التطوير المستمر
بعد القضاء على داعش، جهاز مكافحة الإرهاب العراقي يسعى إلى تحديث المعدات والمهارات والتدريب
أسرة يونيباث
رغمسيطرة عصابات داعش على مدينة الموصل في حزيران من عام 2014 وفقدان الحكومة المركزية السيطرة على مسافات شاسعة بين الموصل وبغداد، كانت ثمة قوة بحجم فوج تقاتل داخل الموصل ولم تنسحب إلا بعد أن جاءتهم الأوامر من قيادتهم بالتحرك جنوباً باتجاه قضاء بيجي، فشقوا طريقهم قتالا لمسافة تتعدى 300 كيلومتر ووصلوا إلى الموقع المقصود بكامل سلاحهم وعتادهم واستعدادهم المعنوي لمواصلة القتال. بعض القادة العسكريين يصفون هذه المهمة بالــ “المعجزة” لكن الفريق أول الركن عبد الوهاب الساعدي، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، يجزم بأن مقاتلي قوات مكافحة الإرهاب يمتلكون معنويات عالية وإصراراً لتنفيذ الواجب بدقة مهما كلف الأمر. حدثنا الفريق أول الساعدي، عن سر صمود القوة وعن خططه المستقبلية للسير قدما بهذه القوة الاستراتيجية وتعزيز دورها في الحفاظ على أمن واستقرار العراق.
يونيباث: خاضت قوات جهاز مكافحة الإرهاب معارك ضارية ضد داعش، وحققت انتصارات ساحقة، ما هو سر صمود هذه القوة؟
الفريق أول الساعدي: في البداية، أود أن أشكر مجلة يونيباث على دعمها المستمر لرجال جهاز مكافحة الإرهاب وتسليط الضوء على انتصاراتنا ضد عصابات داعش الإرهابية، أما فيما يتعلق بسر صمودنا فهو رغم أن الواجبات التي خاضتها قوات جهاز مكافحة الإرهاب هي خارج اختصاص واجباتها، لكن نتيجة التدريب الراقي والتسليح والتجهيز والمعدات التي تمتلكها، إضافة إلى العقيدة العسكرية التي نشأت عليها بمحاربة كل التنظيمات الإرهابية كذلك تواجد الآمرين والقادة مع جنودهم في الخطوط الأمامية لمواجهة الإرهابيين والدعم المستمر من قبل القائد العام للقوات المسلحة كلها قادت لأداء الواجب على أحسن وجه. وأود التذكير هنا أننا في غاية الجاهزية لتنفيذ أي واجب يناط بنا في أي وقت وظرف.
يونيباث: قدمتم خسائر في الأرواح والمعدات، ما هي خطتك للحفاظ على أداء القوات وإعادة البناء؟
الفريق أول الساعدي: إعادة البناء تحتاج وقت طويل، إننا لسنا قطعات جيش نظامي مثل المدفعية والدروع ولديهم مناهج ثابتة في الرماية وإدامة الأسلحة. نحن جهاز أمني استخباري لمعالجة الأهداف ذات المستوى الأول في قيادات التنظيمات الإرهابية فمناهجنا التدريبية تتطور تبعا لتطور أساليب الارهابيين في شن هجماتهم. ثم أن بناء عنصر مكافحة الإرهاب يحتاج لتدريب تقني عالي ودراسة تخصصية في التعرف على الإرهابيين من بين افراد المجتمع والحفاظ على الحياد وعدم التخندق العرقي او الطائفي. أي أننا نبحث عن صفات معينة لدى المتقدم للانخراط في صفوف وحدات مكافحة الإرهاب قبل تعيينه، لذلك فإن عملية إيجاد الشخص المناسب وإعداده تأخذ وقتا طويلا، لكننا بدأنا مسيرة إعادة تنظيم القوات بعد أن انتهت معارك التحرير وركزنا على الدروس المستنبطة والخبرة الميدانية المتراكمة. لأن الإرهابيين يغيرون تكتيكاتهم ويطورون مهاراتهم القتالية ولابد لنا من أن ندرس هذه التكتيكات بدقة من أجل هزيمتهم بأسرع وقت وباقل الخسائر الممكنة. إضافة إلى التركيز على بعض المهارات التي قد نحتاجها مثل تكتيكات الهندسة والإسناد واقتناء بعض المعدات المتطورة التي تلعب دورا حاسما بتنفيذ هكذا واجبات. كذلك قمنا بتشكيل قوة متخصصة لتنفيذ عمليات في بيئة صحراوية وستبدأ بمهامها قريبا. كذلك التدريب على الطائرات العمودية في التنقل السريع والانزال العمودي على أسطح البيوت أو على الشوارع الضيقة، وهذا التكتيك يجعل عملية اعتقال أو قتل قيادات التنظيمات الإرهابية أقل تعقيدا وأسرع إذ يعتمد على عنصر المفاجأة. إضافة إلى أننا بدأنا بتجهيز الأفواج بتقنيات الرؤية الليلية الحديثة والعجلات المتطورة ونعمل على اقتناء عجلات أكثر تطورا وتحتوي على تقنيات عالية ستصل لجهاز مكافحة الإرهاب قريبا.
