سبيل جديد لنزع التطرف
أوزبكستان تهدف إلى مكافحة التطرف العنيف من خلال التأكيد على الإصلاح وليس القصاص
سلطنات بيرديكيفا
أعادت أوزبكستان 98 من مواطنيها من سوريا، من بينهم 73 طفلاً، في كانون الأول/ديسمبر 2020، وكانت هذه الجولة الثالثة من عمليات إعادة المواطنين الأوزبكيين من مناطق القتال الخارجية خلال السنوات الأخيرة، ووفرت السلطات المحلية مساعدات طبية ونفسية لإعادة دمج ما اعتبرتهم مواطنين يعانون من صدمات نفسية شديدة في رحاب المجتمع، كما اعتزمت الحكومة الأوزبكية توفير السكن وفرص العمل والمزايا الاجتماعية لهم وإلحاق الأطفال بالمدارس.
يعتبر سخاء الحكومة الأوزبكية في توفير مساعدات شاملة للعائدين أداة من أدوات نزع التطرف التي تهدف إلى الحيلولة دون نمو التطرف في البلاد، وعملت أوزبكستان منذ عام 2017 على إيلاء الأولوية لإعادة تأهيل المواطنين الأوزبكيين الذين وقعوا ضحية للفكر المتطرف وإعادة إدماجهم في المجتمع.
وجذب هذا التحول الكبير في سياسة الدولة انتباه الأمم المتحدة، فوصفت أوزبكستان بأنها واحدة من البلدان القليلة في العالم التي أعادت مواطنيها، ومعظمهم نساء وأطفال، من مناطق الصراع الخارجية، وتعتبر هذه الخطوات جديرة بالثناء سيما وأنَّ أوزبكستان كانت تفتخر ذات يوم بتشددها تجاه المواطنين الذين يعتبرون متطرفين أو إرهابيين.
فقد شهدت سياسات أوزبكستان بشأن التطرف ونزع التطرف تغيراً كبيراً في عهد الرئيس شوكت ميرزاييف ، الذي تولَّى مهام منصبه في عام 2016، إذ بادر الرئيس ميرزاييف بتخفيف عدد من القيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع والعبادة وشرع في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات.
قانون جديد لمكافحة التطرف
وقَّع الرئيس ميرزاييف على قانون مكافحة التطرف في عام 2018، ويتصف هذا القانون بتفرده بالنسبة لأوزبكستان؛ إذ لم يصدر بها أي تشريع قط يتناول هذا الموضوع على وجه التحديد، وإنما كان يقتصر الأمر قبل ذلك على مواد معينة في قانونها الجنائي تتناول قضية التطرف، ورحَّب جموع المواطنين بالقانون الجديد الذي بيَّن كيفية تعامل الحكومة الأوزبكية مع التطرف.
يقدم القانون الجديد تعريفاً رسمياً لمفهوم التطرف وآليات مكافحته، كما يحدد الجهات الحكومية المسؤولة عن التعامل مع التطرف وأشكال التعاون الدولي لمكافحة هذه الظاهرة.
ويستعرض مجموعة من الإجراءات للحيلولة دون الإرهاب، تشمل رفع الوعي القانوني بين المواطنين حول التطرف وآثاره، ويشدد على عدم التهاون مع التطرف، ويحظر استيراد المواد المحرِّضة على التطرف وإنتاجها وتخزينها وتوزيعها ويحظر مَن يمولها.
كما يوفر آليات قانونية لتصنيف المنظمات على أنها كيانات متطرفة، وتقع مسؤولية القيام بذلك على عاتق المدَّعي العام لأوزبكستان، والمحكمة العليا في أوزبكستان صاحبة الكلمة الأخيرة بشأن المنظمات المزمع تصنيفها على أنها من الكيانات المتطرفة وبيدها السلطة لحظر أنشطتها.
وبرغم الإشادة بالقانون الجديد في أوزبكستان، فقد لاقى انتقادات من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إذ أعربت عن بواعث قلقها من أنَّ بعض بنود القانون تعرِّف التطرف تعريفاً فضفاضاً للغاية، واقترحت أن يكتفي القانون بالتركيز على «التطرف العنيف»، ويتجنب اللغة الغامضة التي يمكن أن تسيء تفسير سلوكيات معينة وتعتبرها سلوكيات متطرفة وربما تؤدي إلى غلو قضائي.
