يترأس المقدم بحري جيمس بلاكمور، قائد «المجموعة الضاربة لحاملة الطائرات البريطانية»، مجموعة ضاربة معقدة متعددة الجنسيات، غايتها تحقيق تأثير استراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فقد انطلقت حاملة الطائرات البريطانية «برينس أوف ويلز»، وهي سفينة القيادة في المجموعة الضاربة، من المملكة المتحدة، وتتألف المجموعة من عناصر قوة متعددة الجنسيات: سفن سيادية بريطانية (دونتلس، وريتشموند، وتايد سبرينغ)، ووحدات متعددة الجنسيات، منها الفرقاطة الإسبانية «مينديز نونيز»، والفرقاطة النرويجية «روالد أموندسن»، والفرقاطة الكندية «فيل دي كيبيك».
حققت عملية «هاي ماست»، كما تُسمى أنشطة المجموعة الضاربة لحاملة الطائرات البريطانية، إنجازات يُشار إليها بالبنان، فأجرت في أيَّار/مايو 2025 تدريبات تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ونفذت تمرين «ميد سترايك»، وهو من الفعاليات التدريبية شديدة التعقيد، شاركت فيه 21 بارجة، وثلاث غواصات، و41 طائرة مقاتلة، و19 مروحية، و10 طائرات دوريات، وأكثر من 8,000 فرد.
وعبرت المجموعة الضاربة البحر الأحمر مؤخراً، قاصدة منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وانضمت إليها في هذه المرحلة المدمرتان الأمريكيتان «سوليفانز» و«تروكستون»، فاندمجت مع القيادة المركزية الأمريكية والقوات البحرية المشتركة لتقديم الإسناد اللازم لقوة المهام المختلطة 153، وذلك لنشر الأمن في البحر الأحمر تحت قيادة مصر.

وستنضم إليها سفنٌ من بلدان أخرى، إجمالي 13 سفينة في إطار عملية «هاي ماست»، أثناء تنفيذها لمخطط المناورة، وتشمل كلاً من أستراليا واليابان ونيوزيلندا وجمهورية كوريا الجنوبية، وسيتدرب المشاركون في عملية «هاي ماست» مع بلدان أخرى أثناء عبور المجموعة مناطق مختلفة.
ومن المهام الكبرى القادمة للمجموعة الضاربة التخطيط لزيارة المياه الأسترالية للمشاركة في تمرين «تاليسمان سيبر 25»، يليه التقدم نحو منطقة عمليات القيادة الأمريكية للمحيطين الهندي والهادئ للمساعدة في بلوغ القدرات العملياتية القصوى للمجموعة الضاربة لحاملة الطائرات البريطانية بدمجها مع الأسطول الأمريكي السابع.
تبرهن عملية «هاي ماست» على أن المجموعة الضاربة إنما هي قوة متعددة الجنسيات. والمجموعة الضاربة هي قوةٌ جامعةٌ تندمج فيها البلدان الأخرى، مما يُعزز تأثيرها الاستراتيجي، وهذا جوهر التوافق العملياتي، إذ تستطيع المجموعة الضاربة أن تندمج في أي هيكل قيادي وأن تنفذ أي مهمة تُسند إليها، وهذا فريد من نوعه.

وهذا ليس بالعمل الهين، لا سيما في مسألة القيادة والسيطرة، بل لا يخلو من التعقيد الشديد. فالقيادة والسيطرة من المسائل العسيرة داخل مجموعة مهام السيادة، وفي ظل أنظمة المهام، وناقلات الاتصالات، ومختلف روابط البيانات التكتيكية. بل إن القيام بذلك بقوة متعددة الجنسيات وبهيكل عسكري أمريكي مختلف أشد تعقيداً.
يُقصد بمصطلح التوافق العملياتي قدرة مختلف الأنظمة والمؤسسات والبلدان على العمل معاً بسلاسة وكفاءة، ولا تعتبر الشراكات والتوافق العملياتي متعدد الجنسيات شيئ من الترف في هذا الوقت، بل انها ضرورة استراتيجية، فالشراكات تضاعف القوة، وإذا أردنا تحقيق أفضلية نسبية في مواجهة التهديدات المتزايدة، فلا غنى لنا عن منظومة قيادة وسيطرة مرنة لدمج مختلف الشراكات في أي زمان ومكان للنهوض بالقدرة القتالية. وفي إطار المجموعة الضاربة البريطانية، وبالتنسيق مع شركائنا وحلفائنا، نُسخِّر التقنيات الرقمية الجديدة لتحقيق تلك الغاية. وتساعد بيئات تبادل المعلومات الجديدة على كسر أساليب العمل القديمة؛ وهذه البيئات قائمة على منهج أمني مسترشد بالبيانات لا الشبكات والأنظمة التقليدية التي تعمل على انفراد.

وهذه الطريقة الجديدة في العمل، لا سيما على مستوى السريّة التي يمكن الإفصاح عنها، تؤتي ثمارها بالفعل، فبيئة تبادل المعلومات تجعلنا نمكِّن مختلف المحاور الرقمية للسماح بالمستوى المناسب من التبادل بين البلدان، عبر البريد الإلكتروني، ونقل الصوت عبر بروتوكول الإنترنت، والدردشة، ومؤتمرات الفيديو. ولا تزال هذه القدرة في مهدها، لكنها ستقوى في ظل عملية «هاي ماست»، وستغدو عما قريب متوافقة مع أنظمة «سنتريكس» المعروفة، وتشمل القوات البحرية المشتركة والقوات البحرية التعاونية في المحيط الهادئ. وهذا سيمهد الطريق لتبادل المعلومات خارج نطاق تحالف «العيون الخمس» التقليدي وحلف الناتو، ما يُمكِّن القوات متعددة الجنسيات غير التقليدية من التكامل بكل سهولة ويسر.
وحين يقترن ذلك باتصالات الأقمار الصناعية عالية النطاق الترددي، يسهل علينا أن نستشرف مستقبل القيادة والسيطرة، فقد يغير ذلك منهاج القيادة والسيطرة في التحالفات التي تضم أصحاب الإرادة متى شاءوا وإذا شاءوا.
فلا بدَّ للمجموعات الضاربة متعددة الجنسيات أن تتحلى بالمصداقية في عالم متزايد الترابط، وتحقيق هذا الشكل من القيادة والسيطرة سيسمح لنا بتعبئة القوات البحرية حينما تقتضي الحاجة إليها في أوقات الأزمات.