استحداث أشكال جديدة للتعاون الأمني

الدكتور‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬العطية،‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬ووزير‭ ‬الدولة‭ ‬القطري‭ ‬لشؤون‭ ‬الدفاع

إنَّ هذا‭ ‬العام‭ ‬مميز‭ ‬عن‭ ‬سائر‭ ‬الأعوام‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬إذ‭ ‬استضفنا‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬2022،‭ ‬وأجدني‭ ‬أستشهد‭ ‬بكلام‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الأمير‭ ‬الشيخ‭ ‬تميم‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬كلنا‭ ‬فخر‭ ‬بالتطورات‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬دولة‭ ‬قطر،‭ ‬ونحمد‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الأضواء‭ ‬التي‭ ‬سلطتها‭ ‬كأس‭ ‬العالم،‭ ‬إذ‭ ‬ألهمت‭ ‬وسارعت‭ ‬بالتطورات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬بلادنا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والسياسة‭. ‬فما‭ ‬أعظم‭ ‬تأثير‭ ‬الرياضة‭ ‬على‭ ‬البشر؛‭ ‬فهي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬توحيد‭ ‬وإسعاد‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬اختلافهم،‭ ‬وتجسد‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬حالاتها‭ ‬التفاني‭ ‬وروح‭ ‬الفريق،‭ ‬حيث‭ ‬تُكافأ‭ ‬أفضل‭ ‬جهودك،‭ ‬ويكملك‭ ‬زملاؤك‭ ‬حين‭ ‬تقصر‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الرياضة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬حقيقي‭ ‬للتعاون‭ ‬العالمي‭. ‬

ونحن‭ ‬إذ‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬محافل‭ ‬جديدة‭ ‬للتعاون‭ ‬الأمني،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬محافل‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬توحيد‭ ‬البلدان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬القوة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالأمن‭ ‬وتعزيزه،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬بسط‭ ‬الأمن‭ ‬الحقيقي‭ ‬إلا‭ ‬بنهج‭ ‬جماعي‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أنَّ‭ ‬لعبة‭ ‬التفوق‭ ‬سارعت‭ ‬بالابتكار‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الأمن،‭ ‬لكنها‭ ‬تركت‭ ‬كثيرين‭ ‬إما‭ ‬متفرجين‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬وإما‭ ‬منعزلين‭ ‬في‭ ‬حدودهم‭. ‬

إنَّ‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬مباركة‭ ‬بوفرة‭ ‬خيراتها‭ ‬وصمود‭ ‬شعبها‭ ‬ورؤية‭ ‬قيادتها؛‭ ‬وقد‭ ‬خُصص‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬دولتنا‭ ‬للنهوض‭ ‬بشعبنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعليم‭ ‬والبحث‭ ‬والتطوير‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬المتميزة‭. ‬وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الأمني،‭ ‬تركز‭ ‬قطر‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬قوة‭ ‬جيدة‭ ‬التدريب‭ ‬والتجهيز‭ ‬متأهبة‭ ‬لحماية‭ ‬حدودنا‭ ‬وأعينها‭ ‬ساهرة‭ ‬على‭ ‬الأمن،‭ ‬مقرونة‭ ‬بالارتقاء‭ ‬بالأشكال‭ ‬التقليدية‭ ‬للتعاون‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬الحلفاء‭ ‬والشركاء‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخباراتية،‭ ‬والتوافق‭ ‬العملياتي،‭ ‬ومبادرات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام،‭ ‬والتدريب‭ ‬والتعليم‭. ‬

وعند‭ ‬دراسة‭ ‬الأشكال‭ ‬الجديدة‭ ‬للتعاون‭ ‬الأمني،‭ ‬فإذا‭ ‬بي‭ ‬أرجع‭ ‬خطوة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬للإلمام‭ ‬بواقعنا‭ ‬الحالي‭ ‬واستخلاص‭ ‬بعض‭ ‬الدروس‭ ‬المستقاة‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭. ‬

كلنا‭ ‬نعلم‭ ‬أنَّ‭ ‬الانعزال،‭ ‬كما‭ ‬أثبت‭ ‬التاريخ،‭ ‬يؤجج‭ ‬مشاعر‭ ‬العداء،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يطفئ‭ ‬نيران‭ ‬الظلم‭ ‬والعدوان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعامل‭ ‬معهما‭ ‬بشدة؛‭ ‬وعندما‭ ‬يجد‭ ‬المعتدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬مهزومين،‭ ‬سوف‭ ‬تعيد‭ ‬محافل‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬العالمية‭ ‬استيعابهم،‭ ‬ويحل‭ ‬السلام،‭ ‬ويسود‭ ‬الازدهار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭. ‬

إنَّ‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬الدول‭ ‬ضمن‭ ‬الأطر‭ ‬الجماعية،‭ ‬وليس‭ ‬التحايل‭ ‬على‭ ‬نص‭ ‬القانون‭ ‬لنبذ‭ ‬الآخر،‭ ‬يبني‭ ‬نزاهة‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬ويجبر‭ ‬أعضاءها‭ ‬على‭ ‬تثبيت‭ ‬دعائمها‭. ‬

