حماية المدنيين من الجرائم الإلكترونية
وزارة الداخلية العراقية تلاحق الإرهابيين وتجار المخدرات والمبتزين العاملين عبر الإنترنت
لطالما وجد المجرمون سبيلاً لاستغلال التقنيات الحديثة، وليس الإنترنت استثناءً لهذه القاعدة. فقد بات معظم مستخدمي الكمبيوتر في زماننا هذا على دراية بمصطلحات جديدة كالتصيد والاحتيال والأبتزاز الإلكتروني. ومع حداثة هذه المصطلحات، فإنَّ غايات الجريمة الإلكترونية ليست بالحديثة – وهي السرقة والإكراه والابتزاز. وقد خطت الحكومات وشركات الأمن السيبراني الخاصة خطوات ثابتة ولكن يعوزها التنظيم والتنسيق منذ ظهور الفضاء السيبراني، لمكافحة هذا الاتجاه الأخير في النشاط الإجرامي. وتأسياً بشارلوك هولمز في العصر الحديث، يستخدم خبراء الأمن السيبراني باقة من الأدوات التقنية والأساليب التجسسية لتعقب مرتكبي الجرائم الإلكترونية والإيقاع بهم. وهكذا التقت مجلة يونيباث باللواء سعد معن، مدير العلاقات العامة بوزارة الداخلية العراقية، وحدثنا عن الإنجازات الكبيرة والتحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية في ملاحقة الجريمة الإلكترونية.
يونيباث: ما الأسباب التي تجعل العراق عرضة للجريمة الالكترونية؟
اللواء سعد معن: عادةً ما يوظف الأشرار التقنيات والابتكارات الحديثة التي وجدها الإنسان لخدمة الإنسانية ويستخدمونها لتنفيذ جرائمهم. فإذا نظرنا للوراء سنجد أنَّ لكل أداة أو آلة صنعها الإنسان منذ نشأته الأولى وحتى يومنا هذا استعمالين: خير وشر. ويتضمن ذلك ابتكارات من الفأس إلى السكين إلى البندقية إلى المحرك إلى الطاقة الذرية. والتطور الذي جلبه العصر الرقمي ليس استثناءً لهذه القاعدة، فالأضرار التي يجلبها التقدم التكنولوجي تتناسب مع مدى استعمال تقنياته، ولسوء الحظ فإنَّ العراق كان معزولاً عن العالم قبل عام 2003 نتيجة للعقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن على النظام السابق وانشغالنا بمكافحة الإرهاب الذي ابتُلينا به بعد ذلك، إضافة إلى مشاكل أخرى. وقد منعتنا كل هذه الأسباب من توظيف آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الرقمية في قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة والتجارة وحتى الأمن. ولهذه الأسباب وجد مرتكبو الجريمة الإلكترونية بيئة هشة لأنشطتهم الإجرامية في الخداع والابتزاز والتهديد والجرائم الافتراضية الأخرى الناتجة عن سوء استعمال قنوات التواصل الاجتماعي.
يونيباث: ما التحديات التي تواجه رجال الأمن في ملاحقة هذه النوعية من المجرمين؟
اللواء سعد معن: يتمثل التحدي الأكبر في أنه ليس لدينا قانون خاص بتفاصيل الجريمة الإلكترونية حيث اضطررنا للرجوع لقانون العقوبات السابق، ممَّا أدى في بعض الأحيان إلى استغلال غياب القانون لردع الجرائم الإلكترونية.
وبرغم تفشِّي هذه الجرائم في كل بقاع العالم وسن قوانين خاصة لردعها، لم يُشرَّع قانون في العراق لردع الجرائم الإلكترونية أو الحد منها، وهذا تحدٍ كبير لرجال الأمن، ونحن نتطلع لتشريع قانون يعطي للقضاء ما يستند إليه في الحكم على مجرمي هذا النوع من الجرائم ولرجل الأمن الصلاحية القانونية في ملاحقة وإلقاء القبض على مرتكبي الجرائم الالكترونية.
