Getting your Trinity Audio player ready...
|
تتسابق الجماعات الإرهابية للحصول على الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والمشعة، بينما تعمل الدول الصديقة على منع سقوط المواد ذات الاستخدام المزدوج بيد الإرهاب، كما دقت جائحة كورونا ناقوس الخطر لدى جميع دول العالم من مخاطر انتشار الأوبئة سواء تلك التي تنتقل من الحيوان للإنسان أو الناتجة عن تسرب مواد خطرة من المختبرات والتي يمكن للإرهابيين وغيرهم من الخصوم والأعداء استغلالها لصنع أسلحة بيولوجية.
ومع أخذ هذه التحديات في الحسبان، استضاف برنامج الحد من التهديدات البيولوجية التابع لوكالة الحد من التهديدات التابعة لوزارة الدفاع الامريكية وبالتنسيق مع القيادة المركزية الأمريكية ندوة لمكافحة أسلحة الدمار الشامل على المستوى الإقليمي، وحضر الندوة، التي أُقيمت في البحرين في أيار/ مايو 2024، أكثر من 75 ضيفاً أغلبهم قادة عسكريون وأمنيون وخبراء في مجال الأوبئة والصحة من دول المنطقة والمنظمات الصحية الدولية.
هدفت الندوة لجمع صانعي السياسات والخبراء الفنيين في مجالات الأمن الصحي والمراقبة البيولوجية وإدارة المخاطر من وزارات الدفاع والصحة والزراعة والقطاعات الأخرى ذات الصلة لتبادل الأفكار ومشاركة أفضل الطرق لمواجهة التهديدات، كما ركزت الندوة على استقطاب خبراء متخصصين من القطاعات المدنية والعسكرية وباحثين أكاديميين ومُمثلي التكنولوجيات البيولوجية وخبراء من فرق الاستجابة للمواد الكيمياوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والمتفجرة، كما سلطت الندوة الضوء على حماية صحة القوات وعمليات الطوارئ ومراكز إدارة الأزمات.
تركزت أهداف الندوة على تعزيز معرفة المشاركين وقدرتهم على تطوير السياسات والاستراتيجيات محلياً وإقليمياً، وعبر المجتمع الدولي لمواجهة التهديدات البيولوجية وتعزيز الأمن الصحي العالمي، كما شجعت الندوة على الحوار بين الممثلين المدنيين والعسكريين، والذي يؤدي بدوره إلى تبادل الأفكار وتأسيس الشراكات وبناء الثقة لزيادة فرص التعاون في مواجهة تحديات الأمن البيولوجي الإقليمية، بما في ذلك التنسيق والمشاركة في التمارين المستقبلية وتبادل المعلومات وتعزيز الشراكات بين الولايات المتحدة والدول الشريكة.
شهدت جلسات الندوة نقاشات مثمرة بين الخبراء ووفود الدول المشاركة، حيث تحدث الفريق اليمني عن الخدمات الطبية العسكرية وعن أمن السلاسل اللوجستية ومدى الاستجابة في اليمن، كما ناقش الخبراء من سلطنة عمان أهمية تعدد المصادر وأهمية تنويع المصادر الدولية للأدوية واللقاحات، وذلك من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة وحماية المجتمع وعدم السماح للشركات المصنعة من استغلال الأزمات لرفع أسعار اللقاحات.
تحدث الوفد الأردني عن دور قواته المسلحة في العمل مع بقية أجهزة الدولة للحد من انتشار الوباء، فضلًا عن مواجهة تحدٍ آخرٍ لا يقل صعوبة عنه والمتمثل في الحد من الإشاعات والمعلومات الخاطئة، لذلك يجب أن تبذل الدول جهوداً كبيرةً في تثقيف شعوبها عن تجنب الوباء وتهيئة المجتمع للوقاية وتنبيههم إلى مخاطر انتشار الشائعات الخبيثة والمعلومات الخاطئة التي تؤدي إلى زعزعة أمن المجتمع، كما ناقش الوفد تجربة الأردن الفريدة من نوعها في تأسيس المركز الوطني لمكافحة الأوبئة لسد الفجوات بين مؤسسات الدولة الصحية والأمنية خلال جائحة كورونا.

