لا تزال المنطقة والعالم يمران بمرحلة عصيبة وحرجة، فالأزمات في كل مكان من حولنا، في غزة، ولبنان، والسودان، وأوكرانيا، والتطورات الخطيرة في سوريا. وكلها لها تداعيات خطيرة على شعوب المنطقة، واقتصادياتها، واستقرار دولها، ومستقبلها.
أين إنتهى بنا ذلك العام؟ كما يدل عنوان جلستنا، فإن الأمن العالمي وأمن الشرق الأوسط مترابطان لا ينفصلان، ولهذا لا بدَّ لي من النظر إلى السياق الدولي، فقد تغيَّر الكثير في وقت قليل، غير أن النظام الدولي لا يزال يسلك نفس المسار الذي ناقشناه في المنامة في العام المنصرم.
إذ يتأثر بالمنافسة الجيوسياسية، سواء في الشرق الأوسط، أو في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أو في أي مكان آخر، وبتنامي التعددية القطبية، وبالتهديدات التي تواجه الأعراف الدولية، وهذا المشهد الأمني العالمي يغلب عليه التعقيد وعدم اليقين، وفي ظل المسار الحالي للنظام العالمي، فمن المشروع أن تطمح دول الشرق الأوسط إلى الحفاظ على علاقاتها الدولية وتعزيز استقلاليتها الاستراتيجية.
لا يزال الشرق الأوسط غارقاً في أزمات مرتبطة ببعضها البعض، تجتمع على إحداث معاناة إنسانية هائلة، ولا تزال سبل حلها غير مؤكدة، أما المؤكد فهو أنه علينا أن نضاعف العمل، من خلال الدبلوماسية الحثيثة، لحل الصراعات ومنعها من التحول إلى حروب لا نهاية لها.
يجب ألا نتوانى عن العمل لإيقاف دوامة الفوضى والعنف في المنطقة، وعلينا أن ننظر نظرة بنَّاءة إلى ما يسعنا فعله حتى لا تنتشر دوامة العنف، وعلينا أن نُعجل بالعمل لمساعدة من يعيشون في ظروف بائسة، ومن يعانون، ومن هم في حاجة ماسة إلى المساعدات الطبية والغذاء والمأوى، فالصراع في المنطقة يُدمر حياة الناس.
كما أن الأحداث الجارية في سوريا خير دليل على الفشل السياسي وويلات الصراع والفوضى.
لطالما اضطلعت الولايات المتحدة بدور أساسي في الشرق الأوسط، ولا غنى عن هذا الدور كما كان دائماً، وعلينا أن نتريث لنرى كيف سيتطور دور الولايات المتحدة، وما الذي سيترتب عليه في القضايا الإقليمية والدولية. وبما أننا من بين شركاء وحلفاء الولايات المتحدة المقرَّبين، فستتعاون دولة الإمارات العربية المتحدة معها على أهم القضايا التي تواجه منطقتنا والعالم.
أود أن أركز على مجموعة من القضايا التي يواجهها الشرق الأوسط اليوم، واستشراف ما سيرتقي بقدرتنا على إيجاد حلول جماعية للمشكلات العسيرة.
تتعلق المجموعة الأولى من القضايا بما تعلمناه من الصراعات الأخيرة في الشرق الأوسط، وهو أن المشكلات تتفاقم إذا لم تُحل، وستحاول الجهات التي تعمل خارج سيطرة الدولة استغلال الوضع.
ومن الأهمية بمكان أن أؤكد مجدداً على أنه لا ينبغي منح الجهات غير الحكومية فرصة لاستغلال الفراغ السياسي، فقد أظهر لنا ما حدث في السنوات الأخيرة مجدداً ويلات هذه الجهات، وأكد لنا أهمية تعزيز دور الدولة الوطنية في الشرق الأوسط، وكذلك دور مؤسسات الدولة الوطنية.
فينبغي أن تكون المهام الدفاعية والعسكرية، بالأخص، بالكامل في يد الدولة دون سواها، ولا ينبغي أن تُترك للميليشيات والجيوش الخاصة، فالهجمات التي تُنفذ في سماء الشرق الأوسط تُلزمنا بإعادة تقييم مفهوم السيادة في منطقتنا في قابل الأيام والسنين.