وكبديل عن غياب القوانين الرادعة، نستند حالياً في مقاضاة هكذا جرائم إلى المواد القانونية المنصوص عليها في قانون العقوبات لعام 1969. لكن قانون العقوبات هذا، وكما يدل عنوانه، صادر عام 1969 ورغم أنَّ تعديلات طرأت عليه بعد ذلك التاريخ لكن أغلبها كان سابقاً للعصر الرقمي وغير شامل لعقوبات جنائية للجرائم الالكترونية، ممَّا جعل رجال القانون والقضاء محدودي الصلاحيات للمحاسبة على جرائم حديثة. إنَّ إعادة تأويل المواد القانونية القديمة في محاكمات هذا النوع من الجرائم عادة ما ينتهي بعقوبات مخففة أو حتى تبرئة المجرمين؛ لأنَّ الفقرات القانونية محددة بقضية التهديد المباشر وليس الابتزاز الإلكتروني. وفي حال اكتمال كل الأدلة الجنائية للجريمة، فقد يُحاكم المتهم بالسجن لمدة لا تزيد على سبع سنوات كحد أقصى.
يونيباث: صف لنا طبيعة هذه الجرائم.
اللواء سعد معن: هناك نسبة قليلة من هذه الجرائم يقوم بها أشخاص لغرض الانتقام بسبب علاقة فاشلة أو شراكة عمل انتهت بمشكلة؛ إذ يعرف الجاني الضحية ويعرف العنوان ورقم الهاتف وتفاصيلاً قد يستخدمها بالابتزاز، وهذا نوع محدود وسهل التوصل إليه. لكن هناك جرائم عديدة يقوم بها مجرمون متمرسون أو عصابات جريمة منظمة للابتزاز وهذا النوع هو الأخطر والأكثر شيوعاً. على سبيل المثال، تلقينا شكوىً من فتاة كانت ضحية لجريمة ابتزاز، فقمنا بمتابعة المتهم من خلال تعاون قيادة شرطة بغداد مع استخبارات وزارة الداخلية، فألقينا القبض عليه، وبعد فحص هاتفه المحمول من قبل الفنيين في دائرة الأدلة الجنائية وجدنا أكثر من 60 جريمة ابتزاز وصور لفتيات دون السن القانونية.
يونيباث: ما حجم مشكلة الجرائم الالكترونية؟
اللواء سعد معن: الابتزاز الالكتروني موضوع مهم جداً ويثير القلق لدى رجال الأمن جميعاً. فقد يتصور البعض أنَّ عمل وزارة الداخلية يقتصر على ملاحقة المجرم وإلقاء القبض عليه بعد وقوع الجريمة، لكن بالتأكيد هذا التصور خاطئ؛ إذ تلعب الوزارة دوراً كبيراً في الأمن المجتمعي، وهذا يعتمد على منع وقوع الجريمة وليس فقط مطاردة المجرمين بعد ارتكاب جرائمهم. ومن خلال خبرتنا الميدانية وتواجدنا في المجتمع والنشاطات التي يقوم بها منتسبو الوزارة إضافة إلى التقارير التي تصلنا نلاحظ أن الجريمة الالكترونية هي الوعاء الذي يحوي بداخله بقية الجرائم. إذا تحدثنا عن القتل والتهديد والمخدرات وبقية الجرائم، سنرى دوراً كبيراً للجريمة الالكترونية في جميع هذه الجرائم؛ لأنَّ خدمة الإنترنت سهَّلت على المجرمين التنسيق فيما بينهم عن بُعد وأعطتهم القدرة على إخفاء هوياتهم من خلال فتح حسابات بأسماء وهمية من أجهزة ومواقع مختلفة.
بعيداً عن لغة الأرقام فإنَّ الدوائر المختصة في وزارة الداخلية، من خلال أقسام الجرائم الالكترونية ومديريات وأقسام تكنولوجيا المعلومات والتعاون المثمر من قبل المواطنين، تمكنت من حسم العديد من قضايا الابتزاز الالكتروني والإيقاع بالمجرمين في هذا النوع من الجرائم وإحالتهم إلى القضاء.
