تمرين «الأسد المتأهب» يحتفل بمرور 10 أعوام على انطلاقه
الأردن نجح في استضافة عدد من أضخم التمارين العسكرية في الشرق الأوسط على مدار عقد من الزمن
العميد الركن توفيق المرزوق، مدير التدريب العسكري في القوات المسلحة الأردنية، الجيش العربي
تتمتع القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي بعلاقات عسكرية استراتيجية مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتبر شريكاً استراتيجياً للمملكة الأردنية الهاشمية في كافة المجالات وعلى مختلف المستويات حيث تعتبر التمارين العسكرية سواء كانت ثنائية الجانب أو متعددة الأطراف أحد أهم نتاج هذه الشراكة والتي تعزز التعاون والتنسيق بين الدول المشاركة في كافة المجالات العسكرية.
لم تكن التحالفات العسكرية بين الجيوش الصديقة حديثة العهد لكنها أصبحت ضرورة في عصر الحروب غير المتناظرة بسبب عدم وجود أرض معركة واضحة وسرعة تغير تكتيكات العدو وتنقله من منطقة لأخرى وقدرته على فتح جبهات متعددة. فالمجاميع الإرهابية تمتلك عنصر المفاجأة ولها أذرع في أماكن متعددة في العالم وتتخفى بين المدنيين. اذ اصبح من الصعب هزيمة التنظيمات الإرهابية من قبل جيش بمفرده مهما كانت قدراته وتقنياته العسكرية. لذلك بدأت الجيوش الصديقة والحليفة تعمل بمبدأ القوات المتعددة الجنسيات في الحرب ضد الإرهاب. ومن ضمن الحلول هو إقامة تمارين صغيرة قبل التحاق الوحدات إلى أرض العمليات لكنها كانت محدودة ولا تتعدى تدريب قوات حفظ السلام ولم يكن هناك تمرين واسع يضم سيناريوهات متعددة وعمليات عسكرية مشتركة حتى بزوغ تمرين الأسد المتأهب عام 2011.
في حزيران / يونيو 2011، وبعد خمسة مؤتمرات تخطيطية استمرت 14 شهرًا، أجرت القوات المسلحة الأردنية والقيادة المركزية الأمريكية التمرين العسكري الأول “تمرين الأسد المتأهب” وضم عدة فعاليات وكان ثنائيا بين المملكة الأردنية والولايات المتحدة، لكن صدى نجاح التمرين حفز جميع الجيوش الصديقة للمشاركة في فعاليات تمرين الأسد المتاهب 12 والذي يعود على المشاركين بفوائد كبيرة من الاستفادة من خبرات الجيوش الصديقة وتوظيف الأسلحة والتكتيكات والتقنيات الحديثة. وسعياً لتحقيق الشراكة مع الدول الشقيقة والصديقة فقد شارك في فعاليات تمرين “الأسد المتأهب” 12 العديد من الدول الصديقة والشقيقة.
كان من أبرز ركائز نجاح التمرين العلاقة الوثيقة القائمة على الثقة المتبادلة بين الولايات المتحدة والأردن. والتي تجسدت في التخطيط المشترك للعمليات وإدارتها من خلال عناصر متخصصة. والتي تمثلت بالتخطيط المشترك والإدارة المشتركة للعمليات من خلال هيئات ركن مختصة في هذا المجال لتطوير قدرة المشاركين على تخطيط وتنفيذ العمليات المشتركة إضافة إلى ربط الوزارات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية إضافة الى الأجهزة الأمنية والوكالات المعنية في إدارة الأزمات مع قيادة العمليات المشتركة في ظل بيئة عمليات غير تقليدية، كما يهدف التمرين إلى تحسين مستوى الموائمة العملياتية بين قوات الدول المشاركة.
