تجهيز أهل الشر

مرتكبو الجرائم العابرة للحدود لا يحترمون السلم الأهلي بإساءة استخدام التكنولوجيا

اللواء‭ (‬متقاعد‭) ‬بالجيش‭ ‬الأردني‭ ‬عودة‭ ‬شديفات

على الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬النعم‭ ‬التي‭ ‬تمنحها‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬للبشرية،‭ ‬فإنها‭ ‬سيف‭ ‬ذو‭ ‬حدين،‭ ‬إذ‭ ‬تدمر‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬إذا‭ ‬استُغلت‭ ‬استغلالاً‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬الإنسان‭.‬

يستطيع‭ ‬أهل‭ ‬الشر‭ ‬تسخير‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬لخدمة‭ ‬أهداف‭ ‬وأغراض‭ ‬منحرفة،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عندهم‭ ‬مشروع‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬المنحرفين‭ ‬والمتطرفين‭ ‬وتجار‭ ‬المخدرات‭ ‬والغشاشين‭ ‬والمحتالين‭ ‬وناشري‭ ‬الرعب‭ ‬والذعر‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكاله‭.‬

فكم‭ ‬عدد‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬فيها‭ ‬طائرات‭ ‬مسيَّرة،‭ ‬وكم‭ ‬عدد‭ ‬الأرواح‭ ‬التي‭ ‬أُزهقت‭ ‬والدماء‭ ‬التي‭ ‬أُريقت‭ ‬سدىً،‭ ‬وكم‭ ‬كرامة‭ ‬انتُهكت‭ ‬حرمتها،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬الممتلكات‭ ‬دُمر؟‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬اليسير‭ ‬تنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬إرهابية‭ ‬من‭ ‬مسافات‭ ‬بعيدة‭ ‬وبتكاليف‭ ‬قليلة،‭ ‬ويستخدمها‭ ‬الساعون‭ ‬إلى‭ ‬إيذاء‭ ‬البلدان‭ ‬وتدميرها‭ ‬وتخريبها‭. ‬لقد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬فيها‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيَّرة‭ ‬نقل‭ ‬المخدرات‭ ‬والمتفجرات،‭ ‬ولا‭ ‬نتصدى‭ ‬لها‭ ‬ونعترضها‭ ‬إلا‭ ‬بصعوبة‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنَّ‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬المتقدمة‭ ‬تقنياً‭ ‬أصبحت‭ ‬بارعة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬وأدائها‭ ‬لزيادة‭ ‬الشر‭ ‬ونشر‭ ‬الفوضى‭ ‬وتدمير‭ ‬حياة‭ ‬البشرية‭. ‬فتشتت‭ ‬انتباه‭ ‬جيوش‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تراها‭ ‬معادية،‭ ‬وتفرح‭ ‬بمصائب‭ ‬الآخرين،‭ ‬وتنشر‭ ‬الوحشية‭ ‬والخداع‭ ‬عبر‭ ‬العصابات‭ ‬والميليشيات‭ ‬وحماتها‭ ‬والمخططين‭ ‬لها‭ ‬الذين‭ ‬يخوضون‭ ‬حروبها‭ ‬القذرة‭ ‬بالوكالة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭. ‬وترعى‭ ‬كل‭ ‬مَن‭ ‬يزرع‭ ‬ويصنع‭ ‬ويصدر‭ ‬ويتاجر‭ ‬في‭ ‬الخراب‭ ‬والدمار،‭ ‬وتمتلك‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬لتحقيق‭ ‬شرورها‭ ‬وأهدافها‭.‬

وإذا‭ ‬لم‭ ‬يفلح‭ ‬تدمير‭ ‬الأجسام‭ ‬وإزهاق‭ ‬الأرواح،‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬العقول‭ ‬والسلوك‭ ‬والأخلاق،‭ ‬ونشر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يفسد‭ ‬المجتمعات‭ ‬والبلدان،‭ ‬وتشجيع‭ ‬الانحراف‭ ‬بكافة‭ ‬أشكاله‭ ‬وصوره‭ ‬بدافع‭ ‬الغش‭ ‬والبغضاء‭ ‬والحسد‭.‬

ويستخدمون‭ ‬شبكات‭ ‬من‭ ‬المحرضين‭ ‬والمهيجين‭ ‬الذين‭ ‬ينشرون‭ ‬الشائعات‭ ‬والأكاذيب‭ ‬والأباطيل‭ ‬والافتراءات‭ ‬والفتاوى‭ ‬المتوافقة‭ ‬مع‭ ‬أهوائهم‭ ‬ورغباتهم‭.‬

