معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة، الجمهورية اليمنية
صرَّحت القيادة المركزية الأمريكية يوم 5 تموز/يوليو 2023 أنها أحبطت محاولة من إيران للاستيلاء على ناقلات نفط ترفع علم جزر الباهاما وجزر مارشال بالقرب من مضيق هرمز. وأعلن الأسطول الأمريكي الخامس في اليوم التالي أن القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية استولت على سفينة تجارية في المياه الدولية بالقرب من الخليج العربي، فنشرت البحرية الأمريكية سفنها.
وليست هذه أول مرة ترتكب فيها القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية مثل هذه الأفعال في المياه الدولية، فقد استهدفت إيران 20 سفينة تجارية منذ عام 2021 استمراراً للنمط الذي مارسته هي ووكلاؤها منذ ثورة 1979 التي أسست الجمهورية الإسلامية.
وجاء التصعيد بعد مضي أشهر على ما أُعلن عنه في الأول من آذار/مارس من توصل الجانبين السعودي والإيراني إلى اتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية في غضون شهرين بعد تجميدها سبع سنوات. ويأتي الاتفاق في إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها قيادة المملكة العربية السعودية لتسوية الأزمات، ورأب الصدع، وحل المشكلات العالقة بين دول المنطقة، والحد من التدخل في شؤون الدول العربية، وإقامة علاقات جيدة تقوم على مبدأ عدم التدخل واحترام السيادة الوطنية والسعي لتحقيق المصالح المشتركة.
شكلت تلك اللحظة فرصة للنظام الإيراني لإعادة النظر في سلوكه الخبيث، واحترام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقوانين والمعاهدات الدولية، والنأي عن رعاية الميليشيات واستخدامها لتنفيذ سياسات هدامة.
ولكن لم يتغير سلوك إيران بعد توقيع الاتفاق، فما زالت تدعم الميليشيات التي تنشر الفوضى والإرهاب وتهدد المصالح الدولية، وتشكل أفعالها خطراً مزمناً على المنطقة وعلى المجتمع الدولي، إذ تسعى إلى تغيير التوازن السياسي والثقافي والمذهبي في المنطقة بالقوة.
وهي عازمة على تصدير نموذجها الثوري، وذلك بتوسيع نفوذها الجغرافي والثقافي بدعم الميليشيات، مثل الحوثيين في اليمن، لتعزيز سلطتها داخلياً وخارجياً.
فالجمهورية الإسلامية لا تبخل بشيء على الميليشيات الموالية لها وتمول أنشطتها الخبيثة، وتزودها بالمال والسلاح والتدريب القتالي. وتعتبر طهران ميليشياتها، كالحوثيين، أقرب إليها من المواطن الإيراني الذي لا يؤمن بفكرها.
وهنا مكمن الخطر، إذ تعمل إيران على هدم استقرار دول المنطقة واستقلالها، وتسعى لتمكين ميليشياتها، حتى لو اضطرت إلى تحقيق مآربها فوق ما أحدثت من خراب ودمار. وما يحدث في اليمن خير دليل على ذلك، إذ أدى الصراع الدموي فيها إلى تفاقم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ولا يزال أبناء اليمن يتجرعون مرارة السياسة التي ينتهجها النظام الإيراني، إذ بلغت أطماعه التوسعية وتدخلاته السافرة في شؤون اليمن الداخلية ذروتها مع انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة في عام 2014، بدعم من إيران وبتمويلها وتخطيطها.
ولا تزال أصابعها واضحة جلية في تهريب الأسلحة والمخدرات إلى الحوثيين في انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، فتعيق بذلك المبادرات والجهود التي تبذلها دول الجوار بقيادة المملكة العربية السعودية والمجتمع الدولي لتهدئة التصعيد واعادة تثبيت الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، وتشكل حجر عثرة أمام الجهود المبذولة لإنهاء الحرب وإحلال السلام الشامل والعادل والمستدام. كما تتجاهل إيران الخسائر الفادحة والمعاناة الاقتصادية والإنسانية التي يعيشها اليمنيون في الحرب التي نشبت عقب الانقلاب.
إن تجربة اليمن مع النفوذ الإيراني منذ ظهور الحوثيين في ثوب ميليشيا مسلحة في عام 2003 خير دليل على الخراب والدمار الناجم عن سياسات إيران التوسعية في المنطقة وطموحاتها للهيمنة عليها منذ أربعة عقود من الزمان.
وكل مَن زار صنعاء، عاصمة اليمن، قبل سقوطها في أيدي الحوثيين، وقارنها بحالها اليوم، سيفهم ماذا أريد بقولي ”تصدير الثورة الإيرانية.“ فشوارع العاصمة اليوم مليئة بلوحات إعلانية تمجد بقادة إيران.
وبينما تجري الاستعدادات لإغلاق المعهد اليمني الأمريكي للغات، المتخصص في تدريس اللغة الإنجليزية، تُحمل الجامعات والمعاهد على التخصص في تدريس اللغة الفارسية، كما ألغى الحوثيون إحياء المناسبات الوطنية احتراماً لإيران.
ومن هذا المنطلق، لا ينبغي للمجتمع الدولي، بقيادة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، أن يغفل عن ردع السلوك الخبيث للنظام الإيراني. كما يحتاج خفر السواحل اليمني إلى الدعم لتحسين قدرته على حماية المياه اليمنية والمشاركة في المهام البحرية متعددة الجنسيات لحماية المياه الدولية القريبة من اليمن.
فقد آن الأوان لأن يتحرك المجتمع الدولي بقوة وحزم للحفاظ على أمن العالم وسلامه. ولا بدَّ من ذلك لمواجهة التهديد الناجم عن طهران وميليشياتها – وفي مقدمتها الحوثيون – وعدم الاستقرار الممنهج الذي ترعاه، والذي إن ترك دون ردع فسيُورِد دول المنطقة وشعوبها موارد الهلاك.
التعليقات مغلقة.