يونيباث: ماذا تعني بالعمليات في بيئة صحراوية؟ هل هو إشارة للتدريب المتطور على هكذا عمليات أم تنفيذ عمليات عسكرية فعلية؟
الفريق أول الساعدي: هذه القوة تتدرب مع قوات التحالف للتخصص بالعمل في المناطق الصحراوية والقضاء على البؤر الإرهابية المتواجدة في تلك المناطق. هي ليست قوة كبيرة الحجم، بل هي قوة رشيقة قادرة على تنفيذ واجبات مختلفة في أبعد نقطة في الصحراء خلال وقت قياسي مع إمكانية التكيف والتعايش في الصحراء واستخدام الدلالة والملاحة وتعقب الأثر واستخدام بعض الأسلحة والمعدات التي تتطلبها البيئة الصحراوية. ففي السابق كانت عصابات الإرهاب تتمتع بحرية الحركة في المناطق البعيدة عن عيون السلطة في عمق الصحراء، وكان لهم معسكرات تدريب وقواعد لوجستية صعب اكتشافها او الوصول اليها. ولكي لا نسمح بتكرار سيناريو سقوط الموصل، يجب علينا مراقبة الصحراء باستخدام التقنيات الحديثة مثل طائرات الاستطلاع والتواصل مع السكان في تلك المناطق وكسب ثقتهم، وتكثيف الطلعات الجوية بالطائرات العمودية وتنفيذ مداهمات على أي هدف أو موقع يثير الشكوك. هذا التكتيك سيجعلنا على معرفة بمنطقة العمليات وسيساعدنا على تحديد ثم تدمير مخابئ الإرهاب وشبكاته اللوجستية.
يونيباث: بعد تسنمكم قيادة جهاز مكافحة الإرهاب، هل لديكم خطة لتطوير القوات؟
الفريق أول الساعدي: بالتأكيد، نحن في جهاز مكافحة الإرهاب لدينا فريق متخصص بالبحوث الاستراتيجية والحرب النفسية والحرب السيبرانية، ولدينا أكاديمية متخصصة بتدريب قواتنا. لدي خطة للخمس سنوات القادمة هي أن نوثق جميع المعارك من قبل الآمرين بدءا بآمري السرايا فما فوق لتكون مراجع تعتمد في تطوير المناهج التدريبية. لقد بدأنا نرفد الأكاديمية بالخبرات القتالية والتكتيكات التي يستخدمها العدو وهم يضيفونها لمناهج التدريب، ولمسنا ثمار هذه الخطة في معارك التحرير. حيث تجتمع الوحدات التي قاتلت في قاطع جرف الصخر مع الوحدات التي قاتلت في الصقلاوية في فترة إعادة التنظيم في الأكاديمية، ووجدنا أن العصابات الإرهابية كانت تستخدم تكتيكات ميدانية مختلفة مستفيدة من تضاريس أرض المعركة. وقد استفدنا كثيرا من تبادل هذه المعلومات في معارك الفلوجة والموصل. فتبادل المعلومات يعد إجراءً مهماً ونادراً في بناء القدرات القتالية اعتمادا على الخبرات الميدانية. إضافة لما ذكرت بشأن تدريب القوة الصحراوية، هناك أيضا تشكيل وتدريب سرية بحرية لديها الخبرة والقدرة لتنفيذ واجبات بحرية مثل مكافحة القرصنة. ولدينا قوة لتنفيذ واجبات خاصة اسمها الصياد الماهر متخصصة بتنفيذ واجبات على أهداف مهمة واستراتيجية. ولدينا خطة للتدريب الإجمالي الذي يتم من خلاله تنفيذ واجب على مستوى الفوج، وقد أكملنا تدريب 6 أفواج في معسكر بسمايا والعملية مستمرة. إضافة إلى أن جميع القطعات تتدرب يوميا في ثكناتها وقد ركزنا على موضوع اللياقة البدنية للمقاتلين ونطمح أن تكون جميع القطعات بأعلى المستويات ونعمل مع القيادة بخصوص تطوير المعدات والتجهيزات.
