسات الأخرى.
وفي عام 2020، وبناءً على توصيات مجموعة العمل المالي، وسَّع البرلمان المصري تعريف مفهوم المدرجين على القائمة، إذ يشمل الآن المصريين الذين يمدون الإرهابيين بالسلاح أو وثائق السفر أو أي دعم مالي آخر بطرق مباشرة أو غير مباشرة، بل تطول العقوبة ملاك الأراضي الذين يسمحون للإرهابيين بالتدرب على أراضيهم.
كما عالجت التعديلات بشكل أكثر مباشرة قضية “الأصول الافتراضية” التي يستخدمها الإرهابيون لتلافي أعين المراقبين داخل المؤسسات المالية الرسمية.
وأنشأت أفغانستان مركز تحليل المعاملات والتقارير المالية في عام 2006 لاستئصال مشكلتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأعدَّ المركز قائمة بأسماء العشرات من “الكيانات المحظورة” – كالجماعات المتطرفة العنيفة، وشركات الإقراض المشبوهة، وتجَّار المخدرات، والجمعيات الخيرية غير الشرعية – التي لا يحق لها الإيداع في البنك الوطني.
وتشمل قوائم العقوبات الأشمل الكيانات المحلية والأجنبية التي تتحايل على اللوائح المالية للدولة لأغراض شائنة.
كما عملت المملكة العربية السعودية على مدار سنوات لتشديد تطبيق القانون لمكافحة مموِّلي الإرهاب، وشاركت في رئاسة منظمتين هادفتين إلى حرمان الإرهابيين من المال؛ وهما مجموعة مكافحة تمويل تنظيم داعش التابعة للتحالف الدولي لهزيمة داعش والمركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب بالرياض.
وبعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها المملكة بتشجيع مجموعة العمل المالي لديها، حظرت المملكة على السعوديين والمغتربين تقديم الدعم المالي للأفراد والكيانات المصنفة على أنها تشكل خطراً إرهابياً، ولا تسري هذه الالتزامات على المؤسسات المالية وحدها، بل تسري كذلك على المؤسسات المصنفة غير مالية كسماسرة العقارات وتجَّار المعادن النفيسة والأحجار الكريمة والمحامين والمحاسبين.
الخاتمة
لن تحرز العمليات العسكرية ضد الإرهابيين نجاحاً كاملاً مالم يُحرم هؤلاء المتطرفون من الأموال التي تسمح لهم بتجنيد المؤيدين لهم وشراء الأسلحة وإنتاج الدعاية والسفر إلى مناطق الصراع.
وقد بذلت مجموعة العمل المالي والمنظمات الدولية الأخرى قصارى جهدها في سبيل توافق الآراء في هذا الصدد، فتشجَّعت البلدان على رفع معاييرها القانونية وتشديد تطبيق القانون لتجفيف المنابع المالية للجماعات المتطرفة.
وما هذا إلَّا جانب من جوانب المعركة الكبرى الرامية إلى مجابهة الجماعات العنيفة التي تهدد السلام والأمن في المنطقة والعالم. F
التعليقات مغلقة.