تعد ولادة تمرين الأسد المتأهب نقلة نوعية في بيئة قوات متعددة الجنسيات إذ يبدأ التمرين بوضع سيناريوهات تحاكي التهديدات الأمنية الموجودة في المنطقة، ويتم التخطيط المشترك للعمليات العسكرية بين قادة القوات المشاركة وتوحيد مفاهيم العمليات والاستفادة من الخبرات التراكمية لدى القادة الميدانيين القادمين من عدة دول ومن جبهات وتضاريس مختلفة. كما يتم التدريب المشترك وتبادل الخبرات بين القوات المشاركة لتنفيذ الواجب المناط بها ضمن سيناريوهات التمرين، مما يساعد المقاتلين على اكتساب خبرات والتعرف على نمط التدريب والإعداد لدى نظرائهم وتكوين صداقات لها دور كبير أثناء العمل في بيئة عمليات حقيقية.
كذلك يهدف التمرين إلى تدريب المشاركين على عمليات مكافحة الإرهاب والتمرد، وأمن الحدود، وعمليات الإخلاء، وعمليات الاستطلاع، والنقل والانفتاح في بيئة عمليات معادية، حماية المنشآت الحيوية وتنفيذ عمليات الاسناد اللوجستي، كما يعالج سيناريو التمرين التهديد التقليدي. أما فيما يتعلق بالمجال الإنساني فيوفر التمرين فرصة حقيقية للمشاركين لمواجهة الأزمات الإنسانية أثناء العمليات العسكرية.
منذ البداية، تم تصميم التمرين لتدريب القوات على الحرب غير التقليدية لمواجهة التنظيمات المتطرفة العنيفة. وتم التركيز على تكتيكات مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد في سيناريوهات التدريب التي اختارها القادة لتسليط الضوء عليها في التمرين الأول، حيث كان السيناريو هو غارة متعددة الجنسيات على قرية محتلة من قبل الإرهابيين، وعملية إنقاذ مدنيين على متن طائرة ركاب مخطوفة، وهجوم بحري على سفينة خطفها الإرهابيون. واشتركت في مثل هذه التدريبات في الغالب قوات العمليات الخاصة. لكن التمرين أعطى دورًا كبيرا للقوات التقليدية لإحباط الهجمات الإرهابية عبر الحدود وإشراك المؤسسات الأمنية لإدارة الأزمات المكلفة بالاستجابة للأزمات مثل الهجمات بالأسلحة الكيميائية وتدفق اللاجئين.
بالرغم من وقوع المملكة الأردنية الهاشمية وبحكم الجغرافيا السياسية وسط إقليم ملتهب، إلا أن البيئة الآمنة والمستقرة التي يتمتع بها الأردن ساهمت بتعزيز فرص تنفيذ العديد من التمارين العسكرية ومن ضمنها سلسلة تمارين الأسد المتأهب، إضافة إلى ما تتميز به المملكة من تنوع مناخي وتوفر وتنوع مناطق التدريب والبيئة الواقعية المناسبة التي تحاكي ما تمر به المنطقة من تحديات، جعل من الاردن بيئة جاذبة لتنفيذ مجموعة من التمارين وعلى المستويين الإقليمي والدولي.
بعد عقد من النجاحات المتواصلة ، أصبح تمرين الأسد المتأهب من أكبر التمارين العسكرية متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط. وتشارك به قوات صديقة وشقيقة بشكل روتيني يصل عددها إلى 10000 مقاتل من القوات البرية والجوية والبحرية والموظفين المدنيين طوال فترة التمرين. بالإضافة إلى القوات الأردنية والأمريكية، استقطب التمرين جنودًا من دول عديدة، فعلى سبيل المثال جرى تمرين الأسد المتأهب 2019 بمشاركة 29 دولة شقيقة وصديقة، إضافة إلى مشاركة نوعية من القيادة العسكرية لحلف الناتو ولأول مرة.
عند الحديث عن تمرين الاسد المتاهب فانه يمر بعدة مراحل تبدأ بمرحلة التخطيط وبناء السيناريوهات، حيث يتم تنفيذ العديد من الاجتماعات التخطيطية وبمشاركة كافة الدول المشاركة بالتمرين.ثم مرحلة وصول القوات واستقرارها في مناطق التدريب. ثم بعد ذلك مرحلة تحضير القوات المشاركة من خلال تنفيذ العديد من البرامج التدريبية للقيادات وهيئات ركن التمرين إضافة إلى القطعات المشاركة، تليها مرحلة التنفيذ ثم مرحلة النقد البنّاء للتمرين التي تبنى على التحليل الدقيق لمجريات التمرين للخروج بنقاط القوة التي يجب المحافظة عليها وتعزيزها ونقاط الضعف التي يجب تلافيها مستقبلاً، والخروج بالدروس المستفادة من التمرين.
