أسرة يونيباث
في مطلع عام 2020، وتحت أشعة الشمس الإفريقية الملتهبة فوق بلدة أديكيڤو بالكونغو الديمقراطية، نالت 15 امرأة باكستانية تكريماً متميزاً.
بصفتهن من أفراد أول فريق مشاركة نسائي باكستاني في إحدى بعثات حفظ السلام الأممية، تأنقت هؤلاء الضابطات العسكريات في بدلات رسمية لاستلام ميداليات تكريماً لخدمتهن الفريدة.
ومنهن طبيبات وممرضات ومهندسات وأخصائيات نفسيات ومحاميات ومعلمات: كن جميعاً مشاركات في بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
كانت هؤلاء الضابطات يولين تركيزاً خاصاً للنساء والأطفال، أي الضحايا الذين كثيراً ما تتعرَّض احتياجاتهم للتجاهل مع وقف الأعمال العدائية في مناطق الصراع.
تعد باكستان من أبرز البلدان المساهمة بقواتها في بعثات حفظ السلام الأممية منذ عام 1962، لكنها لم ترسل ،حتى عقد قريب، فريق مشاركة نسائياً، إذ تقدم هذه الفرق خدمات كالرعاية الطبية والاستشارات والبنية التحتية والتعليم للنساء والأطفال في المجتمعات التقليدية في الغالب.
وصفت الرائد سايما بيج، وهي طبيبة ملحقة بالوحدة الموجودة في الكونغو الديمقراطية، شعورها بالفخر خلال تكريم الأمم المتحدة لها ولزميلاتها لخدمتهن.
وقالت بعد انتهاء الحفل: “من جمال الجيش الباكستاني حرصه على تجهيز جنوده بما يحتاجون لمواجهة كافة أنواع الظروف، بحيث يمكنهم أداء مهامهم في ظل كل الصعاب وتغير المواقف دون أي اختلاف بين الجنسين.”
خدمت نحو 500 امرأة من باكستان في بعثات حفظ السلام خارج البلاد، وحظين بالتكريم في بقاع مثل دارفور في السودان. وكانت هؤلاء النساء يُكلَّفن في جميع الحالات تقريباً للعمل كطبيبات وممرضات في المستشفيات والعيادات العسكرية، ووسَّعت فرق المشاركة النسائية دور القوات النسائية لتشمل مهناً أخرى كانت الحاجة تشتد إليها في مناطق القتال السابقة في إفريقيا.
وخلال زيارته للبعثة في عام 2020، أشاد السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بباكستان لحرصها على الاستعانة بالنساء في قوات حفظ السلام، وكان الأمين العام قد أعلن عن هدف يتمثل في أن تشكل المرأة نسبة 15% من أفراد حفظ السلام. غادرت القوات الباكستانية لأول مرة إلى بعثة المونوسكو في عام 2004، وكفل وصول فريق المشاركة النسائية في عام 2019 لكراتشي تحقيق هدف الأمم المتحدة للتنويع بين الجنسين.
وأوضح غوتيريش خلال زيارته قائلاً: “تعد قوات حفظ السلام النسائية، سواء في الجيش أو الشرطة، من الأهمية بمكان لكسب ثقة المواطنين، وكسب ثقة المجتمعات المحلية. ويمكنهن القيام بأشياء لا نستطيع نحن الرجال القيام بها، ممَّا أكسبهن الثقة وهيأ الظروف لزيادة فعالية العمل على تنفيذ مهام حفظ السلام الموكلة لنا.”
وصفت طبيبة باكستانية أخرى تعمل مع بعثة المونوسكو، وهي الرائد فريحة تنوير، البعثة الموفدة إلى الكونغو الديمقراطية بأسلوبها باعتبارها أخصائية نفسية عاملة، إذ كان فريقها جزءاً من أكثر من 1,900 من قوات حفظ السلام الباكستانية في البلاد حتى مطلع عام 2021.
فوجدت النساء والأطفال حين وصلت يعانون من أمراض نفسية غير مشخَّصة جرَّاء الضغوط التي عاشوها زمن الحرب وفاقمها الفقر وسوء التغذية المزمنين، وكان الكثير من هؤلاء النساء ضحايا للعنف الجنسي على أيدي عصابات الجنود المتجولين.
