تحطمت مسيَّرة صغيرة رباعية المراوح (كوادكوبتر) بالقرب من إحدى القرى؛ وهي من المسيَّرات المتوفرة في الأسواق التجارية ببضع مئات من الدولارات.
فينبعث دخانٌ أخضر من عبوة مثبتة على جسمها، وتشق سكون الصباح صرخة: ”غاز،غاز!“
وإذا بخمسة من أهالي القرية يسقطون على الأرض، يشعرون بالغثيان ويتلوون، وهذا يدل على تعرضهم لعامل من عوامل الحرب الكيميائية، ولو لم يُعالج من استنشقوها، لماتوا مختنقين.
ثمَّ يصل فريقٌ متعدد الجنسيات من جنودٍ مصريين وقطريين وهنود إلى موقع الحادث.
فينادي أحدهم قائلاً: سأرسلوا الروبوت!ز وإذا بمركبة يتم التحكم فيها عن بُعد تقترب لفحص حطام المسيَّرة. ويأخذ الجنود القطريون المتخصصون في تحديد العوامل الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية عينات من موقع الحادث. ويشكُّون في أن الغاز هو غاز أعصاب يُسمى افي إكسب.
وفي مركز سريع الإنشاء لتطهير الإصابات الجماعية، يعمل مصريون وهنود يرتدون بدلاتٍ واقية من المواد الخطرة على تنظيف الضحايا من الملوثات قبل نقلهم إلى المستشفى بسيارات الإسعاف.
استضافت مصر تمرين االنجم الساطع 25ب العسكري، الذي يركز على العمل الجماعي بين المؤسسات العسكرية، وحداتٌ في بعض الأحيان لم يسبق لها العمل معاً، وشارك فيه أكثر من 8,600 جندي من عدة بلدان.

جرت فعاليات التمرين في الفترة من 28 آب/أغسطس إلى 10 أيلول/سبتمبر 2025، وركز على التهديدات الهجينة الحديثة التي تقتضي التعاون وتوحيد الصف من القوات البرية والبحرية والجوية للحفاظ على الأمن الإقليمي، والكثير من هذه التهديدات عبارة عن عملياتٍ خفية، غايتها تجنب المواجهة المباشرة مع القوى التي تتفوق عليها، غير أن تمرين االنجم الساطعب أعدَّ سيناريوهات التدريب بما يتناسب مع مقتضيات هذه الحروب المعاصرة.
وشارك في تمرين االنجم الساطعب 14 دولة، بالإضافة إلى وحداتٌ كبيرةٌ من مصر والولايات المتحدة، وقواتٌ من الأردن والكويت وقيرغيزستان وقطر والمملكة العربية السعودية واليمن وقبرص واليونان والهند وإيطاليا وجنوب إفريقيا والمملكة المتحدة، ومراقبون من 34 دولة.
أشاد الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، بتمرين «النجم الساطع»، واصفاً إياه بأنه واحدٌ من أكبر التمارين العسكرية المشتركة في العالم. وقد أجرت مصر والولايات المتحدة هذا التمرين 19 مرة منذ عام 1980.
وقال الفريق خليفة أثناء إشرافه على مرحلة التحضير للتمرين: ”أود التأكيد على أهمية التمارين المشتركة، ولا سيما تمرين «النجم الساطع»، نظراً لكثرة الدول المشاركة فيها، وما توفره من تبادل للخبرات والمعرفة بين جميع الأطراف المعنية.“
وأضاف قائلاً: ”فهذا التدريب المشترك يعزز عملياتنا المستقبلية، ولقد شاركتُ من قبل في تمارين «النجم الساطع»، وكان لها أثرٌ بالغٌ ودائم، وما زلتُ أجني ثمارها حتى اليوم.“

في الجيزة، شارك فيها عشرات الجنود من 13 دولة. جوزيف كومزاك/الجيش الأمريكي
قام سربٌ بحريٌ من 10 سفن من مصر وقطر والسعودية والولايات المتحدة واليونان وإيطاليا بدوريات على سواحل مصر الشمالية، وكان السرب مقسماً إلى ثلاث فرق مهام، قامت بمهام تقليدية، مثل تدريبات المدفعية، واستعرضت مهاراتها في تفجير الألغام البحرية، ومرافقة القوات البرمائية إلى الشاطئ، وإيصال الإغاثة الإنسانية، واعتراض القوارب التي يستقلها إرهابيون ومهربون.
