عندما يدور الحديث بين ضباط جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، تطرق مسامع الحضور مصطلحات غير مسموعة في المحافل الأخرى. وكأن لدى هؤلاء الأبطال لغة خاصة بهم. حيث يعرفون بعضهم بعدد المعارك التي خاضوها والجروح التي توسموا بها وهم يخوضون معارك ضارية ضد عصابات الإرهاب تشبه حروب الأساطير القديمة.
في جلساتهم يدور الحديث حول جميع ألوان الطيف العراقي من كورد وعرب وتركمان وأشوريين معا تحت العلم العراقي، هكذا وصف لنا العميد الركن علي هاشم الكناني نائب قائد العمليات الخاصة الأولى في جهاز مكافحة الإرهاب الرجال الشجعان تحت قيادته.
سيرة العميد الركن علي مليئة بالملاحم البطولية. التحق بالكلية العسكرية في عام 1999 حيث انهى الدورات الأساسية للمشاة وتخصص في حرب العصابات والحروب الجبلية. وبعد عام 2003 تم اختياره ضمن صفوف النخبة في اول تشكيل لقوات العمليات الخاصة العراقي وتلقى التدريب العالي في مركز الملك عبد الله الثاني للعمليات الخاصة في الأردن. حيث كان يشرف على الدورة مدربين القوات الخاصة الأمريكية.
”أغلب جيوش العالم تكتسب الخبرات من خلال التدريب وسنوات طوال من التمارين العسكرية والتنقل بين الوحدات، لكننا في العراق يتم اختيارنا للالتحاق بسوح المعارك منذ الأسبوع الأول للتدريب.“ قال لنا العميد الركن.
”كان اول واجب كلفت به بعد 2003 هو آمر فصيل في لواء المشاة الثالث وبرتبة ملازم اول في قاطع الموصل – تلعفر عام 2004. كان قضاء تلعفر آنذاك يسيطر عليه تنظيم القاعدة وكان العراق يعيش دوامة عنف واقتتال طائفي. عشت مع فصيلي أيام عصيبة وخضنا معارك دامية ضد عصابات الإرهاب. برغم سوداوية تلك الأيام وضبابية المستقبل الذي كان يشير لانزلاق خطير لحرب طائفية وعرقية لكني كنت أزرع روح الوطنية في نفوس الجنود وأطمئنهم بان العراق سينتصر.“
يؤمن العميد علي بأن المعركة الحقيقة للقائد تكمن بحفاظه على شرفه العسكري ونزاهته و وطنيته، وهذه هي صفات القائد الذي لا يمكن قهره.

”القائد الحقيقي هو من يكون قدوة لجنوده من حيث المحافظة على الشرف العسكري والأمانة في أداء الواجب. فهناك مغريات كثيرة قد يتعرض لها وعليه ان يتذكر دائما ما اقسم عليه امام الله والوطن، قال العميد الركن علي.
أحترام الجندي لقائده لا يأتي بالتعنيف والسطوة بل من خلال نزاهة وعدالة القائد تجاه جنوده. لا يمكن ان يكون القائد الفاسد شجاعا ولا يمكن ان يكسب احترام جنوده، لذلك تجد القادة العظام متواضعين ونزيهين.“
يركز العميد علي على أهمية العنصر الاستخباري في الحرب ضد عصابات الإرهاب التي تختبئ بين المدنيين من أجل الحفاظ على أرواح المدنيين وتجنب الخسائر والأضرار الجانبية.
”منذ معارك تلعفر عام 2004، تعلمت من نظرائنا في قوات التحالف أهمية مشاركة ومطابقة المعلومات الاستخبارية التي تعتبر مفتاح النصر. ربما تستطيع اقتحام أي قرية بالدبابات وسحق مخابئ الإرهابيين لكنك ستكبد خسائر غير مبررة في قواتك وتعرض حياة المدنيين للخطر. ان السكان هم كنز ثمين يجب على القوات العسكرية المحافظة عليه. فعندما يثق بك السكان سيدلون لك بمعلومات قيمة تستطيع من خلالها ان تنتصر بأقل الخسائر.“
تزين جسده بعدة جروح مميتة أثناء المعارك التي خاضها، جروحا يفتخر بها كثيرا. وكل جرح له حكاية وذكرى. آثر البقاء في ارض المعركة برغم الإصابة لإيمانه المطلق بان جنوده بحاجة لوجوده بينهم حتى نهاية المعركة.
”اشتركت في معركة تحرير تلعفر عام 2004-2005 حيث كنا نقاتل من بيت لبيت في أزقة ملغمة بالمفخخات والانتحاريين. لا يفصلنا عن الموت سوى لحظات. تلعفر بالنسبة للإرهابيين تمثل الشريان الذي يمر خلاله المقاتلون الأجانب والمواد المتفجرة والأموال عبر سورية لذلك هم يقاتلون باستماتة.“ يذكر العميد الركن علي.
”فبرغم الجرح الذي تعرضت له، رفضت الإخلاء لأني آمر الفصيل وكان علي قيادة الفصيل حتى النصر والحفاظ على أرواح الجنود الذين كانوا يستمدون العزم مني.“

