رسالة قائد مهم
أشكر القيادة المركزية الأمريكية على إتاحة الفرصة لي لأكتب المقال الافتتاحي لهذا العدد من مجلة يونيباث المخصص للسلام وتطوير السياسات الخاصة بمكافحة الارهاب، فالمملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الامين الأمير محمد بن سلمان، إحدى أكثر الدول مساهمةً في الجهود الدولية الهادفة الى تعزيز السلم ووأد الارهاب.
كمسلمين سعوديين، فاننا لانجد أنفسنا مسؤولين عن حماية المقدسات الاسلامية فحسب، بل نحن كذلك مسؤولون عن تطهير الاسلام من الدرنات الفكرية التي الصقها به قادة الارهاب من خلال إساءة التعامل مع النصوص المقدسة وتطويعها لخدمة مصالح دنيوية دنيئة.
ويقيناً ان من شرفهم الله بانتخاب نبي الرحمة من بينهم قادرون على حماية الرسالة السماوية ومنع كل من يحاول العبث بها وتسخيرها لممارسة التطرف والعنف والارهاب. ونحن، في المملكة العربية السعودية أدركنا مبكرا ان الحملات العسكرية العنيفة لمكافحة الارهاب قد لاتحقق هدفها المنشود في السلم والاستقرار مالم تتزامن مع حملات فكرية تعيد المتطرفين المنحرفين فكرياً الى جادة الصواب، إذ تأكد لدينا ان كثير من الارهابيين مغرر بهم وقليلي معرفة بكنه الاسلام ومبادءه الانسانية السامية، وعليه شعرنا إن اعادة تأهيل من يمكن تأهيله منهم واجب وطني وانساني.
ومن أجل هذا الغرض، شرعت القيادة الحكيمة في المملكة العربية السعودية بتأسيس أربعة مراكز فكرية لمكافحة الأفكار الاسلاموية المتطرفة في غضون عقد من الزمن كان أولها مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية الذي تم تأسيسه عام 2007 بهدف اعادة تأهيل “الجهاديين” العائدين من القتال خارج السعودية واعادة دمجهم بالمجتمع، وآخرها مركز الحرب الفكرية الذي أسسته وزارة دفاع المملكة عام 2017 وهو مركز دولي يختص بمواجهة ودحض الافكار المتطرفة وترسيخ مفاهيم الاسلام الانسانية السامية.
تبنت دول أخرى مؤخرا السياسة السعودية الخاصة بالجانب الفكري في معركة مكافحة الارهاب، فبدأت تستعيد مواطنيها وذويهم من النساء والاطفال المسجونين او المحتجزين في مخيمات في دول اخرى لالتحاقهم بمنظمات ارهابية دولية ،بما فيها منظمة داعش في العراق وسوريا، وتأسياً بالتجربة السعودية، تزجهم في مراكز مدعومة حكومياً لاعادة تأهيليهم فكريا ونفسيا، كأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان وغيرهم.
وكقائد في القوة الجوية الملكية السعودية، لاحظت أيضا أن الأمن الذي يتمتع به المواطن السعودي لم يكن ليستتب لولا تركيز السلطات السعودية، بالتعاون مع شركائنا الدوليين،على دحض الخطاب الارهابي وتتبع ثم تجفيف مصادر الارهاب المالية ومواجهة أساليب الارهابيين التعبوية المتغيرة على الدوام في محاولة منهم للتكيف بعد كل هزيمة عسكرية يتلقونها.
أخذت تكتيكات المنظمات الارهابية اشكالا مختلفة وتطورت لتتماشى مع تطور الظروف المحيطة. كانت المنظمات الارهابية تتبنى السرية المطلقة في عملياتها كي يتفادى عناصرها ملاحقة قوى الامن من خلال الاختباء بين السكان، وكانت تنشط في الفضاء الالكتروني لتضخيم حجم عملياتها وإطلاق حملات تجنيد المزيد من الارهابيين. لكن بعد إحتلال داعش لمدن في العراق وسوريا في منتصف عام 2014، تجرأ الارهابيون على الظهور الى العلن. وعندما أعلن التحالف الدولي لهزيمة داعش الحرب عليهم، قاتلوا بأ سلوب حرب المدن ووظفوا أقذر الحيل في التفخيخ ولم يزعهم اي وازع أخلاقي او انساني او ديني فالغاية لديهم تبرر الوسيلة.