تطورت سيناريوهات التدريبات بشكل طردي، لتواكب التحديات الأمنية المتغيرة في المنطقة. فعلى سبيل المثال، في عام 2016 نفذت القوات الأردنية والأمريكية تمرينا للاستجابة لهجوم قنبلة بيولوجية، وكان هذا التمرين الأول من نوعه. وبعد مرور عام، تم استخدام القاء المنشورات جوًا في التمرين حتى تتمكن القوات المحررة من التواصل مع المدنيين المحاصرين في المدن التي يحتلها الإرهابيون، حيث يحاكي السيناريو مدينة مقطوعة تمامًا من الاتصال بالعالم الخارجي، ولم تكن هناك وسيلة للتواصل مع سكانها سوى إلقاء المنشورات.
في تمرين الأسد المتأهب 16 اشتمل سيناريو اختتام التمرين على عمليات القصف الاستراتيجي نفذتها قاذفتان من نوع بي 52 التابعة لسلاح الجو الأمريكي، دخلتا المجال الجوي الأردني بمرافقة من طائرات سلاح الجو الملكي الأردني، للقيام بعمليات التجريد الجوي وبما يحاكي السيناريوهات الموضوعة للتمرين. كما قامت الطائرات المخصصة للإسناد الجوي القريب من نوع إف 16 والطائرات العمودية المقاتلة، بتقديم الإسناد الجوي القريب للقوات البرية، بالإضافة إلى رماية أسلحة الإسناد العضوية على الأهداف المخصصة لها، تمهيداً لقيام القطعات المشاركة من الجانبين الصديقين بالتعامل مع أهدافها الأرضية. حيث تم التدرُّب على التعامل مع التهديدات التقليدية وغير التقليدية وبما يحاكي البيئة الإقليمية السائدة، حيث نفذت القوات المشاركة من الجانبين الصديقين عمليات القتال في المناطق المبنية، وعمليات التطهير للمواقع المحصنة.
ونظرًا لتنامي خطورة التهديدات الإلكترونية في العالم، وتنامي أهميتها في التمرين؛ أُضيف سيناريو الهجمات الإرهابية بالطائرات المسيرة إلى التمرين، واشتركت فرق من القوات متعددة الجنسيات معًا لإحباط هذا النوع من الهجمات. ففي عام 2019، وضع سيناريو لخبراء الحرب الإلكترونية من الفرق المشاركة بتتبع واسقاط وعزل وفحص الطائرات المسيرة من النوع الذي يستخدمه الإرهابيون بشكل متزايد.
إضافة إلى الطائرات المسيرة، شهد تمرين الأسد المتأهب 19 حضورًا كبيرًا للحرب السيبرانية، حيث اشترك خبراء الأمن السيبراني من الجيوش الصديقة بتنفيذ سيناريو الدفاع عن شبكة الاتصالات والانترت من هجوم افتراضي من قبل العدو. وقد نجح الفريق في تعطيل شبكات العدو المهاجمة وعزل البرامج الخبيثة التي حاولوا زرعها من خلال المخاطبات الالكترونية بين الأجهزة. كما قام الفريق بتنفيذ هجمات مضادة وتعطيل شبكات الاتصالات التي يستخدمها العدو. وكانت التجربة السيبرانية محط اهتمام الدول المشاركة، حيث كانت ورشة لتبادل المعلومات والتقنيات لحماية الشبكات الصديقة وتحصين الشبكات ضد الهجمات السيبرانية.
يتزامن مع فعاليات التمرين، عقد ندوة لكبار القادة العسكريين في المنطقة تتناول آخر التحديات الأمنية.
حيث جرت وضمن فعاليات تمرين الأسد المتأهب2019 بحضور رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي وكبار القادة العسكريين من الدول المدعوة التي ناقشت مواضيع الأمن السيبراني، مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، والتعامل مع مخاطر الاسلحة الكيماوية والنووية وأدواتها.
