حصن حصين في وجه الإرهاب
مصر تعتبر التطرف العنيف تهديداً عالمياً
اللواء مسعد الششتاوى، القوات المسلحة المصرية
يعتبرالتمرين المصري الأمريكي المشترك «النجم الساطع» واحداً من أهم وأكبر التمارين العسكرية في الشرق الأوسط منذ عام 1980، ويهدف إلى تبادل الخبرات في عدة مجالات وتعزيز التعاون لمواجهة التحديات، ويعتبر الإرهاب واحداً من هذه التحديات.
الإرهاب يأكل مَن يصنعه ومَن يأويه ومَن يدعمه؛ لا وطن له ولا دين؛ فهو خطر عالمي لا يقع تأثيره على دولة بعينها، بل يمثل خطراً حقيقياً يواجه الوجود البشرى وحضارته، وأضر بالفعل كافة الدول والمجتمعات على حد سواء، حتى الدول الكبرى لم تأمن مخاطره.
فالإرهاب ضرب مصر والعديد من الدول، واقترب خطره بالفعل من أوروبا والولايات المتحدة، ويتوسع في إفريقيا؛ والفعل الإرهابي الواحد يمكن أن يشارك في تنفيذه جماعات من جنسية واحدة أو من جنسيات متعددة، بينما تكون ضحاياه من دول أخري؛ فحوادث اختطاف الطائرات مثلاً تؤثر على ركاب من عدة دول.
ويُعرَّف الإرهاب عموماً بأنه ذلك الفعل الذي يستهدف ترويع فرد أو جماعة أو مؤسسة أو دولة عن طريق ممارسة العنف والتهديد وإشاعة الخوف وعدم الاستقرار بالاغتيال والتشويه والتخريب والتعذيب وهدم المعنويات من أجل تحقيق أهداف سياسية لا تجيزها الأعراف والقوانين.
ويعني الإرهاب الدولي كل اعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة تمارسه جماعات في دولة ما بحق سكان دول أخرى، ويشمل أعمال التفرقة العنصرية والعرقية التي تباشرها بعض الدول.
وكثيراً ما يستخدم الإرهابيون العمليات النفسية، مستغلين مواقع الإعلام الاجتماعي والفضائيات، لتحطيم الجبهة الداخلية لدولة ما والتشكيك في قدراتها.
وبالتالي فإن توضيح المفاهيم المغلوطة بصورة سريعة وعلمية هو الضمان الأكيد من أجل زيادة الوعي للتصدي لحملات التضليل التي يشنها الإرهابيون، وتقع على عاتق كل فرد مسؤولية عدم الانسياق وراء المعلومات الكاذبة.
ويقودنا الحديث في هذا المجال عن علاقة الإرهاب بالجريمة المنظمة، فما أشبه الجريمة المنظمة بالإرهاب؛ لأن كلاً منهما تعبيرٌ عن عنف منظم تقوده جماعات أو تنظيمات ذات قدرات وإمكانيات تنظيمية كبيرة تخطط لأعمالها بسرية تامة وبدقة متناهية، كما تتماثل مع الإرهاب في بعض الأساليب التي تتبعها.
تتعدد أسباب الإرهاب فمنها؛ أولاً: رعاية بعض الدول والأنظمة السياسية للإرهاب، فيتسبب ذلك في نمو واتساع نطاق الممارسات الإرهابية على مستوى العالم، ليتسع بالتالي نفوذ هذه الدول والأنظمة السياسية.
ثانياً: الأهداف والمصالح المتعارضة لبعض القوى أو الدول، فتهدف إلى التأثير على الاستقرار الأمني بما يصب في مصالحها ومصالح حلفائها؛ وهنا ينشأ مصطلح «الإرهاب برعاية الدول».
ثالثاً: ومن العوامل المسببة للتطرف أيضاً الظواهر الاجتماعية السلبية مثل البطالة والعشوائيات والفساد خاصة إذا كان متفشياً في مؤسسات الدولة.
رابعاً: أضف إلى ذلك ضعف الخطاب الديني والثقافي والإعلامي الذي يقاوم الإرهاب والأصوليات الجامدة التي تدعو إلى إبطال إعمال العقل في فهم الواقع أو فهم النصوص الدينية السليمة. وكذلك أبواق الدعاية المأجورة إذ تنشر خطاب الكراهية وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد بما يكدر صفو السلم والأمن الاجتماعي.
فمع تنامى ظاهرة الإرهاب، ازداد الأمر تعقيداً بظهور العديد من الكيانات والتنظيمات المعتنقة لفكر التطرف والتكفير والترويع باسم الدين تحت لواء الرايات السود؛ مثل داعش، والجهاد الإسلامي، والقاعدة، وأنصار بيت المقدس، وبوكو حرام في نيجيريا، وحركة الشباب في الصومال. تتحد أهدافها الشيطانية على الخراب والقتل والتدمير، وقامت جميعها بتصدير جرائمها البربرية بتشويه صورة الإسلام بتفسيرات غير صحيحة للنصوص الدينية.
وفى هذا الشأن توجد الكثير من الفضائيات الممولة والمدعومة بإمكانيات ضخمة؛ وهو ما يدخل في إطار «الإرهاب الإعلامي والإلكتروني» المتمثل في استخدام المعلومات وشبكات الإنترنت لأغراض التخويف أو الإكراه لأهداف سياسية، ويرتبط هذا الأسلوب إلى حد بعيد بدور تكنولوجيا المعلومات المتقدم في كافة مجالات الحياة، فضلاً عن دورها المذكور آنفاً باعتبارها واحدة من الأساليب الأساسية للحرب الحديثة.
