نعيش في عالمٍ تتطور فيه التهديدات غير المتناظرة بسرعة تفوق الطرق المتعارف عليها في التصدي لها، وما عاد جمع المعلومات الاستخبارية بفعالية حِكراً على الأقمار الصناعية أو الأصول السيبرانية أو حتى الوحدات العسكرية النخبوية، بل صار المواطن اليقظ السلاح الأمثل للتصدي للهجوم التالي؛ ذلك المواطن العادي في الشارع أو في السوق أو بالقرب من طريق التهريب.
ولادراكها هذا الأمر، دأبت وزارة الحرب الأمريكية على الاستعانة بأداة قوية من أدواتها؛ وهي «برنامج مكافآت وزارة الحرب». إذ تقدم هذه المبادرة أموالاً لمن يُدلون بمعلومات موثوقة وفي الوقت المناسب تساعد على حماية القوات الأمريكية وقوات الحلفاء أو إحباط التهديدات التي تهدد الاستقرار الإقليمي.
والتأسي بهذا البرنامج أو المشاركة فيه يمكن أن يكون له عظيم الأثر على البلدان الواقعة ضمن منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية؛ والتي تشمل الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا والقرن الإفريقي.
مزايا البرنامج
يُعد «برنامج مكافآت وزارة الحرب» من أنجع المبادرات المتبعة لحماية القوات ومكافحة الإرهاب ضمن مختلف أدوات الأمن الأمريكية، إذ يمنح المواطنين الأجانب مكافآت مالية كبيرة، تصل أحياناً إلى 5 ملايين دولار، مقابل ما يُدلون به من معلومات تؤدي إلى إحباط الأنشطة الإرهابية أو ضبط الأسلحة أو إحباط هجمات المسيَّرات أو اكتشاف التهديدات الوشيكة.
ولا يعتبر البرنامج مجرد فكرة نظرية، وإنما نظامٌ مُجرَّب ميدانياً، تُديره القيادات القتالية الأمريكية بنفسها، وله سجلٌ حافلٌ بالنجاحات على أرض الواقع. ودفع منذ إطلاقه أكثر من 26 مليون دولار لمئات ممن أدلوا بمعلومات، الكثير منهم في دول داخل نطاق مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية. وهذه الإنجازات ليست مجرد إحصائيات، إنما هي حصيلة المؤامرات الإرهابية التي أُحبطت، ومخابئ الأسلحة التي اكتُشفت، والأرواح الغالية التي أُنقذت.
وموقع DoWRewardsProgram.net الإلكتروني هو البوابة الرسمية للإبلاغ وتقديم المعلومات والتواصل بلغات متعددة. ويجسد النهج الحديث والآمن والملائم للمدنيين الذي يتبعه البرنامج في جمع المعلومات الاستخبارية.

كيف يعمل ولماذا
تكمن فاعلية البرنامج في البساطة والمرونة اللتان تميزانه، فكثيراً ما يكون المدنيون غير تابعين لأي جهة حكومية أو قوة عسكرية، ويمكنهم الإدلاء بالمعلومات عبر قنوات مشفرة، كالبوابات الإلكترونية والواتساب والتلغرام وخطوط الهاتف الآمنة. وتتوفر لغاتٌ مثل العربية والفارسية والأردية والبشتوية لتسهيل التواصل.
يتولى محللون متخصصون تقييم المعلومات فور تقديمها، فيقيمون مصداقيتها وتفردها وقيمتها العملية، وإذا تيقنوا من دقتها وإمكانية الاستفادة منها، يتم التواصل بمن قدمها بسرية تامة ويتسلم المكافأة المناسبة، ويمكن أن تكون المكافأة إما مالية أو عينية، حسب الوضع واعتبارات السلامة. وفي كل مرحلة، يولي البرنامج الأولوية لسرية هوية من أدلوا بالمعلومات وسلامتهم، حتى لا يتعرَّضوا لأي مخاطر لا داعي لها.
ومن أكبر مزايا البرنامج تلك السرعة والسرية التي يعمل بها، إذ يتخلص من المعوقات البيروقراطية، فيسمح لقادة العمليات في الميدان باتخاذ قرارات صرف المكافآت على الفور، وأحياناً في غضون أيام من تلقي معلومة قيِّمة.