وحلَّقت أسرابٌ جوية متعددة الجنسيات في تشكيلات، ونفذت عمليات تزود بالوقود جواً بدقة، ونشرت قوات مجوقلة (محمولة جواً)، وتدربت على نقل القتلى والجرحى جواً.
وأسقطت قوات المشاة والمدرعات والمدفعية مسيَّرات العدو وصدت توغلات على الحدود، بينما كان رجال الفضاء السيبراني يعملون داخل خيام مجهزة بأجهزة كمبيوتر، يحمون أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات من الهجمات السيبرانية.
ونجح جنود العمليات الخاصة ،الذين دلت ألوان أزيائهم العسكرية على تعدد بلدانهم، في استعادة قرية احتلها الإرهابيون بعد قفزة مباغتة بالمظلات.
وقال العميد غريب عبد الحافظ غريب، المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية: سيمثل هذا التنوع ميزة تنافسية تفوق التمارين التي تركز على نشاط واحد، ويقدم بذلك فرصة ممتازة لاختبار وتطوير التكامل بين مختلف فروع القوات المسلحة.ز
ومضى يقول: سيقدم تمرين االنجم الساطعب فرصة عظيمة للنهوض بقدرات القوات الأمريكية والمصرية لتنفيذ مهام مشتركة وثنائية لمواجهة جميع أشكال التهديدات النظامية وغير النظامية.ز
وتجلى التعاون الوثيق في التدريبات المتخصصة التي أُجريت في مواقع صغيرة في صحراء اقاعدة محمد نجيب العسكريةب في شمال مصر، إذ تعلم الجنود فيها طرق تفكيك العبوات الناسفة محلية الصُنع، وتثبيت حالة جروح المصابين في ساحة المعركة، وصد المسيَّرات، وتطهير الأنفاق الحدودية، وإصابة الأهداف ببنادق القنص.

وعرض مسعفون أمريكيون في خيمة ساعة الظهيرة طرق إنقاذ الحياة بحضور جنود قيرغيزيين ومصريين، مثل وقف نزيف المصابين في ساحة المعركة.
وشرح الرقيب جوشوا إيمز، من الحرس الوطني لولاية تينيسي التابع للجيش الأمريكي، طريقة استخدام العاصبات لإبطاء تدفق الدم من شريان مقطوع في الساق، وشدد على أهمية السرعة في إجراء ذلك في ظل الفوضى التي عادة ماتعم المعركة.
وقال وهو يشد عاصبة: سفهذا يوقف النزيف، ولكن إذا أبقيتها عليه ساعتين أو ثلاث أو أربع، فقد يفقد ساقه.ز
وكانت قيرغيزستان الدولة الوحيدة من وسط آسيا التي شاركت في التمرين الأمريكي المصري، وأرسلت 14 عنصراً من الكوادر الطبية العسكرية.
وقال المقدم إسماعيلوف أولوكبيك، مدير الإدارة الطبية العسكرية بوزارة الدفاع القيرغيزية: سإن التدريب مع القوات الأمريكية والمصرية والقوات من الشرق الأوسط يمنحنا خبرة في تنظيم الإسناد الطبي في ساحة المعركة، ونُجهِّز حالياً مستشفىً ميدانياً عسكرياً لنشره في عملية حفظ سلام، ولا شك أننا سنستفيد من الخبرة التي اكتسبناها في تمرين االنجم الساطعب.ز
شاركت قوات العمليات الخاصة في تدريبات متطورة في تمرين االنجم الساطعب، بداية من إنقاذ الرهائن في الغارات الخاطفة، ووصولاً إلى إسقاط المسيَّرات بالصواريخ. كما نسَّقت قفزة بالمظلات فوق أهرامات الجيزة، وكانوا من بين ما يقرب من 90 جندياً شاركوا في عملية الإنزال الجوي، ورفع الكثيرون منهم أعلام بلدانهم أثناء نزولهم بالمظلات فوق هذه المعالم الأثرية الشهيرة.
وأكَّد المقدم وليد أبو الغنم، الذي قاد 50 جندياً من قوات العمليات الخاصة الأردنية في تمرين االنجم الساطعب، على أهمية التدريب مع شركاء مثل الولايات المتحدة.