تؤمن مصر بأن الإرهاب لا وطن له ولا دين، وأن محاربته لا بدَّ أن تستهدف كل أشكاله وصوره، وأن تضرب كل مواقعه، وعلى دول العالم أن تضع ذلك ضمن مسؤولياتها تجاه شعوبها وتجاه إنسانيتها.
ثم إذا كانت تلك الدول مهتمة فعلاً بتأمين حياة أفضل لشعوبها، فعليها أن تتصرف، إذ لا يمكن أن يتم ذلك بينما يجد الإرهاب من يأويه ويديره ويموله ويسلحه ويترك له ساحات للتمدد.
ذلك ما أعلنته مصر وحذر منه الرئيس عبد الفتاح السيسي مراراً ؛ فمصر لا تتعامل بازدواجية فيما يختص بملف الإرهاب كما تفعل بعض الدول لتحقيق أهداف سياسية، ومصر تواجه إرهاباً تشارك فيه عناصر من دول أجنبية وفضائيات مأجورة موجهة، وكثيراً ما تحملت مصر وحدها مسؤوليات كبيرة لمحاربة جماعات الإرهاب المتحالفة والمدفوعة من أنظمة دولية وكشف بشاعتها.
كما أن مصر في حربها ضد العناصر الإرهابية تدرك أنها ليست بصدد تنظيم سياسي أو قانوني، بل بصدد تنظيمات سرية مارقة لا تعترف بالهوية الوطنية؛ تنظيمات خرجت من رحمها خلايا إرهابية تجاوزت حدود الدولة لنشر الخراب والفساد في الأرض، ليس في مصر فقط ولكن على الساحة الدولية. وتحاول الخلايا الإرهابية إشعال نار الفتنة في مصر في إطار استراتيجية إرهابية لهدم استقرار الدولة خاصة بعد أن تضخمت تلك التنظيمات وأصبحت عابرة للحدود وبتمويل ضخم من عدة دول تسعى للنيل من مصر بمحاولاتها (الفاشلة) لتفتيت نسيجها الوطني؛ الأمر الذي استلزم استنفار قوانا الوطنية لننجح في استئصال الإرهاب من جذوره.
فهي إذاً حرب تشنها مصر نيابة عن العالم لوضع حد لهذا الإرهاب المجرم الذي يعوق التنمية والتقدم ويستهدف شباب مصر من ضباط وجنود ومواطنين أبرياء.
ومن أجل ذلك عُقد مؤتمر قمة بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية في مدينة شرم الشيخ في شباط/فبراير 2019 بحضور أكثر من 50 دولة، وكانت مشكلة الإرهاب والهجرة غير الشرعية من أهم الموضوعات التي تطرق لها أعضاء المؤتمر من ملوك ورؤساء حكومات العالم، في ظل تصدي مصر نيابة عن العالم للعناصر الإرهابية في سيناء وعلى حدود الدولة.
وبأكبر حشد عسكري، قامت قواتنا المسلحة بالتعاون مع رجال الشرطة بتنفيذ عمليات مختلفة للقضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه في شمال ووسط سيناء بإجراء رصد كامل ودقيق ناتج عن جهد عسكري واستخباراتي لفرض الأمن على كل شبر من أرض مصر وتهيئة الظروف المناسبة لبدء عمليات التنمية الكبرى في سيناء.
فاستهدفت القوات الجوية العديد من البؤر والأوكار ومخازن الأسلحة والذخائر التي تستخدمها العناصر الإرهابية كقاعدة ينطلقون منها لاستهداف قوات إنفاذ القانون من أبطال القوات المسلحة والشرطة والأهداف المدنية في شمال ووسط سيناء.
كما قامت عناصر مشتركة من الجيش والشرطة بتكثيف إجراءات التأمين للأهداف الحيوية ذات الأهمية الاستراتيجية للدولة.
وخلاصة القول أن مصر على الطريق الصحيح، ولن يؤثر فيها حادث إرهابي عارض، أو تآمر خسيس يزداد عنفاً وغيظاً مع كل إنجاز قومي عملاق، ومن صمود شعبنا الذى يمثل أقوى سلاح ضد الإرهاب وضد التآمر.
فها هي مصر المحروسة تقف صامدة قوية في وجه الأعمال الإرهابية، وتشهد طفرة من الإنجازات العملاقة تسهم في نشأة اقتصاد قوي ضخم ومشروعات وطنية كبيرة تقود مصر على المدى القريب، بمشيئة الله، نحو الرخاء والتقدم وعودة البسمة لشعب مصر ومكانتها وقيادتها بالمنطقة العربية وريادتها في إفريقيا.
فها هي سنابل الخير تنشر لونها الأخضر بالصحراء، وها هي الأرض تطرح إسكان حضاري لمحدودي الدخل، ومحطات كهرباء تحيل ظلمة ليلهم ضياءً، وشرايين حياة بشبكة طرق شملت ربوع مصر، وتسليح حديث لجيشنا العظيم، وعودة الأمن والأمان لأرضنا الطيبة.
ولتبقى مصر صامدة آمنة بفضلٍ من الله سبحانه وتعالى ووعده الحق (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ) وبإخلاص قادتها وأبنائها خير أجناد الأرض. وسوف تظل مصر بما تمتلكه من مقومات الأصالة وروح الفداء شامخة؛ مرفوعة الرأس بشعبها العريق الذي صاغ الحضارة عبر آلاف السنين على ضفتَي النهر الخالد. Φ
التعليقات مغلقة.