نشر ثقافة التعاون
لا تقتصر ثمار برنامج كهذا لحكومات منطقة القيادة المركزية الأمريكية على جمع المعلومات الاستخبارية فحسب، بل فهو اضافة الى ذلك ينشر ثقافة المسؤولية المدنية، فحينما يرى المدنيون أن يقظتهم يمكن أن تغير الأوضاع، وأنهم سيُعاملون بإنصاف وأمان، فمن المرجح أن يبادروا.
وفي أماكن كثيرة، ولا سيما تلك التي قد تضعف فيها الثقة في المؤسسات الرسمية، يسد البرنامج الفجوة بين المواطنين العاديين والجنود الساهرين على حمايتهم. ويزيد من ثقة المواطنين، ويُمكِّن السكان، ويحوِّل المتفرجين إلى مشاركين فاعلين في الأمن القومي.
والأهم من ذلك أنه لا يخالف القانون الأمريكي ولا القانون الدولي، ويخضع لإدارة وزارة الحرب وإشرافها من خلال مراجعات صارمة ولوائح حازمة لمتابعة المخالفة والامتثال، وهذا يضمن المساءلة دون التضحية بسرعة التحرك والاستجابة.
مثالٌ إقليمي: نجاح القوات البحرية بالقيادة المركزية الأمريكية
وخير مثال على فعالية البرنامج هو ما فعلته القوات البحرية بالقيادة المركزية الأمريكية. فقد أنشأت نسخة جديدة من البرنامج تركز على المنطقة في ظل التهديدات البحرية المتزايدة في البحر الأحمر والخليج العربي، لا سيما فيما يتعلق بالتهريب والأنشطة الإرهابية البحرية.
تستهدف هذه النسخة من البرنامج المعلومات المتعلقة بالنشاط البحري غير المشروع، فتقدم مكافآت مقابل كل معلومة عن الاتجار بالأسلحة أو المخدرات أو المتفجرات أو البشر عن طريق البحر. وتقبل المعلومات باللغات العربية والفارسية والإنجليزية عبر أدوات اتصال شائعة وآمنة. وفي غضون أشهر من إطلاقها، نجحت القوات البحرية بالقيادة المركزية الأمريكية في ضبط كميات من المخدرات وتعطيل طرق التهريب التي تستخدمها الجهات المعادية.
وهذا الشكل من تعديل البرنامج لأغراض محددة خير دليل على مرونته وقابليته للتعديل، كما يسلط الضوء على فرصة مثيرة للاهتمام؛ إذ يمكن للدول الشريكة في المنطقة أن تطلق برامج مكافآت مماثلة، مصممٌة بما يتناسب مع أولوياتها الوطنية وواقعها العملياتي.
ثمار العمل بهذا البرنامج
تقدم المشاركة في «برنامج مكافآت وزارة الحرب»، أو إطلاق نسخة محلية منه، فوائد عظيمة النفع للدول المتحالفة مع القيادة المركزية الأمريكية.
أولها أنه يوفر نهجاً يتجنب القوة العسكرية المميتة وقابل للتطوير لتحسين عملية جمع المعلومات الاستخبارية المحلية. ولا تحتاج الحكومات إلى بنية تحتية ضخمة أو مراقبة متطفلة، بل يمكنها الاستفادة من عيون مواطنيها وآذانهم.
وثانيها أنه يساعد على مواجهة التهديدات الناشئة في المناطق الرمادية، أي الأماكن التي لا تجدي فيها الأساليب العسكرية أو الشرطية التقليدية نفعاً. فجمع المعلومات الاستخبارية القائم على المكافآت من الأدوات النافعة في تعقب المارقين الذين يطلقون المسيَّرات، أو اكتشاف المقاتلين الأجانب، أو مراقبة طرق التهريب في الصحاري والبحار.
وثالثها أن هذه البرامج تمد جسور الثقة، فحينما يرى المدنيون أن المعلومة التي يدلون بها تؤدي إلى اتخاذ إجراءات، وأن العدالة يمكن أن تتحقق بالتعاون لا بالمواجهة، فإن ذلك يعزز الوحدة الوطنية ويردع العناصر الهدامة.