لكن بعد أن هزمت داعش، غيرت تكتيكاتها مرة أخرى إذ إنفَلّ الكثير من مقاتليها وتحصنوا في جحور وانفاق في الصحاري والجبال بعيدا عن المراكز المدنية. تبنوا حرب العصابات اي “اضرب واهرب” :خلايا صغيرة تنتخب أوقات معينة لمهاجمة أهداف بعيدة ومعزولة غايتها استنزاف قوى الامن. تحتاج الجيوش النظامية لكسب هكذا نوع من الحرب غير المتناظرة الى المواظبة على العمل المشترك وتبادل الخبرات والتجارب في تنسيق عملياتها وابتكار التكتيكات التي تلائم حرب العصابات.
لكل تكنلوجيا، ثمة استعمال مزدوج وقد أكد الارهابيون انهم قادرون على توظيف اي تكنولجيا طارئة كالطائرات المسيرة والفضاء السيبراني لخدمة مشاريعهم الهدامة. ولاسبيل لهزيمة هكذا شر مستطير الا بالعمل الجماعي والتواصل الدائم بين المؤسسات المعنية بمكافحة الارهاب في كل دول العالم اذ وكما يقول المثل “اليد الواحدة لاتستطيع التصفيق.”
كذلك يجب ان يمارس المجتمع الدولي كل الضغوط الممكنة على حكومات الدول التي تدعم الارهاب ومنعها من الاستمرار بسياساتها الرامية الى زعزعة الامن والسلام في المنطقة.
وإيمانا منها بأهمية الشراكات الدولية لمكافحة الارهاب، لم تتخلف المملكة عن الانضمام لجميع التحالفات الدولية لهزيمة قوى الارهاب والظلام، بل بادرت كذلك الى تشكيل تحالفاتها المتعددة الجنسيات.
ففي نهاية عام 2015 إستجابت 41 دولة اسلامية لدعوة ولي العهد الامير محمد بن سلمان وانضمت للتحالف الاسلامي العسكري الذي اتخذ من مدينة الرياض مقرا له. من بين أهم أهداف التحالف تعزيز قيم الاعتدال والوسطية والتسامح التي نصت عليها الرسالة الاسلامية ومحاربة الخطاب الاعلامي للمنظمات الارهابية لتحقيق الامن والاستقرار في ربوع الدول الاسلامية.
من بين أهداف التحالف الاسلامي العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية أيضاً التنسيق مع المنظمات الدولية المهتمة بأمن المنطقة، بما فيها القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى والقيادة العسكرية الامريكية في أفريقيا، لإحلال السلام في المناطق التي زعزعت أمنها المنظمات الارهابية: نتوقع ان يحشد المجتمع الدولي لدعم الجهود العراقية للتعافي وإجتثات الفكر المتطرف والمنحرف الذي خلفته داعش.
وأخيراً فالسلام، من وجهة نظرنا، يقترن بالعدالة الاجتماعية، فان وجدت وجد وان غابت غاب. غياب العدالة الاجتماعية يؤدي الى النقمة ويجعل الفرد الناقم عرضة لكل الافكار الهدامة بما فيها افكار التطرف العنيف، لذا على الدول التي يهدد التطرف العنيف مجتمعاتها أن تعمل على إزالة أسباب التطرف وليس فقط التخلص من المتطرفين والارهابيين. أسباب التطرف قد تكون اجتماعية او اقتصادية او سياسية او نفسية. ومثلما تنشئ دول العالم تحالفات عسكرية وسياسية للقضاء على الارهاب والارهابيين، عليها أيضا ان تتعاون فيما بينا وتتبادل الخبرات والتجارب الناجحة في ازالة اسباب التطرف العنيف.
صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
نائب وزير الدفاع السعودي
التعليقات مغلقة.