أما القضية الثانية التي أود أن ألفت الانتباه إليها، فهي خطر التطرف، فقد روَّج المتطرفون في صراع غزة روايات مبنية على التشدد، وبما أن الصراع يميل إلى تأجيج المزيد من الاستقطاب، فالخطر حقيقي أن تكون تداعياته سبباً في استقواء المتطرفين من أرجاء المنطقة.
لطالما أعربت الإمارات عما تفضله بوضوح، وهو أن إيجاد حل وسط واجب استراتيجي، وكذلك ضرورة إيجاد مسارات جديدة للحوار والتعاون.
وهذا ينقلنا إلى مجموعة ثالثة من القضايا، فتحقيق تحول أوسع في الشرق الأوسط يقتضي تعزيز التعاون بين دول المنطقة، التعاون بين الدول العربية، وكذلك التعاون الذي يشمل حواراً بنَّاءً بين الدول العربية وجيرانها الإقليميين الرئيسيين، مثل إيران وتركيا. وهذه الجهود أيضاً تتطلب علاقات متينة مع الشركاء الدوليين الموثوقين إذ أمست هذه المنطقة بؤرة محورية للأمن العالمي.
قد تبدو بعض الأهداف صعبة المنال، لا سيما مع تزايد المخاوف الأمنية في هذا العصر الذي يسوده عدم اليقين، ولكن، وإن كانت حماية الأمن القومي من المقاصد الكبرى، فلا ينبغي السعي إلى تحقيق هذا الهدف على حساب أمن الدول الأخرى أو على حساب الاستجابات الإنسانية الفعَّالة للمنكوبين والمحتاجين.
فإذا لم نحرص على بناء الجسور وعقد الشراكات، وإذا لم نسلك سبيل التعاون، فقد يكون البديل صراعاً لا نهاية له على مشكلات المنطقة، فالمخاطر جسام، وأكثر من نصف سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دون 30 سنة، ومتلهفون للحلول، ويتوقون لتحقيق نتائج أفضل، ويحتاجون هذه الرؤية البديلة لمستقبل المنطقة.
وفي ظل هذه الأزمات، ماتزال الإمارات من الشركاء الملتزمين؛ لا تتوانى عن العمل مع حلفائها وأصدقائها الذين يفكرون مثلما تفكر من أجل الأمن والسلام في المنطقة، ومن أجل الرخاء والاستقرار، ومن أجل توفير المساعدات الإنسانية، وإننا على أتم الاستعداد للقيام بواجبنا.“ وعلى الصعيد الآخر، أعتقد أن دول الخليج العربي قد نجحت في بناء نموذج موثوق يلهم المنطقة ويلبي تطلعات الأجيال الشابة.
ففي منطقة تضم دولاً معرَّضة لأزمة المناخ، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، وفي منطقة تحتاج اقتصادياتها تحولاً سريعاً، يمكننا أن نتعاون على تحقيق أهدافنا المشتركة لما فيه خير الجميع، فما أكثر فرص التعاون حتى في ظل تحدياتنا الراهنة.
ولسوف يكون التصدي لهذه التحديات مهمةً شاقةً لحكومات المنطقة، بيد أن أمن الشرق الأوسط وازدهاره مسؤوليتنا في نهاية المطاف، وستواجهنا نحن وشركاءنا خياراتٌ صعبة، وتظل الولايات المتحدة تضطلع بدور حيوي كعهدنا بها دائماً في الأيام العصيبة القادمة.
فمصلحتنا الجماعية تقتضي منا أن نعزز أواصر التعاون مع الولايات المتحدة وشركائنا الدوليين الرئيسيين من خلال حوارٍ أوسع قائم على الأهداف المشتركة، بما يحترم الاستقلالية الاستراتيجية لدول الشرق الأوسط. وإننا قادرون معاً على أن نواصل دعم الدبلوماسية وردع الصراعات.