شهد عام 2007 مفصلا مهما في تاريخ العراق الحديث، حيث كانت الحرب الطائفية في أوجها وكانت الجثث تملأ الطرقات. إذ اتخذت الحكومة العراقية وقوات التحالف القرار بعملية واسعة أطلق عليها عملية فرض القانون. كان للعميد الركن علي دورا بارزا في هذه المهمة التي سترسم وجه العراق الجديد.
”كنت أؤمن بمهمتي الوطنية في عملية فرض القانون. جمعت جنودي ذلك اليوم قبل التحرك لقاطع مسؤوليتنا في إحدى ضواحي بغداد، وحدثتهم عن أهمية تلك العملية التي كان يجب علينا ان نكون فيها جنود أوفياء للعراق فوق كل الانتماءات العرقية والدينية. لأن أي انحياز لاي طائفة او حزب كان حتما سيقود لعواقب كبيرة.“
”وبرغم خطورة المهمة استطعنا ان نكسب ثقة السكان ونمنع انتشار العنف وحصرناه في مناطق معزولة حيث تم اعتقال وقتل الإرهابيين وكان المواطن العراقي يقدم لنا المعلومات الدقيقة عن مخابئ المسلحين وعصابات الجريمة ما ساعدنا على بسط الأمن في بغداد في غضون شهور. هذه المهمة المشرفة كانت حجر الزاوية لعراق ديمقراطي يؤمن بحرية الرأي وتعدد الأديان والتسامح.“
لاشك ان اجتياح داعش لأراض واسعة من العراق سبب صدمة كبيرة للقوات الأمنية بيد أن وحدات معدودة من قوات النخبة في جهاز مكافحة الإرهاب صمدت في مواقعها في معسكر الغزلاني وقاعدة سبايكر الجوية ومصفى بيجي حيث قاد العميد علي ملحمة بطولية للحفاظ على موقعه الدفاعي وعدم تسليم مصفى بيجي لعصابات الإرهاب.
”لمعارك مصفى بيجي أثر كبير في نفسي حيث صمدنا في المصفى لتسعة أشهر محاصرين بالمفخخات والقناصين من جميع الجهات. ما جعل بيجي مميزة هو التعدد الأثني والديني للمقاتلين الذين يجمعهم علم العراق.“ قال العميد الركن علي.
”المكان الوحيد الذين يحتوي على مقبرة واحدة لجميع الأديان والطوائف، لأن كل طائفة لها مدافن خاصة بها في العراق لكن في معركة بيجي دفنوا جميعا بمقبرة صغيرة يرفرف فوقها علم العراق شامخا. كان الشعور بالنصر عظيما خصوصا وانه أتى بعد ان فقدنا الأمل بالنجاة لكن صلابة المقاتلين امام اكبر الهجمات الوحشية جعلت النصر في هذه المعركة الأسطورية حقيقة.“

تدرج العميد علي في المناصب من امر فصيل الى منصبه الحالي حيث الخبرات التراكمية تصقل القدرات للقادة الميدانيين.
بدأ آمر فصيل خلال معركة تلعفر، ثم مساعد آمر سرية لمدة عامين قبل أن يصبح آمر سرية قوات خاصة في عملية فرض القانون. شارك في معركة صولة الفرسان في عام 2008 مساعدا لآمر فوج مكافحة الإرهاب. وفي عام 2018، تولى منصب مدير شعبة تبادل المعلومات في مديرية الاستخبارات في جهاز مكافحة الإرهاب.
بعد انتقاله إلى مديرية العمليات، ترقى إلى منصب رئيس أركان قيادة العمليات الخاصة الأولى قبل أن يصبح مساعدا لقائد العمليات الخاصة الأولى في عام 2022. ويشغل حالياً منصب قائد قيادة العمليات الخاصة الأولى.
تحدث العميد علي عن أهمية وجود حليف دولي قوي يحترم الالتزام بالمعاهدات والمواثيق.
”عملت مع قوات التحالف منذ 2003، وتعلمت منهم الكثير، كما هم تعلموا الكثير منا. فالعمل في بيئة العمليات المشتركة مهم جدا من أجل إكتساب الخبرات التكتيكية والتعرف على طرق جديدة بتنفيذ الواجب. فمعارك تحرير المدن من عصابات داعش برهنت على أهمية العمل مع شركاء دوليين من أجل قطع تمويل وإمداد الأخطبوط الإرهابي الذي لديه شبكة متجذرة في بقاع العالم. لقد لعب التحالف دورا كبيرا في تسليح وتجهيز قواتنا المسلحة وقام بالدعم الجوي المتواصل أثناء معارك التحرير، ومازلنا نعمل معا من أجل عدم السماح لعودة الإرهاب.“