يونيباث: هل التدريب الإجمالي في معسكر بسماية باشراف الأكاديمية أم قوات التحالف؟
الفريق أول الساعدي: يتم بالتنسيق بين قوات التحالف وبين كادر الأكاديمية ونعمل على إعداد مكان كامل للتدريب الإجمالي لجهاز مكافحة الإرهاب وبالتنسيق مع الأصدقاء في قوات التحالف. اقصد توفير ميادين تدريب متكاملة هناك. هذا إضافة إلى ما موجود فعلا ضمن أكاديمية مكافحة الإرهاب التي عادة ما تقوم بإعداد المقاتلين الجدد. لكن في بسماية سيكون لدينا مكان للتدريبات المتقدمة يسع فوجاً كاملاً من منام وميادين رمي وقاعات رياضة ومحاضرات. امتلاك معسكر نوعي كهذا سينعكس على قدرات وأداء قواتنا، كذلك فنحن نخطط لتدريب قطعات الجيش التي تتخصص في واجبات الرد السريع والاستجابة الأولى والمغاوير وغيرها من القوات.
يونيباث: ماهو دور قوات مكافحة الإرهاب في مرحلة ما بعد داعش؟ وهل أنتم جاهزون لمواجهة التهديدات المستقبلية؟
الفريق أول الساعدي: مرحلة ما بعد هزيمة داعش ابتدأت بعد تحرير أراضينا من رجس الإرهاب، وكما ذكرت في بداية حديثي كوننا جهاز أمني واستخباري، فنحن نتعقب قيادات الإرهاب ونتتبع تحركاتهم عن كثب، وفي هذا المجال حققنا خلال الربع الأول من عام 2019 نجاحات كبيرة باعتقال وقتل قادة مهمين سواء في العمليات الأخيرة في سلسلة جبال حمرين من جهة ديالى أومن جهة كركوك، وأيضا لدينا واجبات مستمرة تكاد تكون يومية في مناطق العبار والرطبة والحضر، وأعددنا خطة لتنفيذ واجبات أوسع على المناطق التي لدينا معلومات دقيقة عن تواجد الإرهابيين الهاربين من سورية والمناطق المحررة واختبائهم في المناطق الصحراوية البعيدة. ولدينا خطط على غرار خطط العمليات الأخيرة.
وأستطيع أن أقول لكم بكل ثقة أن قوات جهاز مكافحة الإرهاب جاهزة لأي تهديد إرهابي مستقبلي. ونعمل من خلال دراسات استراتيجية دقيقة والتدريب على الاستجابة لسيناريوهات معينة قد تحدث على أرض الواقع. ونقوم بعمليات تدريب ارتجالية دون تجهيز أو تحضير مسبق كي نعرف درجة الجهوزية ودقة الأداء وسرعة الاستجابة لدى القوة المكلفة بتنفيذ الواجب.
يونيباث: سيادة الفريق أول، عرجت على العمليات الأخيرة في حمرين وكركوك، هل تعتقد أنكم حققتم أهدافكم في تلك العمليات؟
الفريق أول الساعدي: نعم، أولًا هذه المناطق بعيدة جداً ولم تصلها القطعات العسكرية سابقاً. وقد تم قتل ما يسمى بأمير ديالى (أبو إدريس) حيث تم استهدافه بضربة جوية بناء على معلومات دقيقة أثناء العملية. كان الإرهابيون يعتبرون هذه المنطقة قلعة حصينة لهم واتخذوا منها مقراً لقيادة بديلة. وكنا عثرنا على مطبعة كاملة ومضافات ومكاتب خاصة للإرهابيين تم تدميرها جميعا، واستولينا على وثائق ومعلومات استخبارية مهمة. أما بالنسبة للواجب الأخير بوادي السات والذي لم تصله أي قوات في السابق، فقد قمنا بعمليات البحث والتطهير فيه وتدمير المضافات التي وجدنا. وكانت رسالتنا واضحة وهي أن قوات جهاز مكافحة الإرهاب قادرة على الوصول لأي هدف في أي مكان، ولايوجد مكان آمن للإرهاب في العراق.