ويحضر هذه الندوة قادة بمستوى رؤساء الأركان لنقاش ما يجري من أنشطة ارهابية وطرق معالجتها. تعمل هذه الندوة على تقريب وجهات النظر لقادة جيوش الدول الصديقة، وتمثل فرصة لطرح التحديات التي يواجهونها في قواطع مسؤلياتهم. وبالتزامن مع عقد ندوة كبار القادة، عقدت ندوة ضباط الصف والتي تقام لأول مرة على هامش تمرين الأسد المتأهب منذ انطلاقه، بمشاركة 30 ضابط صف يمثلون 14 دولة إضافة لمشاركين من حلف الناتو، ممن لهم دور في تطوير وتأهيل وتعزيز دور ضباط الصف في جيوشهم من الدول الشقيقة والصديقة.
بعد مشاركتهم في تمارين وواجبات متعددة واكتساب الخبرات الميدانية، يقوم أئمة القوات المسلحة الأردنيون ونظرائهم من رجال الدين الأمريكيون بتوسيع دورهم في التمرين لبلورة خطاب ديني معتدل لسد الطريق أمام المتطرفين الذين يُحرّفون النصوص الدينية للتغرير بالشباب. وقد لعب أئمة القوات المسلحة الأردنية دورًا رياديًا في تصحيح التفسيرات الدينية الخاطئة التي ينشرها المتطرفون وفضح أكاذيبهم، حيث كانت رسالة عمان التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني للعالم والتي تبين أصول الإسلام السلمية المعتدلة وتنبذ التطرف. وتُقدّم “رسالة عمّان”، التي شارك في إعدادها مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، وعدد من كبار علماء المسلمين، توضيحاً لا يحتمل التأويل لقيم التعاطف والرحمة واحترام الآخرين والتسامح وحرية الأديان، وهي القيم التي تعدّ المبادئ الهادية في الإسلام. كما قام رجال الدين بتنفيذ أنشطة متعددة للتواصل مع السكان مثل زيارة دور المسنين وملاجئ الأيتام. هكذا أنشطة تساعد على كسب قلوب السكان وبالتالي سيدعمون أفراد ونشاطات القوات المسلحة، وتعتبر هذه من الأنشطة الضرورية في بيئة عمليات عسكرية.
لقد وضعت المؤسسات الحكومية الأردنية في جميع أنحاء الأردن مرافقها لخدمة وإنجاح التمرين، بما فيها المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، ومركز الملك عبد الله الثاني لتدريب العمليات الخاصة والعديد من المراكز والمؤسسات والميادين. ومن الجدير بالذكر أن الخلية الوطنية لإدارة الأزمات قد لعبت دورًا كبيرًا في تمرين الأسد المتأهب 19، إذ كانت النواة التي تدير العمليات وتحرك فرق الاستجابة من الوزارات الأمنية والخدمية، مما أكسب الخلية خبرات ميدانية كبيرة في مجال إدارة الأزمات من خلال تنفيذ أزمة افتراضية أثناء التمرين. استثمرت الخلية الوطنية لإدارة الأمن الأزمات الخبرات التي اكتسبتها من هذا التمرين في إدارة أزمة جائحة كورونا التي طالت كل دول العالم. فقد قامت الخلية بتنسيق عمل جميع المؤسسات الحكومية ونجحت في لعب دور وطني ملموس في تخفيف وطأة الجائحة والحد من انتشار الفايروس بين المواطنين والمقيمين.
يعتبر تمرين الأسد المتأهب التمرين الأهم على مستوى المنطقة والذي ينفذ على أراضي المملكة الأردنية الهاشمية نظراً لعدد الدول وحجم القوات المشاركة من مختلف الصنوف، وطبيعة الأهداف المراد تحقيقها خلال تنفيذ التمرين وعلى كافة المستويات الاستراتيجية والعملياتية والتعبوية. كما أن تمرين الأسد المتأهب نتاج الشراكة العسكرية مع الدول الشقيقة والصديقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز سبل التعاون العسكري، وتطوير قدرات الجيوش المشاركة لمواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية لحماية شعوبنا وإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم أجمع.
التعليقات مغلقة.