أصدر مجلس التعاون الخليجي رؤيته للأمن الإقليمي في عام 2024، وهذه هي المرة الأولى في تاريخه الممتد لـ 44 عاماً التي يطرح فيها مثل هذه الرؤية للعلن.
فقد كان في السابق يسترشد برؤية مماثلة في سياساته، لكنه لم ينشرها قط، ولا بدَّ أن أقول إن هذه الرؤية تُراجَع أيضاً كل ثلاثة أشهر أو نحو ذلك، وذلك للاستفادة من تجارب جميع أجهزة مجلس التعاون المعنية، كالمؤسسات العسكرية والأمنية ووزارات الخارجية، وفي الآونة الأخيرة ساهمت الأجهزة الاقتصادية والبيئية أيضاً في تحديثها.
وتعتمد على إطار عمل أوسع للأمن الإقليمي، لم يُنشر بعد، ومصفوفة أوسع بكثير للتهديدات الحالية والمحتملة والناشئة، وكيفية تعامل المجلس معها، وهذه المصفوفة أيضاً غير منشورة، لكنها تُحدَّث كل ثلاثة أشهر تقريباً.
والرؤية المنشورة عبارة عن دليل يوضح منهاج دول المجلس في الاضطلاع بدور جديد لتسخير قوتها الاقتصادية والاستراتيجية في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار الإقليمي، وهذا يشمل طريقة التعامل مع الصراع في غزة، والمنهج الجديد الذي أُطلق هذا العام للتعامل مع إيران، وعدد متزايد من الصراعات الإقليمية.
كما تُقدِّم الرؤية إرشادات عن تعامل المجلس مع عدة قضايا متداخلة، كالإرهاب، والهجمات السيبرانية، وأمن الطاقة، والأمن الغذائي والمائي، وتغير المناخ.
وإنما تقوم رؤيتنا أولاً على مبدأ احترام القانون الدولي، وكذلك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الإنساني الدولي، وينطوي ذلك على عدم الكيل بمكيالين، بل الامتثال للقانون الدولي بحذافيره. إذ كان ذلك مثار خلاف في عدة صراعات في المنطقة، مثل صراع غزة وخلافاتنا مع إيران.
ثانياً، تُعزِّز رؤيتنا العمل متعدد الأطراف والعمل الإقليمي، ومن الجلي، من وجهة نظر منظمة إقليمية، أننا نؤمن إيماناً راسخاً بتعددية الأطراف، وبالإقليمية أيضاً.

ثالثاً، نحترم سيادة الدول، واستقلالها السياسي، وحدودها الدولية، وسلامة أراضيها، وهذا لا ينطبق على أوكرانيا وحدها، بل على هذه المنطقة أيضاً.
ونهتدي أيضاً بتقاليد هذه المنطقة المتمثلة في حُسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجيراننا، كما نؤمن بحل النزاعات بالوسائل السلمية والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد والوعيد.
وأخيراً، نحن مستعدون للتعاون والتوسط في حل النزاعات، وهذا جديد على مجلسنا، فقد أمسى إحلال السلام وإرساء السلام سلاحاً من أسلحته، ونطبق مبدأ الربح للجميع، لا مبدأ الرابح والخاسر، ونسعى إلى إشراك الجميع في هذه الفلسفة، بحيث لا ندع طرفاً من الأطراف يستأثر بكل المنافع، بل نوسعها ونعممها على الجميع.
أما القضية التالية، فهي أمن مجلس التعاون الخليجي، أي الأمن الداخلي للدول المشاركة، والأمن الإقليمي، والأمن الدولي، وكيف يرى المجلس نفسه مساهماً في كل هذه القضايا.
وعلى صعيد الأمن الإقليمي، نعرب عن استعدادنا لاتخاذ خطوات طموحة ومبتكرة من خلال شراكات إقليمية في سبيل إرساء سلام مستدام. وهنا عرضنا صفقتين كبيرتين وعدداً من الحلول الأخرى للصراع الإقليمي.
فأما الصفقة الكبرى الأولى، فهي مبادرة السلام العربية لحل الدولتين ودمج إسرائيل في المنطقة باعتبارها شريكاً من الشركاء.