ورابعها أن برنامج المكافآت الوطني يمثل رمزاً للسيادة والنضج العملياتي، وفي حين أن النموذج الأمريكي قد أثبت فعاليته، فلا يوجد ما يمنع البلدان الصديقة للقيادة المركزية الأمريكية من عمل نسخها الخاصة منه. والتعاون الثنائي مع الولايات المتحدة بشأن المكافآت المشتركة أو الضمانات القانونية أو المنصات التقنية أمر قابل للتنفيذ ونحن نشجع على ذلك.
استشراف المستقبل
كيف يمكن إذاً لشركاء القيادة المركزية الأمريكية المضي قدماً؟
الخطوة الأولى واضحة، وتتلخص في إجراء مناقشات صريحة مع نظرائهم الأمريكيين عن دمج نظام المكافآت في جهود التعاون الأمني الجارية. ويمكن للقيادة المركزية الأمريكية وقياداتها الفرعية تقديم الدعم والتوجيه، ويمكنها أحياناً تقديم تمويل مشترك أو منصات تقنية.
ثم تأتي مرحلة تصميم برنامج مكافآت بما يتماشى مع لغة كل دولة وقانونها وثقافتها. ويجب أن تركز الدعاية على أن المكافآت قانونية وآمنة وسرية. ويجب تحديد القواعد بكل وضوح: نوع المعلومات الأحق بالمكافآت، أنواع السلوكيات المستهدفة، وكيفية اتخاذ قرارات منح المكافآت.
ولا بدَّ أيضاً من تدريب محللين محليين واختبارهم، ويجب أن يظل تقييم المعلومات الاستخبارية بعيداً عن السياسة ويتسم بالمهنية للحفاظ على المصداقية. ويمكن إطلاق مرحلة تجريبية في منطقة تعاني من مشكلات أمنية مزمنة، كالتي تؤثر على مناطق رئيسية مثل الموانئ والحدود، ويمكن أن تساعد هذه التجربة في تحقيق نجاحات مبكرة والتحقق من فعالية النظام.
وأخيراً، ينبغي التخطيط لمرحلة التوسع بما يتماشى مع استراتيجية الأمن القومي. فبرامج المكافآت ليست نموذجاً واحداً يناسب البلدان كافة، ولكن يمكن تعديلها بما يتناسب مع خصوصية كل دولة.
دعوة للعمل
إن «برنامج مكافآت وزارة الحرب» ليس مجرد آلية تمويل؛ بل أصلٌ من الأصول الاستراتيجية، إذ يمكِّن السكان، ويمنع العنف، ويبني القدرات الاستخبارية في بعضٍ من أصعب بيئات العالم. والعمل بهذا النموذج في الدول الشريكة في منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية، إما بالتعاون المباشر أو بوضع نسخة مناسبة للدولة، يشكل فرصة واضحة في المتناول.
وما أعظم التوصل إلى المعلومات الاستخبارية في الوقت المناسب في ظل المشهد الأمني الراهن، إذ يمكن أن يأتي التهديد التالي من مسيَّرة أو نفق أو منشور على وسائل الإعلام الاجتماعي، ومن لديهم هذه المعلومات (المزارعون، وعمال الموانئ، وأصحاب المتاجر، والصيادون، وقباطنة المراكب، والطلاب) أكثر استعداداً للإدلاء بها حينما يعلمون أنها ستُستخدم بحكمة وستعود عليهم بنفع مادي.
والبنية التحتية موجودة، والسياسة مُجرَّبة، والنتائج لا يمكن إنكارها. ونقول للحكومات المستعدة للارتقاء بقدراتها على مكافحة الإرهاب وحماية قواتها، إن الخطوة التالية بسيطة: اطلبوا المشاركة في البرنامج، أو ضعوا برنامجاً خاصاً بكم. وللاستزادة، تفضلوا بزيارة الموقع الإلكترون www.DoWRewardsProgram.net وتعرَّفوا على كيفية خدمة هذا النموذج للمصالح الأمنية لوطنكم.