يونيباث: ما طبيعة العلاقة بين مرتكبي هذا النوع من الجرائم والجماعات الإرهابية؟
اللواء سعد معن: عندما نتحدث عن الجرائم الالكترونية، فهناك دول ومنظمات تدعم الأنشطة التخريبية والتجسسية لتحقيق مصالحها أو الإضرار بأعدائها. وبالتأكيد هناك أنشطة إرهابية على الفضاء الالكتروني للتجنيد والتمويل والابتزاز. إنَّ الجريمة الالكترونية نوع جديد من جرائم العصر (إن صح التعبير) استُخدمت فيها تكنولوجيا المعلومات والتطور الرقمي من خلال خدمة الإنترنت الواسعة. وكما المجرمين الآخرين، فالإرهابيون يستغلون مواقع التواصل الاجتماعي للإيقاع بضحاياهم من الجهلة والمغرر بهم بطرق التحايل العديدة؛ إذ يوظفون الجريمة الإلكترونية بشكل عام وجرائم الابتزاز بشكل خاص للإيقاع بمجنديهم من خلال وعود بمستقبل أفضل، وعود تبيَّن كذبها فيما بعد.
وإن اختلفت الأهداف بين هذين النوعين من الجرائم – الجرائم الإرهابية وجرائم الابتزاز – لكن في نظر القانون المجرم هو شخص يمارس الجريمة لمصلحة فردية أو جماعية على حساب المجتمع الأكبر سواء أكانت بدوافع سيكولوجية أو اقتصادية أو أيديولوجية مخالفاً بذلك القوانين الوضعية والعرفية والسماوية؛ ممَّا وحَّد صفوف قوات الأمن بمختلف تشكيلاتهم للتصدِّي للجريمة أياً كان نوعها وشكلها ودوافعها.
يونيباث: في حالة إبلاغ الضحية عن الجريمة، كيف يتم مراعاة الخصوصية الفردية وعدم الكشف عن هوية الضحية؟
اللواء سعد معن: بكل تأكيد إنَّ هوية الضحية تبقى طي الكتمان، ونحن في وزارة الداخلية حريصون على أن يَقدِم الضحية الى دوائر الوزارة ويُبَلّغ عن تعرضه إلى هذه الجريمة بكل ثقة، ودائماً ما نؤكد في نشراتنا الإعلامية وأرقام هواتفنا الساخنة المعلنة في هذا الموضوع على أهمية الحفاظ على السرية وإرسال تطمينات إلى الضحية بهذا الخصوص.
وتلعب دائرة العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية دوراً كبيراً ومهماً جداً في التصدِّي للجريمة الالكترونية عموماً وجرائم الابتزاز خصوصاً بعد إطلاق حملة #بنتنا_تهمنا التي أخذت حيزاً كبيراً في الإعلام في مجال التثقيف لكل شرائح المجتمع وبالأخص بناتنا من المراهقات واللاتي يمرُّن بمرحلة خطيرة من أعمارهن إلى ضرورة التنبه من الوقوع بشرائك وحبال المجرمين وكشف كل طرق التحايل في هذا المجال وتشجيع الضحايا على سرعة مراجعة دوائر وزارة الداخلية المختصة للإبلاغ عن الجناة.
يونيباث: صف لنا البرامج القائمة لحماية المراهقين والمراهقات.
اللواء سعد معن: قبل ثلاث سنين بدأنا بحملة لتوعية المجتمع وتحصينه من الابتزاز الإلكتروني ونشرنا وسمة #بنتنا_تهمنا على تويتر، وكانت هناك وقفة جادة من قبل مجلس القضاء الأعلى. وكان التحدي الذي نواجهه باستخدام جريمة التهديد هو أنَّ القانون ينفذ في حال رفع شكوى من قبل الضحية وخلاف ذلك تغلق القضية. لكن دعم السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى بالتعمق بالتحقيق وعلى أرضية “الحق العام” القانونية تتم محاسبة المجرم حتى في غياب رفع دعوى ضده من قبل الضحية. فكان هذا بمثابة نقطة تحول في ملاحقة الجريمة الإلكترونية نتج عنه انخفاض كبير في جرائم الابتزاز الإلكتروني. وخصص رجال مديرية مكافحة الأجرام الخط الساخن 533، ونتيجة للجهود المبذولة من قبل الضباط الأكفاء في هذه المديرية، تمَّ إلقاء القبض على العشرات من المبتزين بما فيهم عصابات منظمة للجريمة الالكترونية.