وأما الصفقة الكبرى الثانية، فإنها تحث إيران على الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي واحترام المبادئ التي ذكرتها آنفاً، فإن فعلت، فمجلس التعاون الخليجي مستعد لأن يخطو الخطوة التالية لدمجها وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي معها.
كما يلتزم المجلس بالازدهار المشترك، أي إننا نعتقد أننا قادرون على أن نعين جيراننا على الازدهار والحياة الكريمة، ولا نطالب إلا بالالتزام بالمبادئ الأساسية التي تقدمت.
كما نؤمن بأننا، بالتعاون مع جيراننا، قادرون على تحويل تحديات اليوم إلى فرص للتنمية والازدهار. ومهما بلغت التحديات، سواء في غزة أكانت أو في لبنان أو في سوريا أو في اليمن أو في السودان، يمكن حلها عند الالتزام برؤية مجلس التعاون الخليجي.
جهود مجلس التعاون الخليجي المشتركة لتعزيز الأمن الإقليمي
1. البناء على الجهود التي بذلتها دول مجلس التعاون الخليجي في حل الخلافات بطريق المفاوضات والدبلوماسية والحوار.
2. تكثيف العمل للقيام بدور قيادي مؤثر لتجنيب المنطقة ويلات الحروب، وحل الأزمات الإقليمية، ودعم جهود الوساطة، والدعوة إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وصون سيادة دول المنطقة ووحدتها وأمنها، والتصدي للتدخلات الخارجية.
3. تفعيل مبادرة السلام العربية ومساندة الجهود الدولية الرامية إلى التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.
4. دعم الجهود الدولية والإقليمية للحفاظ على نظام حظر الانتشار النووي وإخلاء منطقة الشرق الأوسط، بما فيها منطقة الخليج، من أسلحة الدمار الشامل.
5. نصرة الدول في حقها في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية في إطار الاتفاقيات الدولية والالتزام بمعايير السلامة النووية.
6. تأمين الممرات البحرية والمائية، وردع الأنشطة التي تهدد ممرات الملاحة البحرية والتجارة الدولية وإمدادات الطاقة، ومكافحة التهريب. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق النهوض بالقدرات الداخلية، وتعضيد الشراكات الإقليمية والدولية، ودعم آليات التعاون والتنسيق إقليمياً ودولياً لتعزيز المصالح الاستراتيجية المشتركة.
7. تعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتطرف بكافة أشكاله وصوره، وحث الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى على العمل بنهج شامل، قائم على التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الدول، ومكافحة جميع أشكال الإرهاب والتطرف، ولا ينبغي ربط الإرهاب والتطرف بدين أو شعب أو عرق معين.
8. العمل على تجفيف منابع الإرهاب وتمويله، والحرص على التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين الآخرين لتحسين الأطر والممارسات القانونية لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.
9. المطالبة بتجريم الجماعات التي ترتكب أعمالاً إرهابية، بغض النظر عن انتماءاتها السياسية أو الطائفية، أو علاقاتها بمؤسسات الدولة، والامتناع عن نصرة الميليشيات الإرهابية والجماعات الطائفية وعن تمويلها وتسليحها.
10. رفع مستويات الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم السيبرانية.
11. تعزيز الشراكات الدولية للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتسوية الأزمات المزمنة، وتعضيد الآليات القانونية الإقليمية والدولية، وإنشاء منبر للمفاوضات المباشرة لرأب الصدع بين أطراف الصراع.
12. الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين، وتجنيب العالم أضرار تقلبات السوق وتوقف سلاسل الإمداد العالمية.
13. تكثيف العمل لإيجاد حلول مثمرة لتحديات تغير المناخ عن طريق العمل بمنهج واقعي ومسؤول ومتوازن.
14. العمل بمنهج اقتصاد الكربون الدائري، إذ يعزز تطوير موارد الطاقة المتجددة والاستخدام الأمثل للهيدروكربونات بتقنيات نظيفة للتعامل مع الانبعاثات.
15. مواجهة التحديات المستقبلية للأمن المائي والغذائي.