إصلاحات منظومة العدالة
فيما كانت الحكومة الأوزبكية تحظر التطرف بكافة أشكاله وصوره في البلاد، فقد ركَّزت كذلك على مناهج أرفق لإعادة تأهيل المتطرفين الدينيين، ويُنظر إلى الأساليب الجديدة التي تتبناها أوزبكستان على أنها تتحلَّى بقدر أكبر من الدقة والمرونة ولا تغلو في العقاب.
وتشجع سياسات الرئيس ميرزاييف على الرفق في معاملة المتورطين أو المشتبه في تورطهم مع الجماعات والأفكار الدينية المتطرفة. وحرصاً منها على الحد من فرص زيادة التطرف داخل السجون، تحاول السلطات الأوزبكية تقليل عدد المواطنين الأوزبكيين المسجونين بتهم الإرهاب والتطرف.
وبات العفو الرئاسي منذ عام 2018 عن المدانين والمسجونين لارتكابهم أعمال إرهابية ومتطرفة جزءاً من عملية نزع التطرف، وتمت تبرئة المئات في السنوات الأخيرة.
وبالمثل، فقد شطبت الحكومة على مدى السنوات الخمس الماضية أسماء 16,000 مواطن من قائمة المتطرفين الدينيين المشتبه بهم، وأعلن السيد سعيدبيك عظيموف، أمين المظالم بأوزبكستان، في عام 2019 أنَّ الدولة ما عاد لديها قائمة سوداء للمتطرفين وأنَّ لكافة المواطنين الحق في التعبير عن آرائهم بحرية. كما أغلقت السلطات سجن جاسليك الذي كان يضم عدداً كبيراً من الرجال المدانين بالتطرف الديني، كما تواصل الرئيس ميرزاييف مع بعض المنفيين الدينيين المقيمين خارج البلاد ومنحهم الإذن بالعودة إلى أوزبكستان.
وراحت المحاكم في أوزبكستان تصدر أحكاماً أرفق أو مخففة عند الحكم على المواطنين الذين وقعوا تحت تأثير الأفكار الإسلامية المتطرفة، إذ اعتاد القضاة قبل عام 2016 على إصدار أحكام بالسجن تتراوح من خمس سنوات إلى 15 سنة على المرتبطين بتنظيمات متطرفة، في حين يكثر القضاة اليوم من إصدار أحكام مع وقف التنفيذ أو يكتفون بإصدار أحكام بالسجن لمدة خمس سنوات، بل يفرجون عن المتهمين أحياناً تحت إشراف مؤسسات عامة ملتزمة بمكافحة التطرف.
التركيز على الشباب
وكما هو شأن حكومات أخرى في وسط آسيا، يتزايد إدراك السلطات الأوزبكية لأهمية التركيز على تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للشباب، الذين كانوا من أبرز الأهداف التي ركَّزت عليها التنظيمات الإسلامية المتطرفة. وذكر السيد فلاديمير نوروف، مدير معهد الدراسات الاستراتيجية والأقاليمية التابع لرئيس جمهورية أوزبكستان، أنَّ ما يربو على 60% من سكان أوزبكستان من الشباب، وهكذا تعتبرهم الحكومة ”مورداً استراتيجياً للدولة“ وتولي اهتماماً كبيراً ببرامج تنمية الشباب.
ومثال ذلك إنشاء اللجنة المعنية بشؤون الشباب التابعة للغرفة التشريعية بالبرلمان الأوزبكي، ويركز المسؤولون داخل السلطة التنفيذية على القضايا الاجتماعية وتربية الشباب دينياً.
وفي إطار أجهزة إنفاذ القانون، يتولَّى أحد نوَّاب وزير الداخلية مسؤولية قضايا الشباب، ويضم اتحاد الشباب بأوزبكستان أكثر من 10 ملايين عضو وعضوة، ويعمل على تقديم الدعم للأطفال الذين أغوت الجماعات الدينية المتطرفة آباءهم.
تحسين التعليم الديني
أولت الحكومة الأوزبكية على مدار تاريخها اهتماماً خاصاً بكيفية تدريس الإسلام في البلاد، إذ خففت أوزبكستان نهجها في التعليم الديني منذ عام 2016، مع أنه ما يزال يخضع لإشراف حكومي صارم، وما يزال النظام التعليمي علمانياً صارماً.
وشهدت أوزبكستان خلال السنوات الأخيرة ازدهاراً نسبياً في المؤسسات التعليمية الإسلامية، لا سيما مع تأييد الرئيس ميرزاييف لما يسميه “الإسلام المستنير.” فبدلاً من قمع الإسلام، غيَّر الرئيس ميرزاييف النهج القديم المتمثل في نبذ الدين وقمعه من خلال تبني التعليم الديني وتحسين جودته.