يونيباث: ما هي قضايا الجرائم الالكترونية التي تتطلب جهداً أكبر من الأجهزة الأمنية؟
اللواء سعد معن: من الواضح أنَّ الجهد الذي يُبذل للإيقاع بمجرمي الجرائم الالكترونية وجرائم الابتزاز الالكتروني عموماً هو جهد كبير جداً؛ لأنَّ الفاعل في هذا النوع من الجرائم خفي، ويتخذ أساليباً عديدة، ويطور مهاراته على الدوام من أجل أن يبقى بعيداً عن رصد قوات الأمن. وبالمقابل فإنَّ قواتنا الأمنية تعمل على تطوير مهاراتها وتكتيكاتها للارتقاء بمستوى كوادرها الفنية للحد الذي يجعلها فاعلة وقادرة على التصدِّي لهؤلاء ومواكبة أو تجاوز مهارات وحيل المجرمين، ولك أن تتصور الجهد الذي يُبذل لإعداد وتوجيه وتعزيز قدرات الكوادر الأمنية والاستخبارية العاملة في هذا المجال، وممَّا لا شك فيه فإنَّ التعاون المشترك قائم بين مؤسساتنا الأمنية لتبادل الخبرات ومقارنة المعلومات التي تصب بالتالي في مصلحة سيادة القانون ومكافحة المجرمين.
يونيباث: كيف يتم اختيار فرق المتابعة الالكترونية وما مؤهلات العاملين بها؟
اللواء سعد معن: إنَّ قسم الجرائم الالكترونية في وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية بوزارة الداخلية والدوائر المختصة الأخرى ذات الصلة، حريصة على وضع ضوابط وشروط ومؤهلات خاصة للعاملين من الضباط والمنتسبين المدنيين، يأتي على رأسها التخصص العلمي والمهني بعلوم الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات وكذلك القدرة والمعرفة المسبقة بالعمل الاستخباري والأمني المبني على العلم، بالإضافة إلى قدرات خاصة في مجال التحقيق. ومن جهة أخرى الحرص على إدخال العاملين في دورات مكثفة لتعزيز ورفع مستوى القدرات التي تساعدهم على أداء عملهم على أكمل وجه، عن طريق إدخالهم في دورات داخلية وخارجية لتعزيز المهارات وجعلهم يواكبون حركة التطور العالمي وخاصة في الجرائم الالكترونية.
يونيباث: ما مواصفات مرتكب الجريمة الالكترونية في العراق؟
اللواء سعد معن: لا يمكن حصر مواصفات معينة لمرتكب الجريمة الالكترونية لأنَّ أساليبها في تطور دائم وتختلف تبعاً لاختلاف نواياهم وأهدافهم من وراء هذه الجرائم، فمؤسساتنا المختصة ألقت القبض على العديد من هؤلاء واختلفت أعمارهم ومؤهلاتهم الدراسية وظروفهم الاجتماعية، علماً بأنَّ المراهقين هم الأكثر بين مرتكبي الجرائم الالكترونية بدواعي الابتزاز المالي أو الجنسي أو لإجبار ضحاياهم على ارتكاب جرائم أوسع مثل جرائم المخدرات وغيرها.
يونيباث: ما نصيحتك للمواطنين الذين يتعرضون للابتزاز الالكتروني؟
اللواء سعد معن: نصيحتي لهم جميعاً بأهمية الإسراع في إبلاغ السلطات الأمنية بوزارة الداخلية والجهات المعنية الأخرى لإيقاف ضرر أكبر يمكن أن يتعرضوا له في حال استمرارهم بالتعاون مع المبتزين او امتناعهم عن الحضور إلى وزارة الداخلية. فالسكوت على جريمة الابتزاز سيقود الضحية إلى مزالق خطيرة وبالنتيجة سيقود إلى نهاية مأساوية؛ لذلك يجب على الضحية الاتصال بالجهات الأمنية ذات العلاقة، لأنَّ الذي يبتزك مرة سيعود ويبتزك مرة أخرى، فيجب أن تكون قريباً من القوات الأمنية وأن تضع بالاعتبار أهمية عامل الوقت. يظن المجرمون أنهم في مأمن من رجال الأمن وأنَّ القانون لا يستطيع الوصول إليهم، وهنا أود أن أؤكد أن هناك جهداً فنياً كبيراً جداً في مديرية استخبارات وزارة الداخلية يمكّنا من ملاحقة مرتكبي الجريمة الالكترونية وكل من يسيء استخدام خدمة الإنترنت وقنوات الإعلام الاجتماعي. كما أود أن أوضح أنَّ باب دائرتنا في العلاقات والإعلام مفتوح لجميع الأخوة والأخوات الذين يتعرضون لهذه الجرائم.
التعليقات مغلقة.