تشكيل وسائل التواصل الاجتماعي
تتطلب هزيمة الخطاب الإرهابي حذف المحتوى المسيء والاتيان بخطاب مضاد
أسرة يونيباث
عانى داعش من هزائم ساحقة في ساحات القتال في العراق وسوريا في عام 2017، لكن هناك ساحة معركة واحدة ما زال الإرهابيون يعملون فيها دون خوف.
في صيف عام 2018 — بعد عام كامل من طرد داعش من بعض معاقله الأخيرة في الموصل — واصلت المجموعة الإرهابية نشر رسالة الكراهية عبر بعض أكثر منصات الإنترنت شعبية.
اليوتيوب هو موقع مرتبط بشكل كبير بالفيديوهات المرحة والزاخرة بالمعلومات التي ينتجها المراهقون والبالغون الصغار، ولكن رسائل داعش تسللت باستمرار إلى هذه المنصة في النصف الأول من عام 2018. وفقاً لمشروع مكافحة التطرف، قامت داعش وشركاؤها في ربيع عام 2018 وحده بتحميل 1,348 فيديو يوتيوب.
على الرغم من تمكن الشركة المالكة ليوتوب، جوجل، من سحب أشرطة الفيديو بعد بضع ساعات، إلا أن الضرر قد حدث: واجتذبت هذه الفيديوهات 391 163 مشاهدة قبل سحبها من المنصة.
وبحسب هاني فريد، وهو باحث في مشروع مكافحة التطرف: “هذه أعين كثيرة على تلك الفيديوهات”.
على الرغم من كل منافعها، تم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في شكل تويتر، يوتيوب، فيسبوك ومقلديها من قبل بعض المتطرفين الأكثر شراً في العالم لتلقين وتجنيد الشباب حول العالم.
وقد ردت الحكومات بطرق عدة لانتشار خطابات الكراهية الإرهابية هذه. وقد قام العديد منهم بحجب المواقع الشبكية الشعبية أو منعوا المواطنين مؤقتاً من استخدام الإنترنت بالكامل.
وتعزز هذه التدابير شركات الإنترنت نفسها، التي سعت، تحت ضغط وكالات مكافحة الإرهاب، إلى محو الدعاية من مواقعها.
ومن الابتكارات الواعدة الأخرى “الذكاء الاصطناعي” الذي يهدف إلى تحديد المواد الإرهابية وإزالتها من الإنترنت بأقل قدر من المشاركة البشرية.
ولكن هناك إعتقاد متزايد في أن اتباع نهج شديد يمس الأبرياء والمذنبين على حد سواء هو امر يضر أكثر مما ينفع. وتتجه الحكومات بشكل متزايد إلى نشر خطاب مضاد لمواجهة المتطرفين أينما كانوا في الفضاء الإلكتروني.
وبما أن مراقبة الإنترنت لا تكفي في نهاية المطاف لأن المتطرفين دخلوا بعمق أكبر في الثغرات المظلمة للشبكة، فإنه يتوقع أن يكون لهذه الروايات المضادة مدى وتأثير أكبرعلى الصعيد العالمي.
يقول مقصود كروس، المدير التنفيذي لمركز هداية لمكافحة الإرهاب في دولة الإمارات العربية المتحدة: “إن مجرد منع منصات التواصل الاجتماعي أمر لا يكفي”. “يجب علينا أيضا أن نكون قادرين على بناء قدرتنا على التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل إيصال الخطاب المضاد”.
أساليب المراقبة
وقد استخدمت معظم حكومات الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا أساليب مختلفة لمنع وحظر وتصفية المحتوى الإرهابي على الإنترنت. وتشكل هذه الأساليب — إذا اقتصرت على المتطرفين العنيفين ولم يساء استخدامها للرقابة على المواطنين الأبرياء واضطهادهم — خطوة أولى ضرورية لمنع الإرهابيين من التجنيد.
لكن الكثير من أشرطة الفيديو الدعائية تنجح في لفت انتباه السلطات. إن كمية المواد المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعي هي ببساطة شاسعة للغاية ولا يمكن مراقبتها بشكل فعال. فالإرهابيون لا يخفون موادهم لعرضها في المواقع الرئيسية على شبكة الإنترنت فحسب، بل يلجأون أيضا إلى الشبكات المغلقة على الشبكة السوداء لإرسال رسائل تحض على الكراهية.
وتقبل الخدمات الجديدة نسبياً مثل محرك Google Drive آلاف الساعات من الفيديو غير المرصود في الغالب، بما في ذلك الفيديوهات التي حمّلها الإرهابيون. أحصى الخبراء ما لا يقل عن 400 موقع إلكتروني قام تنظيم داعش بنشر مقاطع فيديو عليها. بعض هذه تشمل تعليمات خطوة بخطوة حول كيفية صنع القنابل.