ما‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬نتحدث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬المحاور‭ ‬العالمية‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬التوازن،‭ ‬وأرى‭ ‬أنَّما‭ ‬مهمتنا‭ ‬هي‭ ‬توسيع‭ ‬وتعزيز‭ ‬المنصات‭ ‬العالمية‭ ‬المصممة‭ ‬لقيادة‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتقدم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬العالمي‭. ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬توطيد‭ ‬وتوسيع‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأندية‭ ‬المخصصة‭ ‬لأعضائها‭ ‬فقط،‭ ‬يمكننا‭ ‬بالآخر‭ ‬بناء‭ ‬نموذج‭ ‬شامل‭ ‬ومستدام‭ ‬للنمو‭ ‬والتعاون‭. ‬

فلا‭ ‬بدَّ‭ ‬أولاً‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬نظام‭ ‬منصف‭ ‬للتعاون‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يوجد‭ ‬أي‭ ‬بصيص‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬استكشاف‭ ‬أشكال‭ ‬جديدة‭ ‬ومبتكرة‭ ‬للأمن‭ ‬العالمي‭ ‬المستدام‭ ‬وأشكال‭ ‬التعاون‭ ‬الأخرى‭. ‬

وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يسألني‭ ‬السائلون‭ ‬عن‭ ‬لعبة‭ ‬التوازن‭ ‬التي‭ ‬تلعبها‭ ‬قطر؛‭ ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقاتنا،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬دفاعية‭ ‬أم‭ ‬سياسية‭ ‬أم‭ ‬تجارية،‭ ‬مع‭ ‬شركاء‭ ‬متعددي‭ ‬الجنسيات‭ ‬تختلف‭ ‬مصالحهم؟‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬أنَّ‭ ‬قطر‭ ‬لا‭ ‬تلعب‭ ‬أي‭ ‬لعبة،‭ ‬نحن‭ ‬نعرف‭ ‬من‭ ‬نحن،‭ ‬ونعرف‭ ‬نقاط‭ ‬ضعفنا،‭ ‬ونعرف‭ ‬كل‭ ‬شيء؛‭ ‬ونعرف‭ ‬مبادئنا،‭ ‬ونسير‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬طريقنا‭ ‬المميزة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬‮«‬رؤية‭ ‬قطر‭ ‬الوطنية‭ ‬2030‮»‬؛‭ ‬والكل‭ ‬يعرف‭ ‬شخصيتنا،‭ ‬فحين‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬قطر،‭ ‬فأنت‭ ‬تعرف‭ ‬بالضبط‭ ‬من‭ ‬تتعامل‭ ‬معه‭: ‬شريك‭ ‬صادق‭ ‬وموثوق‭ ‬به‭ ‬لن‭ ‬يتردد‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬الحق‭. ‬

ويتجلى‭ ‬صدق‭ ‬جهود‭ ‬قطر‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القضايا‭ ‬العالمية‭ ‬الجارية،‭ ‬ومنها‭ ‬أزمة‭ ‬اللاجئين‭ ‬الأفغان‭ ‬وجهود‭ ‬إعادة‭ ‬إعمار‭ ‬لبنان؛‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نتراجع‭ ‬في‭ ‬الشدائد‭ ‬ولا‭ ‬نعاقب‭ ‬الأفراد‭ ‬على‭ ‬تلون‭ ‬مواقفهم‭ ‬بحرمان‭ ‬شعوبهم‭ ‬من‭ ‬جهودنا‭. ‬وربما‭ ‬يحاول‭ ‬البعض‭ ‬تصوير‭ ‬أي‭ ‬جهود‭ ‬تبذلها‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬إنما‭ ‬تسعى‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالحها،‭ ‬وأقول‭ ‬لهؤلاء‭: ‬إنَّ‭ ‬جهودنا‭ ‬العالمية‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬رغبتنا‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬غايات‭ ‬التماسك‭ ‬والسلام‭ ‬العالميين،‭ ‬ونعي‭ ‬تماماً‭ ‬أنَّ‭ ‬العدوان‭ ‬يخدم‭ ‬شرذمة‭ ‬قليلين،‭ ‬أمَّا‭ ‬السلام‭ ‬وثمار‭ ‬السلام‭ ‬–‭ ‬وأقصد‭ ‬الرخاء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬–‭ ‬فيخدم‭ ‬البشر‭ ‬أجمعين‭. ‬

تاريخياً،‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬قصير‭ ‬النظر‭ ‬وقائماً‭ ‬على‭ ‬ردة‭ ‬الفعل‭ ‬وبالتالي‭ ‬يصبح‭ ‬هداماً،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الأمن‭ ‬شاملاً‭ ‬حتى‭ ‬يدوم‭ ‬ويصمد‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الزمن،‭ ‬وهذا‭ ‬أشبه‭ ‬بكرة‭ ‬القدم،‭ ‬إن‭ ‬أخطأ‭ ‬لاعب،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬يغطيه‭ ‬زملاؤه،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬حظ‭ ‬في‭ ‬الفوز‭. 

التعليقات مغلقة.