يونيباث: كم كنتم بعيدين عن مخابئ قيادات الصف الأول لداعش؟
الفريق أول الساعدي: كما تعرف فإن المنطقة الصحراوية الممتدة من الموصل إلى نهاية الأنبار واسعة جدا، طبعا تضاف إليها الصحراء السورية، أي أنها منطقة مترامية الاطراف ووعرة والبحث فيها عن شخص أو مجموعة أشخاص صعب جدا. لكن استطيع أن أؤكد لكم أنه لا يوجد مكان آمن للاختباء لفترة طويلة، أي أنهم على تنقل مستمر، وبعض الأحيان يفصل بين وصولنا لمخابئهم وبين هروبهم ساعة أو أقل فنجد الطعام ما زال ساخناً. لدينا معلومات استخبارية على مدار الساعة وفريق متخصص بمتابعتهم وإن شاء الله سيتم اعتقالهم وجلبهم للعدالة أو قتلهم اذا ما قاوموا الاعتقال.
يونيباث: ماهي التحديات التي تواجهكم لتحقيق أهدافكم كقائد لهذه القوة الاستراتيجية؟
الفريق أول الساعدي: كما ذكرت لك، أننا نحتاج لبعض المتطلبات التي تساعدنا بتنفيذ واجباتنا، هذه المتطلبات خارج إمكانية جهاز مكافحة الإرهاب، أي أننا نحتاج إلى دعم الدولة المالي لإعادة بناء هذه القوات. نحن نحتاج لأعداد إضافية من المقاتلين، لا اقصد لتعوض النقص بسبب الخسائر، لكن لأن مسؤولياتنا كبيرة وعددنا قليل، ونحن بأمس الحاجة لبعض التقنيات والتجهيزات الخاصة وهذه التقنيات غالية الثمن. كذلك يجب اقتناء عجلات حديثة لاستبدال العجلات الهمر المتهالكة. كما نحتاج ميزانية كبيرة لاقتناء الطائرات العمودية (بلاك هوك) وتوفير مرافق للصيانة والتجهيز. نحن علي يقين أن الحكومة تدرك أهمية هذه المطالب ونتمنى تحقيقها، لأنها ستجعلنا متفوقين على العدو وتعطينا القدرة للوصول لمخابئهم بسرعة تفاجئهم. وستمكننا من بسط الأمن والاستقرار وتمكن الدولة من التفرغ للاهتمام ببناء البنى التحتية.
يونيباث: ماذا تعني لك الشراكة الاستراتيجية مع قوات العمليات الخاصة لقوات التحالف؟
الفريق أول الساعدي: إن هدف جهاز مكافحة الإرهاب المستقبلي هو بناء بيئة خالية من الإرهاب والحفاظ عليها فالشراكة ضرورية لتحقيق هذا الهدف، لأننا نقاتل عدواً مشتركاً. هذا الهدف ليس شعاراً نردده فقط، بل هو أيضاً خطة استراتيجية تحتوي على تفاصيل دقيقة وتتطلب دعم مادي ولوجستي لتنفيذ تفاصيلها في محاربة التنظيمات الإرهابية؛ لأن هزيمة الإرهاب لا تعتمد على النصر العسكري فحسب، بل تحتاج كذلك إلى خطة محكمة وطويلة الأمد لتجفيف منابع التمويل والحد من الترويج وتعقب القيادات، وهذا العمل لا يمكن تحقيقه من داخل العراق فقط بل يجب أن تتعاون جميع دول المنطقة والعالم من أجل هذه الغاية النبيلة لأن معظم الشبكات الإرهابية تعمل في جميع بقاع العالم، لذلك فنحن بأمس الحاجة إلى التنسيق والشراكة مع نظرائنا في قوات التحالف. إضافة إلى أن شركائنا في قوات التحالف لعبوا دوراً كبيراً أثناء معارك التحرير وما زالوا لحد الآن يعملون معنا كفريق واحد في مجال تبادل الخبرات والدعم اللوجستي والتعاون الاستخباري والاستطلاع والاسناد الجوي. نحن نقاتل عدواً مشتركاً يمتلك القدرة على الاختفاء والظهور في بلدان أخرى؛ لذلك نحن نحتاج إلى استراتيجية طويلة الأمد وشراكة دولية تمكننا من الوصول لهم في أي مكان أو زمان.
التعليقات مغلقة.