أمست‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيَّرة‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬هؤلاء‭ ‬متوفرة‭ ‬ومتاحة‭ ‬للعصابات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬انتشر‭ ‬فيها‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وسيستخدمها‭ ‬أطفال‭ ‬مخيمات‭ ‬المهجَّرين‭ ‬وداعش،‭ ‬ومن‭ ‬هربوا‭ ‬من‭ ‬السجون‭ ‬وعكفت‭ ‬دول‭ ‬ومليشيات‭ ‬وعصابات‭ ‬على‭ ‬تلقينهم‭ ‬وتدريبهم‭.‬

إنَّ‭ ‬أطفال‭ ‬هذه‭ ‬المعسكرات‭ ‬أشبه‭ ‬بالقنبلة‭ ‬الموقوتة‭ ‬داخل‭ ‬البلدان‭ ‬وعلى‭ ‬حدود‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬بعض‭ ‬المهاجرين‭ ‬الدوليين‭ ‬غير‭ ‬الشرعيين‭.‬‭ ‬وهذا‭ ‬الخليط‭ ‬هو‭ ‬السلاح‭ ‬الذي‭ ‬تبحث‭ ‬عنه‭ ‬دول‭ ‬وترعاه‭ ‬وتحرص‭ ‬عليه،‭ ‬فتنشر‭ ‬السم‭ ‬والرعب‭ ‬اللذان‭ ‬لا‭ ‬يميزان‭ ‬بين‭ ‬اللون‭ ‬والدين‭ ‬والعقيدة،‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬غايتها‭ ‬نشر‭ ‬الفوضى‭ ‬وتشتيت‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬وإشغال‭ ‬القوات‭ ‬ومحو‭ ‬أمن‭ ‬البلدان‭ ‬والحدود‭.‬

لم‭ ‬يترك‭ ‬الإرهابيون‭ ‬أي‭ ‬وسيلة‭ ‬أو‭ ‬أداة‭ ‬إلا‭ ‬وأساؤوا‭ ‬استخدامها‭ ‬لخدمة‭ ‬مشاريعهم‭ ‬الهدامة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬إيجابيات‭ ‬التقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬المستمر‭ ‬الذي‭ ‬يشهده‭ ‬العالم‭ ‬الحديث،‭ ‬فما‭ ‬أكثر‭ ‬السلبيات،‭ ‬وأهمها‭ ‬تأخر‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الناشئة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬استخدامها‭ ‬وتعاقب‭ ‬من‭ ‬يسيء‭ ‬استخدامها،‭ ‬سواء‭ ‬أكانوا‭ ‬أفراداً‭ ‬أم‭ ‬جماعات‭ ‬أم‭ ‬دول‭.‬

لقد‭ ‬انتهز‭ ‬الإرهابيون‭ ‬فرصة‭ ‬غياب‭ ‬الردع‭ ‬الدولي‭ ‬–‭ ‬ودعم‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬لهم‭ ‬–‭ ‬لاستغلال‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬لخدمة‭ ‬الجريمة‭ ‬المحلية‭ ‬والعابرة‭ ‬للحدود‭. ‬ونظموا‭ ‬حملات‭ ‬تجنيد‭ ‬وتمويل‭ ‬للجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منصات‭ ‬الإعلام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والهواتف‭ ‬المحمولة‭ ‬وهواتف‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬وأجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬والشبكات‭ ‬الافتراضية‭ ‬الخاصة‭.‬

وهاجموا‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وعطلوا‭ ‬أنظمة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬العامة،‭ ‬وقاموا‭ ‬بعمليات‭ ‬ابتزاز‭ ‬وترهيب‭ ‬ممنهجة‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭. ‬ولكبح‭ ‬جماح‭ ‬هذا‭ ‬الإرهاب‭ ‬المستشري،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يوافق‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬للجرائم‭ ‬السيبرانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سن‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬كيان‭ ‬حكومي‭ ‬أو‭ ‬خاص‭ ‬يَثبُت‭ ‬ضلوعه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬أو‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬السكوت‭ ‬عليها‭. ‬إنَّ‭ ‬التقصير‭ ‬في‭ ‬عقاب‭ ‬المجرم‭ ‬أشبه‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬القانون‭ ‬بالتواطؤ‭ ‬في‭ ‬الجريمة‭. 

التعليقات مغلقة.