فقال: سإن الشراكة مع الولايات المتحدة تساعد القوات الخاصة الأردنية على صقل مهاراتها للتعامل مع التهديدات الحديثة مثل الحرب السيبرانية وهجمات المسيَّرات والعمليات غير المتناظرة، ولا بدَّ من هذا التكيف في ظل هذه البيئة الأمنية سريعة التغير التي لا يمكن التنبؤ بما سيطرأ عليها.ز

وشاركت القوات المسلحة الهندية بواحدة من أكبر مجموعات المتدربين، إذ أرسلت نحو 600 جندي من جنودها، 137 منهم من الجيش، و137 من القوات الجوية، و302 من البحرية، و23 من مقر القيادة المتكامل لوزارة الدفاع. وشاركت القوات الهندية تقريبا في جميع فعاليات تمرين االنجم الساطعب، كالمناورات الجوية المعقدة مع المقاتلات الأمريكية والمصرية.
وصرَّح العقيد كاران كورانا، قائد القوات الهندية المشاركة في التمرين، بأن الوحدة الهندية عملت في إطار مفهوم افاسودايفا كوتومباكامب ومعناه سالعالم أسرة واحدة.ز
وقال: سيُعد تمرين االنجم الساطعب أكبر وأعرق تمرين متعدد الأطراف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويوفر فرصة ممتازة للتكامل والتعلم بين المشاركين كافة. إن تحقيق التوافق العملياتي مع الدول الشريكة، وتطوير القدرات المشتركة، وضمان التنسيق السلس مع الدول الشريكة ما شجع القوات المسلحة الهندية على المشاركة بهذا الحماس في تمرين االنجم الساطعب لعام 2025.ز
وكان جنودٌ هنودٌ من بين الـ 96 جندياً الذين شاركوا في امنتدى النجم الساطعب برفقة جنود مصريين وقطريين وسعوديين وأمريكيين. واستمرت فعاليات المنتدى على مدار خمسة أيام، وناقش قضايا أمنية بارزة، مثل الذكاء الاصطناعي، والمسيَّرات، والأمن السيبراني، وتقديم المساعدات الإنسانية/الاستجابة للكوارث، والقانون الإنساني الدولي.
ومع أن شطراً كبيراً من التدريب الميداني في تمرين االنجم الساطعب ركز على مواجهة مسيَّرات العدو، فقد أثار المشاركون في المنتدى مسألة لا تقل أهمية عنها، وهي تزويد القوات الصديقة بنفس التكنولوجيا.

وقال أحد الضباط: ساستخدام المسيَّرات والطائرات المسيَّرة أفضل للأفراد، وأفضل من الناحية المالية، فالمسيَّرات تمنحنا، نحن القادة، خيارات كثيرة.ز
وإجمالاً، فقد ساهمت 14 دولة بقوات في الأفرع البرية والبحرية والجوية لتمرين االنجم الساطعب، وأعرب قادةٌ أمثال الفريق باتريك فرانك، قائد الجيش الأمريكي (المشاة) بالقيادة المركزية، عن بالغ سعادتهم بما تجلى في التمرين من مهارات وعمل جماعي.
وقال الفريق فرانك: سهؤلاء الجنود وكل ضباط الأركان سيعودون إلى جيوشهم وبحوزتهم مهارات أفضل اكتسبوها من حضور تمرين االنجم الساطعب ومن مشاركتهم في هذا التمرين الرائع الذي نجريه كل عامين.
عودة القوات اليمنية إلى تمرين «النجم الساطع»
اللواء إسماعيل حسن زحزوح، قائد قوات العمليات الخاصة بالجمهورية اليمنية
إن مشاركة اليمن في تمرين «النجم الساطع» لعام 2025، ممثلةً بقوات العمليات الخاصة اليمنية، ليست مجرد مشاركة في تمرين كسائر التمارين العسكرية، فهي أشبه بعودة الإنسان إلى وطنه وأحبابه، إذ يعود اليمن إلى شركائه الإقليميين والدوليين بعد سنوات من العزلة التي فرضتها الحرب والصراع الداخلي على إثر انقلاب ميليشيات الحوثي الإرهابية.
وتؤكد هذه المشاركة، بعد طول غياب، أن اليمن يستعيد مكانته الطبيعية إلى جانب أكثر من 44 دولة، منها مصر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، في أقوى تمرين عسكري مشترك في المنطقة.
وأتقدم بخالص الشكر والتقدير لأشقائنا في جمهورية مصر العربية على كرم ضيافتهم وحفاوة استقبالهم واهتمامهم بنا. كما نتقدم بالشكر لزملائنا في القيادة المركزية الأمريكية على استضافتهم لنا وإتاحة الفرصة لنا، بعد سنوات من الغياب، للمشاركة في هذا التمرين الدولي المهم، وعلى ما قدموه لنا من دعم طوال رحلتنا من اليمن وحتى وصولنا إلى مصر.
