تهديدات الطائرات المسيّرة
استخدام العناصرالخبيثة للطائرات المسيَّرة يعتبر التحدي الأحدث في سلسلة من التحديات الأمنية المتغيرة
أسرة يونيباث
بات انتشار التكنولوجيا المتطورة التي تغير طبيعة ساحة المعركة سمة من سمات الصراعات التي وقعت على مدار العقد الماضي، وتجلَّى هذا التطور التكنولوجي في الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا في استخدام الهواتف الذكية لإجراء الاتصالات في ساحة المعركة وتحديد المواقع عالمياً، وكذلك لنشر الدعاية وتجنيد المقاتلين الإرهابيين، وكانت العبوَّات الناسفة محلية الصنع واحدة من الوسائل الأخرى منخفضة التكلفة نسبياً التي استخدمتها قوات العدو لمواجهة التفوق العسكري لشركاء التحالف في أماكن مثل العراق وأفغانستان واليمن.
ولكن من أبرز التهديدات اليوم انتشار الطائرات المسيّرة، وتتخذ هذه الطائرات غير الباهظة الثمن نسبياً عدة أشكال، كأن تعمل كمنصات استطلاع جوية، ونُظُم لتوصيل القنابل، والأدهى من ذلك قاذفات صواريخ هجومية، وقد تخصصت إيران في تطوير الطائرات المسيّرة التي استخدمتها في تصدير الخراب والدمار إلى بلدان مثل اليمن والمملكة العربية السعودية.
لقد أصبحت الحاجة إلى التصدي للطائرات المسيرة من محاور اهتمام البلدان في مختلف أرجاء العالم، إذ استخدم تنظيم داعش الطائرات المسيرة لتنفيذ عمليات خلال تحرير مدينة الموصل الواقعة شمالي العراق، الأمر الذي دعا شركاء التحالف إلى البحث عن حلول ابتكارية لتصميم تكتيكات مضادة لهذه الطائرات لإحباط مخططات الإرهابيين، بيد أنَّ الحرب الأهلية في اليمن هي التي أججت المخاوف من استخدام الطائرات المسيَّرة.
ومع إسقاط المئات من الطائرات المسيرة المنطلقة من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، عانت السعودية من الأضرار التي لحقت بمراكز إنتاج النفط عن طريق طائرات معادية مسيرة، وكان أبرز هذه الهجمات الهجوم الجوي الذي استهدف مصفاة أرامكو السعودية في بقيق في أيلول/سبتمبر 2019، وأسفر مؤقتاً عن انخفاض معدَّلات إنتاج النفط عالمياً بنسبة 5%، وأطلق الحوثيون طائرات مسيَّرة مسلحة أخرى في محاولة لاغتيال عدد من القيادات اليمنية، ويزعمون أنهم هاجموا مطاراً تجارياً في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة.
وقد أثار هذا التوسع في استخدام الطائرات المسيرة من الأهداف العسكرية إلى الأهداف المدنية مخاوف شركاء التحالف في المنطقة، وأثار تساؤلات عن ضرورة ابتكار واستخدام تكنولوجيا أفضل لمواجهة هذه الطائرات.
فقد صرَّح العميد الركن تركي المالكي، المتحدث الرسمي السعودي باسم قوات التحالف العربي، بعد محاولة لهجوم في منطقة عسير في حزيران/يونيو 2020، قائلاً: “إنَّ استمرار الميليشيا الحوثية في أعمالها الإرهابية والعدائية باستخدام الطائرات المسيرة، والتي تحمل المواد المتفجرة لاستهداف المدنيين الأبرياء، يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية.”
وفي جلسة استماع أمام الكونجرس الأمريكي في مطلع عام 2020، أشار الفريق أول كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، إلى أنَّ الأنظمة الجوية من دون طيار تتطلب استجابة تشبه الخطوات التي جرى اتخاذها لمواجهة العبوَّات الناسفة محلية الصنع منذ أكثر من 10 أعوام، إذ سعت الولايات المتحدة وشركاؤها إلى التصدي للقنابل محلية الصنع المزروعة على طول الطرق عن طريق الاستثمار في التدابير المضادة لها مثل المركبات المدرعة المضادة للكمائن والألغام؛ وعليه يتعين على شركاء التحالف اتخاذ تدابير مماثلة لمكافحة ما أسماه ماكنزي “العبوَّات الناسفة محلية الصنع المحمولة جواً.”