وقالت الرائد فريحة لمجلة «الهلال» العسكرية الباكستانية: “يتعيَّن على المرأة أن تكافح كفاحاً مريراً من أجل تأمين مكان لها في العمل والسياسة والاقتصاد في دولة كالكونغو الديمقراطية التي عانت من الصراع المسلَّح طيلة عقود من الزمن، وبما أنَّ النساء والأطفال أهداف سهلة، فقد تعرَّضوا للإيذاء الجسدي على مر العصور.”
لم تكتفِ الرائد فريحة وفريقها بتقديم الدعم النفسي، بل قاموا بتعليم المهارات الأساسية لتشجيع الاكتفاء الذاتي، إذ قامت القوات الباكستانية بتعليم الكونغوليات أموراً كثيرة عن التغذية والنظافة والإسعافات الأولية للحد من وفيات الأطفال، وألقوا عليهن دروساً في اللغة الإنجليزية والحرف اليدوية وأساسيات الكمبيوتر.
وتقول الرائد فريحة: “إنه لمن دواعي سرورنا أن نخدم المجتمع الكونغولي بصفة عامة والنساء بصفة خاصة، وأشعر لكوني امرأة أنَّ مساهمتي في عمليات حفظ السلام الأممية والجيش الباكستاني ستتحمل كل الظروف وتستمر.”
لطالما كانت باكستان من بين أكبر البلدان المساهمة بقواتها في قوات حفظ السلام الأممية، إذ أرسلت قواتها إلى 28 دولة في 46 بعثة مختلفة على مدار ما يقرب من ستة عقود، وكان لديها أكثر من 4,700 من قوات حفظ السلام متمركزين في الخارج حتى آذار/مارس 2021.
ولم تقتصر نجاحاتها في صفوف قوات حفظ السلام على الكونغو الديمقراطية؛ ومثال ذلك أنَّ القوات الباكستانية، ومن بينها نساء، ساهمن في التخفيف من المعاناة خلال العملية المختلطة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور بالسودان، وهي إحدى بعثات حفظ السلام تسمى اليوناميد. كما خدمن في صفوف بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى أو المينوسكا.
كانت الرائد أسماء مالك أول طبيبة تخدم مع إحدى كتائب المشاة التابعة للجيش الباكستاني في ميدان القتال، فكانت ترتدي سترة واقية من الرصاص وخوذة مع سائر القوات في دوريات قصيرة المدى في دارفور.
وتذكرت الرائد أسماء ذلك قائلة: “كنت من الرائدات وكان لي عظيم الشرف بأن أمثل الفيلق الطبي العسكري على هذا المستوى، وكانت الخدمة مع إحدى كتائب المشاة تجربة ثرية بكل مافيها.”
أنشأت وحدة الرائد أسماء عيادات طبية متنقلة ومجانية للسودانيين الذين لم يسبق لهم رؤية طبيب في كثير من الحالات، وكثيراً ما كانت أطقم الأطباء والتمريض العسكرية تكشف على أكثر من 3,000 مريض في يوم واحد، وتراوحت الحالات من الجروح والخدوش الطفيفة إلى لدغات العقارب والأفاعي وحالات الطوارئ شديدة الخطورة.
ففي يوم من الأيام، جاءت أم سودانية تصارع الموت ودخلت في غيبوبة، فنجحت الدكتورة أسماء بمهاراتها في تشخيص حالتها تشخيصاً دقيقاً، إذ علمت أنها مصابة بالملاريا الدماغية، ثمَّ عالجتها فأنقذت حياتها. وقصَّت هذه الحكاية الممتعة على مجلة «الهلال» كمصدر إلهام للمرأة العسكرية الباكستانية التي تفكر في الالتحاق ببعثات حفظ السلام.
وتقول: “كان العام الذي قضيته في دارفور بالسودان كطبيبة مع إحدى كتائب المشاة من أكثر الأوقات المُرضية في حياتي.”
المصادر: الهلال، الأمم المتحدة، دون نيوز، فرونتير بوست
التعليقات مغلقة.