وإدراكاً من الخبراء العمانيون لحقيقة مفادها أن بعض الدول قد تسعى إلى تجنب الإفصاح عن المعلومات لتجنب نفسها الإحراج السياسي، فقد أكدوا على أهمية الشفافية عند الإعلان عن اكتشاف وباء أو تسرب مواد خطرة، فالإفصاح التام هو أفضل وسيلة لحماية المنطقة والعالم بأسره ومنع انتشار مثل هذه الأمراض، وقد يؤدي عدم الإفصاح عن هذه المعلومات إلى عواقب وخيمة مع تفشي المرض إلى البلدان المجاورة كما اقترح الخبراء العمانيون توظيف التقنيات الحديثة لتجنب المشاكل الناجمة عن عدم الإفصاح.
قال أحد أعضاء الوفد العماني: سنعتمد على المعلومات الرسمية التي تصلنا من الدول وعلى ضوءها نتخذ القرارات الوقائية فإذا لم تكن تلك المعلومات حقيقية وشفافة، سيطال خطر تفشي الأوبئة الجميع، فجميعنا تلقينا ضربةً موجعةً في جائحة كورونا ربما كان سببها هو عدم الإفصاح عن عدد الحالات أو تجاهلها، ولهذا يجب علينا أن نفكر خارج الصندوق.ز
سلا تُوجد معاهدة دولية في الوقت الحالي تجعل الإبلاغ إلزامياً، ولا توجد أي عواقب لعدم الإبلاغ، فيتوجب علينا توظيف التقنيات المتطورة للكشف وإعطاء نتائج أكثر دقةً مثل استخدام الذكاء الاصطناعي، وأعتقد أن الذكاء الصحي يمكن أن يلعب دوراً هاماً للغاية في هذا المضمار.ز
كما ركز العمانيون على أهمية مشاركة الدول في الاتفاقية الدولية للوائح الصحية وتطبيقها من أجل تجنب الكوارث الناتجة عن تفشي الأوبئة أو تسرب المواد الخطرة.
سلط الوفد الضوء على أهمية تعديل الاتفاقيات الدولية لحظر الأسلحة البيولوجية وإلزام الدول بتطبيق هذا الحظر، مشيراً إلى أنه بدون إلزام أو ردع دولي لن يكون لهذه الاتفاقيات أي أثر.
قال ممثل الوفد العماني: سكانت عمان من أوائل الدول التي وقَّعت على حظر الأسلحة البيولوجية، كما وقَّعت أغلب دول العالم بالطبع على هذه الاتفاقية لكن للأسف الشديد هنالك ضعف في تطبيقها، كما أضاف أن المخاطر البيولوجية لا تعرف الحدود ولا يُوجد أحدٌ في مأمن من هذا التهديد.ز
اتفق الوفد القطري مع ما طرحه العمانيون في موضوع عدم معاقبة الدول التي تفصح عن انتشار الأوبئة فيها بشفافية وصدق، لأن مثل هذا التساهل سيحد من انتشار الوباء ويساعد على تكاتف الدعم الدولي في تقديم الدعم والإسناد، أما إذا كانت ردة فعل الدول المجاورة أو البعيدة سلبية مثل إيقاف الرحلات الجوية أو منع استقبال مواطني تلك الدولة أو قطع العلاقات التجارية فهذا سيجعل دول أخرى تتردد في الإفصاح، مما يجعل الجميع عرضةً لمخاطر العدوى وحدوث خسائر فادحة.
قال ممثل الوفد القطري: سخير مثال على ذلك هو ما حدث في فترة جائحة كورونا حيث تم تصنيف الدول باللون الأحمر والبرتقالي والأخضر والذي تُرِجم على أنه بمثابة عقوبة للدول التي صرحت بصدق عن تفشي الوباء مما تسبب للأسف في عزوف بعض الدول عن تقديم إفصاحات حقيقية، فإذا كنا نطمح للحصول على معلومات حقيقية ونشجع الدول على التصريح بكل شفافية فعلينا عدم اتخاذ أية إجراءات بحق تلك الدول.ز
كما تساءل الوفد البحريني عن مخاوف المجتمعات من الآثار السلبية للقاحات ونظرية المؤامرة وعدم تثقيف المجتمع، وركز على أهمية مشاركة الإحصائيات المتعلقة بنتائج اللقاحات، كما شجع على التعاون الدولي بين المؤسسات الحكومية والدولية في حالة حدوث تسرب مواد خطرة أو حدوث هجمة إرهابية أو تفشي جائحة في منطقةٍ محددةٍ.
