سلطانت بيرديكيفا، أسرة يونيباث
اشترت قيرغيزستان في تشرين الأول/أكتوبر 2021 طائرات عسكرية مسيَّرة جديدة من تركيا لحماية حدودها، وكانت المسيَّرة «بيرقدار» أول استثمار كبير لقيرغيزستان في مجال الطائرات المسيَّرة العسكرية، المعروفة بالطائرات بدون طيار، التي تحلق بدون طيار أو ركاب. وتسلمت كازاخستان بعد شهر واحد فحسب نفس الطائرات المسيَّرة لجيشها في ضوء تنامي التهديدات الأمنية النابعة من أفغانستان.
مع أنَّ الطائرات المسيَّرة ليست بالتكنولوجيا الجديدة على منطقة آسيا الوسطى، فالتوسع في استخدامها في القوات المسلحة يوضح فوائد التكنولوجيا المسيَّرة للأمن القومي. فقد أثارت الضربات التي وجهتها الطائرات المسيَّرة لمنشآت تكرير النَّفط في المملكة العربية السعودية في عام 2019 مخاوف من أنَّ العناصر الخارجة على الدولة يمكن أن تستهدف آسيا الوسطى بهجمات مماثلة. وتبدو حكومات المنطقة أحرص على استخدام الطائرات المسيَّرة لتوسيع ترساناتها الاستطلاعية والدفاعية.
الطائرات المسيَّرة العسكرية
حصلت كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان منذ عام 2016 على طائرات مسيَّرة عسكرية كبيرة الحجم لأغراض المراقبة والرصد بالدرجة الأولى. فقد شوهدت في العروض والتمارين العسكرية في كازاخستان، كما أنَّ كازاخستان تصنع ثلاثة نماذج للطائرات المسيَّرة تُستخدم في الزراعة وإنتاج النَّفط والمسوحات الجغرافية. وتمتلك تركمانستان عدة أنواع من الطائرات المسيَّرة العسكرية، منها «البيرقدار» التركية القادرة على حمل قنابل.
وأكد الرئيس القرغيزي صدير جاباروف أنَّ امتلاك قيرغيزستان الطائرات العسكرية التركية المسيَّرة مؤخراً يقتصر على أغراض الدفاع دون سواها.
فقال: “لم نبتدئ قط خلال 30 عاماً صراعاً مع أحد، ولم نستولِ على أراضٍ أجنبية حاملين أسلحة في أيدينا، ولن يحدث هذا في المستقبل.”
في حين أنَّ أوزبكستان فرضت قيوداً على استخدام أي نوع من الطائرات المسيَّرة، فقد خففت تلك القيود منذ عام 2016؛ وتنشر القوات المسلحة الأوزبكية نوعين من الطائرات المسيَّرة العسكرية لأغراض المراقبة والرصد. ومع أنَّ طاجيكستان لم تكد تكشف شيئاً يُذكر عن استخدامها للطائرات العسكرية المسيَّرة، فقد ورد أنها تستخدم الطائرات المسيَّرة التي تبرَّعت بها الأمم المتحدة في مهام البحث والإنقاذ في المناطق الجبلية.
أدوات جديدة في باقة الأدوات الأمنية
للطائرات المسيَّرة مزايا خاصة لبلدان آسيا الوسطى في إطار جهودها للقيام بدوريات في الأراضي منخفضة الكثافة السكانية، وتنفيذ مشاريع الإصلاح البيئي، ومكافحة تهريب المخدرات، والتصدي لتحرك الإرهابيين عبر الحدود.
ومن المجالات متزايدة الأهمية لاستخدام الطائرات المسيَّرة هي مراقبة مستويات الإشعاع في المواقع القديمة الملوثة باليورانيوم، إذ تتعاون الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع حكومات كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان لتطهير مواقع استخراج اليورانيوم السابقة في وادي فرغانة.
تعتبر فرغانة واحدة من أكثر المناطق المأهولة بالسكان بآسيا الوسطى، وتتعرَّض للإشعاع والمعادن الثقيلة من مناجم اليورانيوم ومكبات النفايات السابقة غير المؤمنة، وتزيد الزلازل والانهيارات الأرضية الشائعة في المنطقة من خطر انتشار التلوث.
تعتبر الطائرات المسيَّرة المجهزة بكاشفات أشعة غاما الأداة الأكثر أمانا وفاعليةً لرصد النشاط الإشعاعي، لا سيما في المناطق الجبلية الوعرة المعرَّضة للزلازل، فهي لا تقلل من خطر التلوث البشري فحسب، بل يمكنها أيضاً جمع البيانات بقدر أكبر من الكفاءة.