تقول نيكيتا مالك، مؤلفة ورقة بحثية حديثة لمركز التطرف والإرهاب الذي يوجد مقره في لندن، إن المتطرفين العنيفين أصبحوا مبدعين في تجنب التدقيق من جانب دوائر مكافحة الإرهاب. يستخدمون الإنترنت ليس فقط للرسائل ولكن لجمع المال من خلال العملات المشفرة الغامضة مثل بيتكوين.
وقال مالك لصحيفة الجارديان: “لقد حرمنا الدولة الإسلامية من السيطرة على أراضي في العالم الحقيقي ولكن لديها ملاذ آمن جديد تماماً في الفضاء الإلكتروني نحتاج أولاً إلى فهمه ثم إغلاقه”. “يجب على السلطات التحرك بسرعة لزيادة معرفتها بأنشطة الإرهابيين في الفضاء السيبراني واستخدامهم للتكنولوجيات مثل البيتكوين. ويتعين على التشريع في هذا المجال أن يتحرك بحذر إذا أردنا أن نوازن بين الحريات والحماية من التهديدات التي يتعرض لها أمننا ــ ولكن الوقت قد حان لحرمان المتطرفين من المساحة التي يحتاجون إليها على شبكة الإنترنت للتخطيط لأعمال وحشية جديدة”.
ادعت بريطانيا العظمى نجاحها في استخدام ما أسمته الذكاء الاصطناعي لإجتثاث مواد التجنيد التي يستخدمها داعش من مئات المواقع عبر الإنترنت. وقد استخدم المطورون 1000 شريط فيديو موجود لداعش “لتدريب” برنامج الحاسوب للتعرف على محتوى داعش على الإنترنت، ويدعون أن التكنولوجيا حققت معدل نجاح بنسبة 94 في المائة. وستساعد الأداة السلطات في إزالة محتوى داعش من منصات أكثر غموضا مثل Vimeo وTelegram وpCloud.
وشرعت شركات الإنترنت في مراقبة نفسها باستخدام تكنولوجيا “بصمات” خاصة بها، في معظم الحالات، لاكتشاف الكلمات والمواضيع الرئيسية التي تحظى بشعبية لدى الإرهابيين.
في عام 2017، شكلت ميكروسوفت وفيسبوك ويوتيوب وتويتر منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب بهدف تبادل التكنولوجيا وأفضل الممارسات لإزالة المحتوى الذي يضعه المتطرفون العنيفون. وانضمت إلى المنتدى منذ ذلك الحين شركات أخرى لوسائط التواصل الاجتماعي مثل لينكدين وإنستغرام وسناب.
يقول سالم الزعابي، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في الإمارات العربية المتحدة،: “للحكومات وشركات الاتصالات السلكية واللاسلكية دور تؤديه في تثقيف الجمهور بشأن الخطر الذي تشكله المنظمات الإرهابية التي تستخدم منصات وسائل الإعلام الاجتماعية لتجنيد الأفراد وتعزيز الكراهية”.
تصميم الخطابات المضادة
على الرغم من أهمية إزالة المحتوى المتطرف من المنتديات عبر الإنترنت، إلا أن هذا وحده لا يكفي. يجب على البلدان أن تنشر خطابات مضادة لا تدحض محتوى أشرطة الفيديو التي ينتجها الارهابيون للتجنيد فحسب، بل تنتج ذلك بطريقة تستقطب الشباب السئمين الذين قد لا يثقون في شخصيات السلطة الاكبر منهم سناً.
لإجراء هذا النوع من التواصل الاستراتيجي، قامت البلدان بتجنيد تقنيات مستعارة من مجالات متنوعة مثل علم النفس والإعلان واللاهوت والاتصالات. وفي بعض الحالات، يعاد توجيه الإرهابيين المحتملين الذين يتصفحون شبكة الإنترنت بحثا عن المحتوى المتطرف إلى مواقع مكافحة الإرهاب على شبكة الإنترنت.
يعمل هداية كمركز لتبادل المعلومات بشأن بحوث مكافحة الإرهاب. وهو تستضيف مكتبة للخطابات المضادة توجه المستخدمين إلى مئات الصفحات من المحتوى المتاح بالفعل على الإنترنت، بما في ذلك الأفلام والبرامج التلفزيونية والكتب والكرتون والفيديو والمقالات الإخبارية والمدونات. وفي أوروبا، تقدم منظمة تسمى شبكة التوعية بالتطرف خدمة مماثلة.