إن أفضل مثال على هذا التعاون هو تسارع العالم لدعم سيراليون أثناء تفشي وباء الحمى النزفية والحد من انتشاره، لكن سرعة انتشار جائحة كورونا لم تمهل العالم الوقت لحصر الوباء في منطقةٍ معينةٍ.
أعرب الوفد اليمني العسكري عن شعوره بالارتياح لما تم تحقيقه من تواصل وعمل بين المؤسسات الحكومية والقوات المسلحة، إذ يتم العمل بين وزارات التربية والتعليم والصحة والدفاع والزراعة للحد من انتشار وباء الملاريا، فقد حددت بعض المحافظات في اليمن الدخول من أجل السيطرة على الوباء.
لقد تسببت الحرب الأهلية في اليمن، فضلاً عن ساحلها الطويل وتضاريسها الجبلية وقربها من مراكز الأمراض في إفريقيا في تقويض قدرة البلاد على السيطرة على تفشي الأوبئة.
سإن الحرب الداخلية في اليمن أثرت بشكل كبير على الجانب الاقتصادي والأمني وأحدثت شرخاً في المؤسسات الصحية، حيث أن الإدارات العليا موجودة في العاصمة صنعاء بعيداً عن المناطق المُصابة لكننا لمسنا تحسناً كبيراً في سرعة استجابة الحكومة في آخر سنتين.ز
سخلال جائحة كورونا، كان هناك تنسيق على مستوى جميع دوائر الدولة، بين رئاسة الجمهورية والمحافظين والوحدات العسكرية، كما لدينا في كل وحدة عسكرية وحدة كيميائية لتعقب الأوبئة والتهديدات البيولوجية والكيمياوية، وهناك أيضاً بالطبع الفيروسات التي تأتي عن طريق المهاجرين غير الشرعيين من الساحل الإفريقي مما يتطلب اتخاذ التدابير اللازمة لإحكام السيطرة على المياه الإقليمية ومراقبة أطقم السفن وفحص كل المواد القادمة عبر الموانئ.ز
شارك الوفد الأردني أحد الدروس المستفادة من جائحة كورونا ألا وهو تأسيس المركز الوطني لمكافحة الأوبئة والأمراض السارية.
قال أحد أعضاء الوفد الأردني: سإن الفجوة التي كانت تظهر في كل حدث ما هي إلا ضعف في التنسيق والتعاون ما بين القطاعات والمؤسسات المختلفة حيث لم تكن الأدوار بين المؤسسات واضحة بشكلٍ كافٍ مما أدى الى التداخل والازدواجية والتكرار كما أثر سلباً على سرعة الاستجابة الفعّالة للحالات الحرجة وكان لذلك عواقب وخيمة فضلاً عن خسارة العديد من الأرواح وهدر الموارد.ز
جاءت التوجيهات السامية لتأسيس المركز الوطني ليكون أول جهة رسمية حكومية تُعنى بالصحة العامة وتعزيز القدرات الوطنية للكشف عن التهديدات الصحية والتأهب والاستعداد لمكافحتها والوقاية منها.
خلال ندوة مكافحة أسلحة الدمار الشامل التي استمرت ثلاثة أيام، تبادل المشاركون الخبرات الميدانية مع نظرائهم وتجاربهم الناجحة في فترة جائحة كورونا والخطوات المتبعة في الوقاية والكشف والإبلاغ والاستجابة للمخاطر البيولوجية والأوبئة، إذ تم مناقشة الأمن البيولوجي والسلامة البيولوجية والمراقبة البيولوجية فضلاً عن الكشف عن الأوبئة وتشخيصها واستغلال التكنولوجيات الناشئة والتعاون الدولي للحد من التهديدات، وأجزم الجميع بأن هذا النوع من التهديدات لا يمكن لدولة مواجهته منفردةً بل تحتاج للشراكة الدولية.