تضمنت المرحلة الأولى من مشروع الوكالة رسم خرائط لمواقع اليورانيوم بآسيا الوسطى في عام 2020، وستتولى المرحلة التالية تدريب الكوادر البشرية في المنطقة على استخدام الطائرات المسيَّرة لتنظيف النفايات النووية.
وفي حين أعربت أجهزة تنفيذ القانون في المنطقة عن بواعث قلقها من أنَّ تجار المخدرات يمكنهم أيضاً استخدام الطائرات المسيَّرة، فإنها تنظر أيضاً للطائرات المسيَّرة على أنها أداة فعالة لمكافحة هذه الجريمة.
فقد أبدت إدارة مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية القرغيزية اهتماماً باستخدام الطائرات المسيَّرة للقبض على مهربي المخدرات، إذ يمكن أن تساعد الصور الملتقطة بهذه الطائرات في تحديد أماكن مزارع المخدرات وتوفير معلومات استخبارية حيوية يصعب الحصول عليها بدونها.
قال السيد أندري سيليزنيف، رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في قيرغيزستان: “يعد استخدام الطائرات المسيَّرة في إدارة مكافحة المخدرات أول نهج مبتكر في آسيا الوسطى.”
كما أبدت حكومات المنطقة اهتماماً خاصاً بالطائرات المسيَّرة كأداة لا غنىً عنها للتخطيط للكوارث والاستجابة لها، إذ تختلف مستويات المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي تواجهها البلدان الخمسة؛ ففي حين أنَّ الزلازل هي الأشيع في آسيا الوسطى، فإنها لا تسلم أيضاً من الفيضانات والانهيارات الأرضية والطينية والجليدية.
لا تقتصر فوائد الطائرات المسيَّرة على تحديد مواقع الكوارث، بل يمكنها أيضا نقل اللوازم الحيوية للمواقع النائية إذا كانت مجهزة بما يلزم.
ففي اجتماع عُقد في طشقند في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وافق رؤساء وزارات حالات الطوارئ ببلدان آسيا الوسطى الخمسة على استخدام الطائرات المسيَّرة لمنع الكوارث والاستجابة لحالات الطوارئ. وتأتي اتفاقية «مفهوم استخدام الطائرات المسيَّرة» في إطار «استراتيجية تطوير التعاون للفترة 2022-2030» الأكبر التي وقعتها الحكومات الخمس.
مراقبة حدود أفغانستان
أمست الطائرات المسيَّرة ضرورية أيضاً لحفظ السلام ونشر الأمن على طول الحدود الأفغانية، فلكل من طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان حدود طويلة مع أفغانستان. وقد أثار تشكيل حكومة طالبان في كابول مخاوف من أنَّ المتطرفين العنيفين يمكن أن يشنوا عمليات توغل في دول الجوار.
وهكذا أجرت أوزبكستان عملية استطلاع جوي على طول الحدود الأفغانية بمساعدة طائرات مسيَّرة في آب/أغسطس 2021، وبررت كازاخستان حصولها على مسيَّرات «بيرقدار» من تركيا مؤخراً لأنها تعتبرها وسيلة للرد على أي تهديدات أمنية يشكلها الإرهابيون في أفغانستان.
وبينما ترى بلدان آسيا الوسطى فرصاً في استخدام الطائرات المسيَّرة للأغراض العسكرية والاستخبارية والإنقاذ والحماية المدنية، فإنها تدرك أيضاً أنها يمكن أن تصبح أسلحة قوية في أيدي القوات المعادية، فقد أصبحت الطائرات المسيَّرة التجارية الآن زهيدة التكلفة ويسهل الحصول عليها، وتتزايد المخاوف من أنَّ الطائرات المسيَّرة البسيطة التي يمكن تعديلها للأغراض العسكرية يمكن أن تحمل قنابل لاستهداف الحشود والمواقع والبنية التحتية ذات الأهمية الاستراتيجية أو مواقع القوات.
وتسعى حكومات المنطقة إلى النهوض بالقدرات الفنية والعسكرية لقواتها المسلحة لتوقع التهديدات الناجمة عن هجمات الطائرات المسيَّرة ومنعها والتصدي لها، وتشدد على تدريب القوات على إسقاط المسيَّرات المعادية للدفاع عن المنشآت العسكرية.
ويذهب نفر من المحللين إلى أنَّ بلدان آسيا الوسطى ستستفيد من اتباع نهج موحد لتحقيق التوازن بين الفوائد الأمنية والاقتصادية لتكنولوجيا الطائرات المسيَّرة، وبوسع تلك الحكومات التفاوض على أنواع الطائرات المسيَّرة المسموح بها والمجالات التي يحظر استخدامها فيها.
كما يمكن أن يساعد توحيد سياسات الطائرات المسيَّرة على التصدي لإمكانية انتشار المسيَّرات العسكرية في أيدي العناصر الإجرامية والإرهابية.
التعليقات مغلقة.