”عندما تنشىء هذه الجماعات الإرهابية رسالة لوسائل الإعلام الاجتماعي، لماذا تؤثر في بعضنا وليس في البعض الاخر؟ الجواب بسيط، إنه المحتوى”، كما يقول كروس. “لذلك نحن بحاجة إلى خلق فكرة أفضل تؤثر بشكل أكثر. وفي هذه المنافسة بين الأفكار، نحتاج إلى أن نكون مبتكرين ومبدعين وذوي رؤية”.
ولكن تصميم حملة لمكافحة الإرهاب لجمهور متنوع أمر صعب. وعلى الرغم من أن الهدف هو تشويه سمعة التطرف العنيف والقضاء عليه باستخدام الأيديولوجية أو الأخلاق أو المنطق أو الحقائق، لا تؤثر كل رسالة أو طريقة مع كل شخص.
على سبيل المثال، وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تثني مراهقاً متذمر يبحث عن مغامرة في سوريا لن يكون لديها سوى القليل من القدرة على تغيير رأي مجرم متشدد. وقد يستجيب الجيل الثالث من الأوروبيين من باريس للخطابات المضادة بشكل مختلف عن استجابة الأفغان غير المتعلمين من قرية نائية.
وباستخدام لغة التسويق، كثيراً ما تستلزم الحملات الإعلامية لمكافحة الإرهاب ردع “المستهلكين” عن “شراء” العلامة التجارية “لمنظمة إرهابية.
”إن استراتيجيات الخطاب المضاد دفاعية تقوم على رد الفعل في حد ذاتها؛ فهي تعتمد على خطاب الخصم من أجل صياغة خطابها الخاص. ونتيجة لذلك، لا يميل الخصم فقط إلى البدء في وتيرة وطبيعة المسابقة الإعلامية ولكن أيضا إلى تشكيلها”، كما أشار مؤلفو ورقة بحثية للاتحاد الأوروبي صدرت في نوفمبر 2017 بعنوان “مكافحة الخطابات الإرهابية”.
يقول الخبراء أن أفضل الحملات هي التي تنقل بلا هوادة الرسائل المواضيعية المتنوعة عبر منصات متعددة، ولكنها تتأكد من أن هذه الرسائل تجتمع حول خطاب بسيط وشامل.
وتقوم وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة بتجنيد طلاب الكليات الأمريكية — من نفس الفئة العمرية التي ينتمي إليها العديد من المجندين الإرهابيين — لصقل رسائلها المتعلقة بمكافحة الإرهاب.
برنامج يسمى من الأقران إلى الأقران: دعا تحدي التطرف عشرات الجامعات لتطوير الحملات الإعلامية الاجتماعية للحيلولة دون قيام الإرهابيين بالتجنيد. وكانت النتيجة إنشاء مواقع إلكترونية مبتكرة تستخدم منتديات مثل ألعاب الفيديو والموسيقى لنقل رسالتها المناهضة للتطرف. حظيت الجامعة الفائزة بجائزة 5000 دولار أمريكي.
وبحسب جورج سليم، من وزارة الأمن الداخلي، “يعالج البرنامج أمرين أساسيين”. “إنه يجلب مشاكل الأمن القومي في العالم الحقيقي إلى الفصول الدراسية، ويعطي الشباب فرصة لإسماع أصواتهم”.
لابد لمزيج من النهج الأصعب – حذف وتعطيل وسائل الإعلام الاجتماعية التي تحرض على العنف ــ والنهج الأكثر ليونة وبث الخطاب المضاد على شبكة الإنترنت ــ أن يكون جزءاً من مجموعة أدوات مكافحة الإرهاب في كل مجتمع.
يقول ماكس هيل، المدعي العام الذي عمل كمراجع مستقل لتشريعات الإرهاب في بريطانيا العظمى، “إننا نريد إنهاء قدرة المجرمين على التواصل حيثما ييسر استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية هذه الجرائم الفظيعة”.
”ومع ذلك، يجب أن نعترف بأن مراقبة الإنترنت والسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي يترتب عليها ثمن باهظ جدا إذا كانت تحد من حرية الاتصال التي يتمتع بها كل مواطن”.
توجهات أربعة في مكافحة الإرهاب القائم على الإنترنت
تعطيل — الحيلولة دون التوزيع، حذف المحتوى، وحظر المواقع الإلكترونية.
إعادة التوجيه — توجيه المشاهدين بعيداً عن المواد الإرهابية إلى مواقع الخطابات المضادة.
الخطابات المضادة — تصميم وتنفيذ الحملات التي تقدم وجهات نظر بديلة للتطرف العنيف.
مزامنة — التنسيق متعدد الجنسيات لضمان كون الرسائل عملية ومتسقة وفعالة.
التعليقات مغلقة.