وعلاوة على توفير قدر أكبر من الحرية الدينية للمواطنين، فإنَّ هذا التعليم يهدف إلى دحض الأفكار المتطرفة الهامشية من خلال توعية الشباب بالجوهر السلمي للإسلام والتراث الغني لعلماء المسلمين المتقدمين، أملاً في أن يكون الشباب الذي يعي المعنى الحقيقي للإسلام أقل عرضة للتأثر بالحركات المتطرفة.
وظهرت منذ عام 2017 مؤسسات تعليمية إسلامية جديدة في أوزبكستان؛ ومثال ذلك إنشاء مركز الإمام الترمذي الدولي للبحوث في طشقند في عام 2017 “لنشر الجوهر الحقيقي للإسلام والقرآن والحديث.” وكان الدافع ذاته وراء إنشاء أكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية بجامعة طشقند الإسلامية في عام 2018 بموجب مرسوم رئاسي، وجاري العمل على إنشاء مركز الحضارة الإسلامية في العاصمة في إطار مبادرة من الرئيس ميرزاييف، ويهدف المركز إلى أن يغدو مؤسسة تعليمية وتثقيفية مؤثرة على الصعيدين الوطني والعالمي.
وبصرف النظر عن خلق مزيد من الفرص للمواطنين لدراسة الإسلام، تدير أوزبكستان مؤسسات تعليمية ثانوية وجامعية متخصصة في تخريج المفتين والأئمة والعلماء وفقهاء الإسلام، ويغني تخريج رجال دين مؤهلين خير تأهيل في الداخل عن الحاجة إلى ابتعاثهم للدراسة في الخارج.
وترى حكومة أوزبكستان في هذه الجهود سبيلاً لردع المتشددين الذين يحاولون إضعاف ولاء الدولة التاريخي للمذهب الحنفي بالإسلام السني، المعروف بالتسامح مع مختلف الطوائف ومخاطبة العقل.
كما تعمل عدة مشاريع تجريبية على إشراك المواطنين الحريصين على الإلمام بأمور دينهم، إذ افتتحت الشرطة المحلية في منطقة المزار بطشقند مركزاً استشارياً يعمل فيه فقهاء وعلماء وأئمة من ذوي الخبرة، ويمكن لأي من أهالي طشقند الاتصال بالمركز دون الكشف عن هويته لاستفتاء المشايخ في أمور الدين، بما في ذلك تفسير آيات القرآن.
الخاتمة
شرعت أوزبكستان منذ عام 2016 في إجراء إصلاحات تعليمية واقتصادية واجتماعية وديمقراطية كبيرة وشهدت جهوداً كبرى لتحرير البلاد في عهد الرئيس ميرزاييف، وتعد معظم هذه التغيرات ظاهرة جديدة على هذه الدولة الواقعة في وسط آسيا، وتشمل الإصلاحات قانوناً لمكافحة التطرف، وتنفيذ سياسات أرفق لنزع التطرف، وإعادة المواطنين الأوزبكيين من مناطق القتال الخارجية، وتخفيف القيود على الممارسات الدينية، ونشر قيم التراحم والسلام في الإسلام.
وترمي هذه السياسات في المقام الأول إلى منع التطرف والإرهاب ونشر قيم التسامح الديني، فكثيراً ما تسبب التشدد في معاملة الإرهابيين والمتطرفين المشتبه بهم في الماضي، كإصدار أحكام بالسجن لمدد طويلة وحظر الشعائر الإسلامية، في إغضاب المجتمع وشعوره بالعزلة.
ومن المحتمل أن يعود التحرير الحالي للتعليم الديني والرفق في نزع التطرف بخير جليل على الأمن القومي لأوزبكستان على المدى الطويل، ومع أنَّ نفر من المنتقدين يذهبون إلى أنَّ هذه الإصلاحات لا تكفي، نقول لهم إنَّ التقدم لا يمكن أن يأتي دفعة واحدة.
وقد حسَّنت أوزبكستان مواقفها وسياساتها تجاه التطرف والحرية الدينية والتعليم الديني تحسناً ملحوظاً في أقل من خمس سنوات، وتعتزم مواصلة البناء على هذه النجاحات.
نبذة عن الكاتبة: ولدت سلطنات بيرديكيفا في قيرغيزستان، وهي كاتبة ومحللة ومدونة في شؤون الاقتصاد وسياسة الطاقة والأمن في آسيا الوسطى والشرق الأوسط والولايات المتحدة
التعليقات مغلقة.