لعودة اليمن إلى تمرين «النجم الساطع» أبعادٌ سياسيةٌ وأمنيةٌ عميقةٌ، إذ تدل على التزام اليمن بدورها المحوري في تأمين ممرات الملاحة الدولية وحماية التجارة الدولية من التهديدات الإرهابية، كتلك الأعمال العدائية التي يرتكبها الحوثيون الإرهابيون المدعومون من إيران.
ووجود اليمن في إطار التعاون الإقليمي والدولي صمام أمان لاستقرار المنطقة، وقد كان لمشاركة قواتنا أثرٌ ملحوظ من خلال التدريب المشترك مع الحلفاء، لا سيما في مجالات مكافحة الإرهاب، والقتال في البيئات الحضرية والصحراوية، والدفاع السيبراني، والاستخبارات، والمسيَّرات.
وهذه المشاركة لا تنهض بقدرات القوات المسلحة اليمنية فحسب، بل وترسل رسالة ثقة وطمأنة للشعب اليمني بأن بلده قادرٌ على النهوض من جديد والتصدي للإرهاب برفقة شركائه.
ونبشر الشعب اليمني بأننا نسعى جاهدين للقضاء على ميليشيات الحوثي الإرهابية التي تُثقل كاهلهم وتحتل شطراً كبيراً من أراضي الجمهورية اليمنية. ولسوف نقضي بإذن الله، وبتعاون أشقائنا وشركائنا الدوليين معنا، على هذه البؤرة الإرهابية.
فنحن شركاءٌ في المنطقة؛ عدونا واحد، ورغبتنا واحدة في نشر الاستقرار في المنطقة لتنعم بالرخاء والتقدم. ولا ريب أننا نتطلع، مع شركائنا في الولايات المتحدة، إلى توسيع آفاق ومجالات التعاون العسكري بما يتجاوز التدريبات والتمارين العسكرية، ونرجو أن يُستأنف التعاون في كافة جوانب الدعم العسكري.
ويُعد تمرين «النجم الساطع» خطوةً مهمةً في هذا الصدد، فقد استطعنا فيه أن نستفيد من تجارب الدول الصديقة وخبراتها، وعلى رأسها الولايات المتحدة. كما رأينا أداءً مميزاً من إخواننا من مصر وبلدان أخرى، وقد استفدنا من ذلك أشد استفادة.
وإننا نواكب أحدث التقنيات والتكتيكات للارتقاء بجاهزية قواتنا، وتمكينها من اتخاذ قرارات سريعة في مختلف البيئات، براً وبحراً وجواً.
أمست الحرب السيبرانية من أهم عناصر حروب الجيل الخامس، وباتت من أبرز الأسلحة المستخدمة في المعارك الحديثة، وقد تعلمنا خلال تمرين «النجم الساطع» تقنيات وتدريبات متقدمة في هذا المجال.
ولا ريب أن ثمة معلومات كثيرة يمكننا الاستفادة منها، لا سيما وأن عدونا يستخدم تقنيات وأساليب سيبرانية متطورة من إيران وبلدان أخرى، غايتها تقويض الأمن في المنطقة. وعلينا امتلاك هذه التقنيات للتصدي لهذا التهديد.
ونأمل أن يشارك اليمن في المراحل الأولية من التمارين المستقبلية، كالتخطيط والإمداد والتموين وشراء المعدات. كما نأمل أن نشارك بقوة وتخصص أكبر وفي أكثر من مجال.
إن معظم الدول المشاركة في تمرين «النجم الساطع» من دول الشرق الأوسط، تجمعها تحديات أمنية مشتركة، ولذلك يُتيح هذا التمرين فرصة للعمل المشترك، سواء أكان ذلك في مكافحة الإرهاب أم الأمن البحري أم العمليات الجوية، ويحاكي سيناريوهات واقعية، فيقدم بذلك فرصة عظيمة لتعزيز العمل في بيئة عملياتية مشتركة من أجل نشر الأمن الإقليمي.
إن عودة اليمن إلى تمرين «النجم الساطع» وغيره من التمارين العسكرية الدولية بعد أكثر من عقد من الزمان ليست مجرد عودة إلى برامج التدريب، وإنما إعادة تمركز استراتيجي تضع اليمن من جديد في شراكات إقليمية ودولية تعمل على حماية الاستقرار الإقليمي، ومواجهة شرور الإرهاب والفوضى التي تُهدد الملاحة الدولية.