وقال قائد القيادة المركزية الأمريكية: “لقد توسَّعت موجودات العدو من الأنظمة الجوية من دون طيار من حيث الحجم والتطور والمدى والفتك والعدد، ويجري نشرها واستخدامها في أرجاء منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، ويصعب على الرادار اكتشاف هذه الأنظمة بسبب انخفاض سرعتها وارتفاعها، وتقل الخيارات المتوفرة لهزيمتها بكفاءة واقتدار.”
ومع ذلك يعمل الشركاء العسكريون في المنطقة على توحيد جهودهم للتصدي لتهديدات الطائرات المُسيرة، ومثال ذلك أنَّ القوات التي شاركت في تمرين «الأسد المتأهب» متعدد الجنسيات في الأردن عام 2019 تدربت على تعقب الطائرات المُسيرة من النوعية التي يستخدمها الإرهابيون وإطلاق النار عليها وتفكيكها، إذ تراكمت الكثير من الدروس المستفادة في المعارك الي وقعت لتحرير العراق من داعش.
وكان الإرهابيون في الموصل في بعض الأحيان يثبتون القنابل في الطائرات المسيَّرة “رباعية الأجنحة” المتوفرة للمواطنين بأقل من 700 دولار أمريكي، واستخدم الداعشيون طائرات مسيَّرة أخرى لالتقاط مقاطع فيديو للتفجيرات لنشرها على الإنترنت بهدف حشد إرهابيين آخرين وإيهان عزيمة قوات التحالف. وبناءً على طلب قادة القوات المسلحة العراقية، قامت الوكالة الأمريكية المشتركة لمكافحة العبوَّات الناسفة، بالتعاون مع مختبر أبحاث القوات الجوية الأمريكية، بالبحث عن أفضل السبل للتصدي للتهديدات الجوية التي يفرضها داعش، وجاء في مقال للدكتور إبراهيم المراشي، الأستاذ بجامعة ولاية كاليفورنيا، عن تهديدات الطائرات المسيرة عام 2019: “تتوفر الطائرات المسيَّرة التجارية على الإنترنت بكل سهولة ويسر، ويتم التحكم بها في أغلب الحالات بهاتف ذكي متصل بجهاز تحكم عن بُعد، ثمَّ تُستخدم اللقطات الرقمية التي التقطتها الطائرة المسيَّرة بعد ذلك كنوع من أنواع الدعاية.”
وقد اعتمدت الولايات المتحدة وشركاؤها حتى الآن على بطاريات صواريخ أرض-جو، وقذائف تطلق من على الكتف، وصواريخ جو-جو لإسقاط الطائرات المسيَّرة المعادية، وتشمل التدابير المضادة الأخرى التشويش الإلكتروني على الطائرات من دون طيار لتعطيلها أو إبعادها عن أهدافها، كما بحثت الجيوش إمكانية ردع الطائرات المسيَّرة المعادية بطائرات مسيَّرة عسكرية لقصفها جواً.
وضغط قادة أمثال الفريق أول ماكنزي لتطوير شبكات قيادة وسيطرة متكاملة للتصدي للطائرات المُسيرة في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى، وتتضمن هذه الشبكات تدابير مضادة تعتمد على القذائف وأخرى تعتمد على التقنيات الإلكترونية، أو ما يسميه الجيش خياري “التدمير القاسي” أو “التدمير الناعم.”
ومن الوسائل الأخرى هو الإعلان المشترك للتصدير والاستخدام اللاحق للطائرات المسيرة المسلحة أو الهجومية لعام 2016، وقد وقعت 54 دولة على هذا الاتفاق الذي يحد من انتشار الطائرات المسيَّرة المسلحة القادرة على زعزعة الاستقرار، إلَّا أنَّ إيران رفضت الالتزام بمثل هذه القيود، ويقترح الخبراء تعزيز الاتفاق لمنع وصول الطائرات المسيَّرة إلى أيدي الإرهابيين وغيرهم من الجهات غير التابعة لدولة، وكانت مكونات الطائرات المسيَّرة من بين المواد التي ضُبطت على متن المراكب الشراعية التي تهرب الأسلحة إلى اليمن من إيران، في انتهاك للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى اليمن.
يؤدي تطور التهديدات الأمنية التي تواجه المنطقة إلى أنه لا يمكن للجيوش أن تستريح عندما يتعلق الأمر بالابتكارات التكنولوجية، إذ يمكن للتكنولوجيا يسيرة التكلفة والمتوفرة كالهواتف الذكية وأجهزة اللاب توب المحمولة والعبوَّات الناسفة محلية الصنع والطائرات المسيَّرة التي يتم التحكم بها عن بُعد، إذا وقعت في أيدي العناصر الهدامة، أن تغير شكل ساحة المعركة وتستدعي التسريع من وتيرة تطوير التدابير المضادة لمواجهتها.
التعليقات مغلقة.